“قلق الدهر” أزمة الكورونا ومقاربات معالجتها

إن الناظر في أفق هذا التخبط العالمي ليسترعيه الانتباه إلى ما تستبطنه هذه ( المحنة/ crisis) من أبعاد ديمغرافية وطبيعية و سياسية_إيديولوجية، و هذا كله بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية الحادة التي لا تكاد تصدح بأرقام صادمة صدم أرقام ارتفاع المصابين و القتلى بالفيروس الجديد، ولكن في هذا الأفق ما الذي يلوح لنا في عالمنا العربي؟  كيف نرى عوامل هذه الأزمة؟      و ماهي آلياتنا و مستنداتنا لمعالجتها؟…..

كيف أثرت الحالة الثقافية للعالم في تحليل ظهور الوباء؟

ما يدعو إلى الانتباه هو ما يقوله و يروجه العرب في منتديات و صفحات ووسائل اتصال و تواصل، هذا الداعي ينبؤنا ببعد جذري عن التحقيق العلمي و أهل الاختصاص، بينما تسارعت الآراء و الأفكار و علت الأعناق في بلدان الغرب إلى المختصين في علم الفيروسات(virologie)، اكتظت منابر الإعلام العربي بالسياسيين و المحللين و الفنانين وغيرهم.

لا ننفي وجود بعض النماذج و لكنها تظل قاصرة وغير قادرة على تبليغ المعلومة العلمية الصحيحة و المؤكدة، الأمر الذي أدى إلى ارتباك و اضطراب تراوح بين الاستهزاء و الاستهتار الذي علا صوته في الآونة الأولى لظهور الفيروس في بعض بلداننا العربية استهتار بالأرقام و وصف لحالة الموت بالعجز وعدم القدرة على الدفاع.

و من أبرز ما أذهلني حكاية طالب في جامعة الطب في إحدى أقطار العرب يطلب منه والده أن يأكل صباحًا خبزًا مع زيت الزيتون لمواجهة الفيروس الحديث، بينما رأت مجموعة أخرى من المتنورين العرب ذوي الثقافة و التعليم أن الأمر حق و أنه وجب الاحتياط ولا مجال للتهاون في كشف فظاعة الواقع المستهتر.

ماهي حجج النخب في تحليلهم لمجريات الحاضر؟

تنقسم  الطبقة الاجتماعية في حد ذاتها إلى أطياف و كل يدلو بدلوه من حيث اكتسب ثقافته، من هؤلاء المتعلمين نواب في مجلس النواب، وقد خرج أحدهم مدعيا أن الفيروس نتيجة لعدم التزام النساء بالنقاب، و أنها دعوة من الله حتى تكتسي المرأة حجاب الإيمان، ودون مناقشة لهذه الفكرة فإن تركيزها كان على فئة متدينة واسعة من الشعوب العربية.

و بذلك تقلصت فكرة الاستهزاء وأصبحت هذه الفئة التي تستهويها التفسيرات الدينية أكثر جدية في التعامل مع الوباء وأطلقت عليه اسم ” الطاعون” وقد استندت في ذلك اإلى قول النبي محمد :” إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا فيها و إذا وقع بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها”. عززت هذه المقولة جهود العديد من حكام العرب في السيطرة على الوباء و انتشاره.

أما الفئة الثانية من النخبة فرأت في الأزمة العالمية حربًا بيولوجية واستندت إلى ما يعبر عنه بنظرية المؤامرة، كرست هذه الفئة جهدها للتقصي و البحث وحاولت أن تحشد الأدلة لتقنع بأن الفيروس الحادث محدث من قبل الإنسان نفسه، و أنه كان يرتجى منه أن تسقط دول و تعلو أخرى و الدولة المستهدفة كانت و بلا مراء الصين، مجالات اشتغال هذه الفئة تستند إلى عناصر متعددة محاولة أن تصب الوعي الجمعي مصب الأزمة المختلقة والحرب الباردة الجديدة بين الصين و أمريكا.

هل حقًا إن الفيروس المستجد قد تم افتعاله و تصنيعه؟

إن من أبرز ما نلحظه تداول العديد من مشتركي الفيس بوك فيديو الفرنسي الذي تحدى وتجرأ واتهم بلاده بالمشاركة في اختراع الفيروس كبراءة اختراع مسجلة في سجل الاتحاد الأوروبي، بينما كتبت صحف تابعة لقوى إقليمية في أوروبا أن التصنيع كان في بلدان أخرى في أوروبا أولها ألمانيا، وخارج المجال الأوروبي يرى الكثيرون أن أمريكا لا غير هي المتسبب في هذه الأزمة بسبب حربها الاقتصادية مع الصين و ذلك ما جعل الرئيس الأمريكي يرد بتشنج و لا يسمي الفيروس الجديد بايمه العلمي Covid_19 بل يطلق عليه اسم ” المرض الصيني”.

بعض المحليين قد عزى القضية إلى صراع وجود بين الشيوعية و الرأسمالية، فمن هي أطراف هذا الصراع؟

لقد ثارت أقلام الصحفيين و المتسائلين و حاولوا تجريم هذا المسمى لما ينطوي عليه من عنصرية ضد الصنيين في العالم، و أخيرًا تظهر الفئة المؤدلجة وهي فئة تقحم السياسة و تجعلها السبب المسبب لكل الحوادث ورغم تطور الفكر السياسي في الغرب و الشرق تبقى ثنائية الشيوعية_الرأسمالية محور التفكير العربي، فقد هب الطلبة و الأساتذة و المحللون و السياسيون أنفسهم في العالم العربي إلى الانشقاق إلى محورين محور شيوعي و آخر رأسمالي.

ما هي حجج كل من الشيوعيين و الرأسماليين في تفنيد رأيهم؟

لقد كتبت العديد من المقالات حول الرأسمالية و قيم حقوق الإنسان و تحدي أزمة الكورونا لما يرفعه هذا النظام الإقتصادي من مبادئ، بينما انتقدت الأفكار الشيوعية بكونها طوباوية مغالية في تحليل الواقع، طالب الرأسماليون بسياسة المراحل في احتواء الأزمة حتى لا يتضرر الاقتصاد بصفة حادة.

بينما دعت أصوات الشيوعيين إلى التعامل بجذرية مع الأزمة و غلق كل المصالح و المحلات وإيقاف الرحلات الجوية و البحرية وإغلاق الحدود، نظرية الشيوعية هي حماية النفس البشرية، وتقابلها نظرية رأسمالية ترى التعقل ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد واجبًا.

مثال على ذلك ما جاء في خطاب الرئيس التونسي المعروف بتحيزه للشعب و صرامته في تعامله مع الأزمة حتى زكت بعض الأطراف عمله، إذ قال في إحدى الإجراءات المتخذة: “غلق كل المعامل والمحلات الخاصة “_ليس كلها_” هذا الانتقاء يدل على ضغط رؤوس الأموال للإبقاء على بعض الشركات قيد الشغل والتصنيع، و قد فسر ذلك بأنها قطاعات حيوية يحتاجها الشعب في ظل هذه الأزمة.

هل وقف اختلاف الآراء التحليلية في وجه معالجة الأزمة؟

إذن قد اختلفت أوجه النظر وتعالت أصوات مختلفة مسببة الارتباك والحيرة مع الإحساس بالخوف انطلاقًا من سياسة ترهيب الناس لتوعيتهم بالخطر المحدق بحياتهم. ذلك ما جعل الأزمة تتغول وأصبح الفرد يسعى إلى إنقاذ نفسه مدعومًا بغريزة الحياة. ولكن هل وفقت هذه الآراء مختلفة في علاج الأزمة؟ يجيبنا الواقع بالرفض مطلقا فبؤر الوباء تتجدد و تصنع و تنتقل من مكان إلى آخر -حسب منظمة الصحة العالمية فإن مركز الوباء انتقل من الصين إلى أوروبا و ثمة إلى أمريكا- و الهلع قتل الكثيرين قبل إصابتهم بالفيروس. فأين تقع الإجابة الحقيقية؟

ما هو رأي التحقيق العلمي في تحليل أزمة كورونا؟

من هذا المنبر هناك أصوات متخافتة لا نجدها على الشاشات ولا يمكننا الوصول إليها باستعمال وسائل الاتصال و التواصل رغم وجودها فإن الكثيرين لا يعيرونها انتباها، و هي تحليل منطقي وصادق و صحيح بالمعني العلمي لما يحدث في العالم، إنها الطبيعة، تلك التي ربينا فيها منذ وجودنا الأول سواء بانفجار علمي أو بنزول آدم أو بتطورنا من حيوانات إلى إنسان.

فنحن أبناء هذا الكائن الحي الذي افتقدناه في عصر المدنية والعولمة و التصنيع، الطبيعة تأبى أن تكون الأم العجوز المتروكة في ركن صغير مستجمعة أنفاسها الأخيرة، إن موت الطبيعة يعني بالصراحة الواضحة موت الإنسان أينما كان، و لنركز على ما حدث واقعا فإن هذه الأزمة نتيجة تهجمنا على الطبيعة، إننا نأكل اللحوم كل يوم ونذبح ونقتل ونصعق المليارات من الحيوانات التي نزهق من أجلها أطنانا من المياه التي نحتاجها لمستقبلنا.

هل كانت العلاقة الغذائية المستجدة بين الإنسان و الحيوان سببًا مباشرًا للوباء؟

إننا نأكل و لا نسأل كيف أو من أين؟ و لعل هذا النظام ليس بالنظام الرأسمالي فقط بل يقبع في آخر قلاع الشيوعية بالتعبير القديم للمصطلح، و قد انفجر هناك، أكدت الصين ومنظمة الصحة العالمية أن الفيروس الجديد نتيجة علاقة غذائية بين الانسان و الحيوان و ليس المهم هنا أي الحيوانات هو؟ و لعله من المهم في هذا المستوى تفسير بعض مما حدث في الصين، كان السبب الأول لهذه الفيروسات مجاعة اجتاحت الصين و أتت على أكثر أهلها مما جعل الدولة تتيح لمواطنيها أكل الحيوانات البرية فأصبح الكثيرون يصطادون الأفاعي و الخفافيش والنمور قصد أكلها.

ثم أصبح ذلك نوعًا من التجارة الموازية لمدة طويلة وتواصلت هذه العادة بعد نهاية المجاعة، حتى انطلقت الدولة من جديد في ردع هذه التجارة الموازية ولكن الشعب رأى في ذلك عودة إلى الجوع فكان الرفض قاطعًا، مما فرض على الدولة تبني هذه التجارة والسماح لها بالعمل في الأسواق الرسمية.

وبذلك حدث الاختلاط بين اللحوم التي اعتاد الإنسان منذ القدم على أكلها و اللحوم المستهلكة حديثًا وبهذا الاختلاط أنتجت الطبيعة سلاحها المضاد ضد الإنسان الذي أفحش في استغلالها، و في سنة 2003 ظهر فيروس Sars جاء على حياة الآلاف فقررت الحكومة الصينية إيقاف العمل بتجارة اللحوم التي لم تكن تنتمي للاسواق الرسمية و بعد هذه الأزمة عادت الصين لتسمح بها مجددا مما سبب فيروس Covid_19 الذي قتل إلى حد اللحظة 20.000  إنساناً، فهل ستنتهي هذه الحرب ضد الطبيعة الأم التي احتظنت كياننا لملايين السنين أم أننا نسطر ملامح موتنا بأيدينا؟…

هل كانت الكورونا نداءً لإنقاذ الطبيعة؟!

إنه النداء، نداء لنوقف تصنيع اللحم وخسارة ما بقي لنا من المياه في تجارة خاسرة، نداء لإيقاف إنتاج البيترول بالشكل المروع الذي لا يتحمله العالم، نداء لإيقاف الانتهاكات التي ترعاها الدولة ضد الطبيعة ما يحدث في المحيطات من قتل للنادر من الأسماك و ما يحدث على البر من تقطيع واسع للغابات وحرق للبراري، سنجني ما زرعنا ونحن اليوم نحرق و لا نزرع و الخوف كل الخوف أن تلتهب هذه النار و تحرقنا.

فيديو مقال “قلق الدهر” أزمة الكورونا ومقاربات معالجتها

أضف تعليقك هنا