الغربة عن الواقع

بقلم: ليلى المرزوقي

لحظات من واقع مرير مررت به في صغري..

فقدان الرغبة في كل شيء

شعور مختلف غير معتاد، أن تجد نفسك محاطا بكل ذلك السواد وأن لا تحرك ساكنا، حالتك النفسية تتدهور يوما بعد يوم، فكرك يتقلص، تلافيف ذهنك تتجمد، ذهنك شارد، تفقد نشاطك ورغبتك في كل ما كان يجعلك سعيدا، أن يصبح من بين أحلامك أن تعيش وحيدا، تشعر وكأنك تعيش بدون هدف أو غاية، تكره صوت المنبه صباحا وكأنه يعلن عن جحيم جديد، تتعب من ارتداء ذلك القناع الاجتماعي لإرضاء الغير، كيف للحياة أن تكون قاسية لهذه الدرجة؟ كيف لك أن تتحمل كل هذه الضربات وأن تعايش كل هاته الصعاب؟.

معاناة في العيش بغربة عن الواقع

صدقوني إن الموت أرحم من أن تعيش في جسد لا تنتمي إليه، أرحم من أن تعيش في غربة عن الواقع، وتتردد في ذهنك أسئلة تجهل أجوبتها من أنت؟ ماذا تفعل هنا؟. تتغير نظرتك للعالم، تتغير معالمه وتختفي ألوانه أو ربما تتبدد للون أصفر، تلك الألوان التي كانت تبعث فيك الروح والحيوية قد اختفت، هل أنت في حلم؟ نعم إنه حلم لا منتهي لا تستطيع الاستيقاظ منه.. تسمع صراخا صامتا وترى صورا خفية، دائما ما تمنيت العيش في عالم خيالي، عالم الأحلام، كنت تظنه سيكون شعورا عظيما، لم تكن تعلم مدى الحزن والألم الذي تشعر به وأنت تجهل من أنت ولا وجود لك من الأصل، طبعا حاولت التغلب عليه، تجاهلت ذلك الصراخ وتلك الصور، تناسيت وجودك داخل جسد يأبى الخضوع لروحك، أقنعت نفسك بأنه ربما هو شعور يميزك عن غيرك, حاولت التكيف مع وضعك، لكنك في نهاية المطاف تجده تملك كيانك وعاد قويا أكثر، لأنه يتغذى من قوتك.

الضياع ما بين سيطرة النفس والجسد

صدقني فكلما حاولت تجاهله تذكرك, وكلما أظهرت له قوتك انتصر عليك. أنت الآن تعيش بين خيارين إما أن تخضع للصوت داخلك، وأن تسمح لجسدك بالسيطرة عليك، أو أن ترضى بالقدر الذي رسمته يد إلهية لك، أن تعبر الضفة الأخرى وتبحث عن جسدك الضائع، وربما قد تجد الأجوبة على أسئلتك وتكتب أول قصيدة أمل خالية من كل ألم وكدر.

ماذا عن الماضي؟ أغلبكم يرغب في نسيان ما مر به من أحداث مؤلمة، والبعض يأمل في أن يكون ما يعايشه من ألم مجرد حلم يستفيق منه دون أن يبقى له أي أثر في الذاكرة، ماذا لو كان هذا النسيان غير متعمد؟ أن تستيقظ من نومك جاهلا لماضيك تماما، تحاول تذكر الأحداث وتجد نفسك داخل دائرة مفرغة تملأها أصوات الضوضاء.. كيف لإنسان أن يعيش دون ماض فاقد الإحساس بمشاعره؟

جهل ونسيان للذات والواقع

إنه مرض الغربة عن الواقع أو تبدد الشخصية الذي يعاني المرضى منه في صمت؛ لأنه وببساطة يصعب تقبل أعراضه من طرف الآخرين لكننا لن نصمت بعد الآن، لن نتصرف ببرود وكأننا لا نعاني من شيء، لقد عانيت من مرض تبدد الانية 9 سنوات، أول مرة أحسست به, كان عمري 10سنوات شعرت، وكأنني روح في  جسد لا أشعر بأطرافه ولصغر سني لم أعرف كيف أصف أعراض ما أشعر به، كنت في حلم أجهل فيه ذاتي، لا أرى سوى اللون الأصفر. من أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ كلها أسئلة كانت تملأ كياني منذ ذلك اليوم وهو لا يفارقني، كنت في معظم الوقت أتغلب عليه بإغلاق عيناي، وأردد “أنت ليلى والآن أنت في الفصل، أو في المنزل او او او..” لقد كنت أعاني منه في كل دقيقة وفي كل ثانية استنشقت فيها ذرة الأكسجين الحقيرة تلك. يوما بعد يوم سيطر على جسدي واستعمر تلافيف ذهني حتى أنه سبب لي اكتئابا حادا ومحاولات انتحار فاشلة ظننت أنني قد اتخلص من هذا الحلم اللامنتهي، ربما أعود للواقع.

وما يزيد الطين بلة هو أنني أعاني من مرض إيذاء النفس أقوم بتقطيع جلدي، أو أحدث خدش في جسدي، أو ابتلاع مواد سامة كل هذا بغية التخلص من كل الضغوط، لكن صدقوني لا أفعل كل هذا عن قصد في الحقيقة إنها صرخة طلب المساعدة، حيث أنني أفعل ذلك كي يتحسن شعوري، وأريد أن أتوقف عن ذلك، ولكنني لا أستطيع. أعيش في خوف ورعب أجهل ما إذا كنت حقا على قيد الحياة, حتى أنني أصبحت لا أقوى على مواجهة الآخرين … لا أعلم كيف ستكون نهايتي.

تائهة ما بين شخصيتين

كيف لفتاة بريئة وطموحة أن تعايش كل هذا الألم، وأن تتحمل كل هذا الثقل والضجيج داخل عقلها وقلبها؟ تعبت كثيرا وقد وصلت لمرحلة قاسية جدا لا أشعر بوجودي البتة، وكرهت مشاركة ذلك الجسد معها، نعم نحن شخصان: أنا التي لا أعرف من أنا، وليلى الشريرة التي تحاول ضمي إليها حتى أنها أوشكت على فعل ذلك. هل هذا ما يسمونه فصام الشخصية؟ ربما حالتي أسوأ من ذلك صدقوني أن تخيل شخصيات وسماع أصوات مزعجة أرحم من الشعور بعدم الانتماء لجسدك.

بقلم: ليلى المرزوقي

 

أضف تعليقك هنا