أثر فايروس كورونا على عقود العمل في ضوء الشريعة الإسلامية

بقلم: المستشار القانوني/ محمد موسى مرعي

الالتزام بعقود العمل في الشريعة الإسلامية

الأصل في العقود اللزوم وقد جاء في قولة تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) ولما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم)  رواه البخاري، فإن العقد ملزم لطرفية بكامل أركانه وشروطه؛ وفي عقود العمل يكون العامل ملزم بأداء العمل المتفق عليه ويكون صاحب العمل مُلزم بدفع راتب العامل وأي التزامات أخرى نص عليها عقد العمل إلا أنه قد تحدث ظروف تجعل من التزام أحد أطراف العقد مرهقاً، وفي بعض الأحيان مستحيلا، وبتطبيق ذلك على ما يمر به العالم من جائحة كورونا نجد أنها أثرت وبشكل كبير في جميع القطاعات العامة والخاصة، سواء كان ذلك بشل الحركة الاقتصادية كلياً أو جزئياً على بعض الاعمال والوظائف، والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هل ما نمر به حالياً من ظروف تعتبر جائحة تعطي أطراف عقد العمل الحق في فسخ العقد دون إخطار أو دون مقابل!؟، للإجابة على ذلك لابد أن نتعرف على ماهية الجائحة (القوة القاهرة).

هل أثر فيروس كورونا بعقود العمل؟

قامت فكرة القوة القاهرة استناداً لما أورده بعض الفقهاء في باب (أحكام الجوائح)  تطبيقاً لقول الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ …)، والجائحة (كلّ شيء سماويّ لا يستطاع دفعه، كالبرد والحرّ، ومثل ذلك ريح السّموم، والثّلج، والمطر، والجراد، والفئران والغبار، والنّار ونحو ذلك) من خلال التعريف أعلاه وبتطبيقه على عقود العمل وما قامت به دول العالم من حظر كلي أو جزئي للتجوال لا نستطيع أن نجذم بأن ما تمر به عقود العمل جميعها تشملها القوة القاهرة فمثلاُ نجد أن بعض القطاعات لم تتأثر بجائحة كورونا من مصانع وشركات المعدات الطبية عموماً وبعض المجالات الغذائية، فهذه المجالات معظمها لم يتأثر بالجائحة وهنالك بعض الشركات والأشخاص تأثر عملهم بالجائحة لكن لم يصل لدرجة استحالة تنفيذ عقود العمل(أي لم تصل لدرجة القوة القاهرة) ومنها على سبيل المثال شركات التصميم والاعلان والتي تستطيع ان تدير عملها من المنزل كما ان هنالك بعض الشركات قد توقف عملها بالكامل كمعظم شركات الطيران وغيرها من المجالات التي يعتمد عملها على ساعات الدوام الكاملة او على ساعات الدوام التي تقع فيها أوقات الحظر هذا كله فيما يخص علاقة العامل وصاحب العمل.

وضع عقود العمل في ظل كورونا

ونستطيع أن نخلص إلى ان عقود العمل في ظل الوضع الراهن تنقسم إلى ثلاثة عقود وهي:

  1. عقد عمل مستمر أطرافه في تنفيذ العقد ولم يتأثر صاحب العمل والعامل جراء تنفيذ عقد العمل.
  2. عقد عمل تأثر العامل فيه بجائحة كورونا؛ حيث لم يستطع تنفيذ كامل التزاماته الواردة بعقد العمل جراء التدابير الاحترازية التي اتخذتها الدولة كأن يعمل العامل أقل من ساعات العمل المتفق عليها لوجود حظر تجوال جزئي؛ وهنا يمكن ان تطبق أحكام الجوائح بتخفيض راتب العامل وذلك استناداً لما أجاب به ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى3/311 عندما سئل عن رجل استأجر أملاكاً موقوفة، وقلت الرغبات في سكانها…. فأجاب:” …..فإنه يحط عن المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المعروفة …”. ا.هـ.، ويكون تقدير الأجرة الجديدة باتفاق الطرفين على ذلك (بملحق عقد عمل) أو بحكم ولي الأمر(القاضي) .
  3. عقد عمل تأثر فيه العامل وصاحب العمل بجائحة كورونا: كأن لم يستطيع صاحب العمل توفير العمل للعامل ولم يستطيع العامل ان يذهب للعمل بسبب ما تم فرضه من حظر تجوال كلي أو بسبب قيام الدولة بإغلاق المجال الذي يعمل فيه العامل وغيرها، وهنا تعطلت منفعة صاحب العمل بالعامل ويعتبر العقد قابل للفسخ من أحد طرفيه وذلك استناداً لما قاله أبن عباس: (… لكنه خلاف ما رأيته عن الإمام احمد وقياس أصول احمد ونصوصه إذا تعطل نفع الأرض بآفة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة…) ولما جاء في قولة تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) .
  • وفي الحالة الأخيرة (استحالة التنفيذ) يقترح كاتب المقال إيقاف العقد ابتداءً قبل فسخه حتى لا يتضرر صاحب العمل بفقدان عامل مؤثر وذو خبرة وأداء جيد ضمن فريق العمل وحتى لا يفقد العامل مصدر دخلة ويصبح بلا عمل ولأن جائحة كورونا غير واضحة المعالم ولم يظهر لها لقاح حتى تاريخه ويتوقع علماء وباحثين ان اكتشاف علاج او لقاح للكورونا يتطلب وقت كبير مع عدم اليأس من رحمة الله وفرجة فيستطيع الطرفين الاتفاق على إيقاف عقد العمل لمدة محددة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عما سيأخذ به القاضي بحسب قانون كل دولة.

بقلم: المستشار القانوني/ محمد موسى مرعي

أضف تعليقك هنا