هذه عقيدتي وهذا هو اعتقادي

بقلم: أ.د/ فؤاد محمد موسى عبد العال

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ( الذاريات: 56  ( و ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ( البقرة: 30) و ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ( الأنعام:162) إن فهمي لديني وعقيدتي يجعلني أضع هذه الآيات نصب عيني في تكامل وشمول وتناغم، لا يمكن الفصل بينها، ولا يتم تفسير إحداها منفصلة عن الأخرى.

ديننا أتى شاملًا لكل مظاهر الحياة، ما الدليل على ذلك؟

إن الفصل بين هذه الآيات في الفهم يسبب الكارثة الكبرى في تطبيقنا لعقيدتنا، وهو السبب في كل مشاكلنا الحياتية، وما نحن فيه من ضياع بين الأمم، وإلى جانب ذلك فإنه هو المدخل للمنافقين وأعوانهم للدس والوقيعة بين أفراد الأمة الإسلامية في وضع تأويلات من هوى الأنفس ما أنزل الله بها من سلطان.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ( النساء:150) إن شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة، هي من أهم معتقداتنا الإسلامية، والحياة هي مزرعة الآخرة ولا يمكن الفصل بينهما، فكل أعمالنا عبادة، وكل نوايانا في هذه الأعمال هي لله وليس لأحد سواه، وكل إنسان مكلف من الله أن تكون هذه عقيدته.

إن هذه المفاهيم الكلية هي التي يجب أن تعرض على كل إنسان على هذه الأرض حين دعوته للإسلام، ومن الأولى أن يتم تربية أبناء الأمة الإسلامية عليها، كأولويات التربية، قبل الدخول في تفاصيل الدين الإسلامي.

كيف طرح الله تعالى في القرآن الكريم مهمة الإنسان على الأرض؟

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 30)

من المعروف أن المقصود بكلمة الخليفة هنا هو الإنسان، وهذا الإنسان هو موضوع التربية وشاغلها الوحيد، وإذا ما بحثت عن مفهوم التربية في معظم مراجعها لأعيتك هذه المراجعة لكثرة التباين فيما كتب عن ذلك، والسبب بسيط جدًا، لأن معظم ما تم كتابته من منظور فلسفات الغرب التي تم تأسيس التربية عليها، ولم يتم الرجوع إلى المصدر الأساسي لتربية الإنسان وهو كتاب الله عز وجل.

فكلمة خليفة هي التي تحدد مفهوم التربية للإنسان التي أوردها الخالق لهذا الإنسان في قوله تعالى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) وأرجو أن ننتبه إلى (إِنِّي )

لماذا نلجأ للعلوم الوضعية في التربية و بين أيدينا كتاب العليم الخبير؟

إنه الله، إنه الله،  وليس العالم أو الفيلسوف….. الذين ننبهر بهم ونشيد بقولهم وفلسفتهم بجامعاتنا وبحوثنا ومراجعنا وتقوم التربية في معظم مؤسساتنا التعليمية على أقوالهم وآرائهم دون النظر لم جاءنا من الحق في كتاب الله، فالقرآن الكريم هو الكتاب الذي يجب أن تقوم عليه التربية، ولا مانع من الاستفادة من جهود الآخرين في التربية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها  ( إبن ماجة ) ولكن لا تكون هي الأصل ونترك ما قاله الله.

ما هي الغاية من التربية الإسلامية؟

ومن هنا يجب أن نعي أن التربية بأبسط كلمات وأوضحها هي إعداد الخليفة للقيام بالخلافة، ولنعود إلى كلمة خليفة لنفهم المقصود بها، بالرجوع إلى ما كتب بهذا الخصوص نجد تباينات متعددة في هذا الأمر ولن نخوض في هذا حتى لا يضيع الهدف الذي نبتغيه من هذا المقال.

ولكننا نستطيع أن نقول أن الخليفة هنا يعني بلغة التربية الإسلامية بأنه: قائد يقود الحياة في الأرض ( جماد، نبات، حيوان، نفسه، غيره ) بمنهج الله، لله.

هنا يجب أن نأكد على عدة معاني:

  • أن هذه القيادة تكليف من الله للإنسان فهي العبادة الكلية التي يجب أن يقوم بها الإنسان.
  • أن الله عز وجل سيحاسب الإنسان على هذه القيادة.
  • أن هذه القيادة في حياة الإنسان الدنيا، وهذا ما أكدت علية الآية الكريمة بالقول ( في الأرض ).
  • أن هذه القيادة لكل ما في الأرض ( جماد، نبات، حيوان، نفسه، غيره)، حيث سخر الله للإنسان كل ما في الأرض لإنسان حتى يسهل قيادته.
  • أن هذه القيادة تكون بمنهج الله الذي جاء في القرآن والسنة النبوية، وليس بهوى نفس الإنسان.
  • أن هذه القيادة تكون بنية مرضاة الله، وليس أحد سواه.

ما هو المعنى الذي يجب أن نركز عليه من المعاني السابقة؟

هذا المفهوم للخليفة يجب أن تتأسس عليه تربيتنا لأبنائنا في كل المؤسسات التعليمية، وتعمل بها كل وسائل الإعلام، ويعمل به كل ولي أمر من الآباء والأمهات، وكل مسئول طبقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه)  ( متفق )                                       

بعض الأسئلة التي تراود ذنك بعد قراءتك المقال:

أخي المسلم .
هل عرفت من أنت؟
هل فهمت مهمتك في الدنيا؟
هل تحاسب نفسك طبقا لذلك؟
هل تربي أولادك على هذا المفهوم؟
فليسأل كل منا نفسه هذه الأسئلة ويصحح مسار حياته طبقا لها حتى نفوذ في الدنيا والآخرة.

وما توفيقي إلا بالله.

بقلم: أ.د/ فؤاد محمد موسى عبد العال

أضف تعليقك هنا