حلمان اجتمعا في حارة صغيرة وتحققا في الغربة

بقلم: مارفن عجور

في حارة صغيرة تنبض بحركة سكانها كان يعيش طفلين يدعى يوسف و رامي ، و كانا يجتمعان دوما في الأفراح والأتراح وأصبحا مثل الأخوات ، يوسف منذ صغره كان يعاني من أمراض شديدة الخطورة وكان يقضي أغلب أوقاته في المستشفيات ، و كان دوماً يتوكل عليه بأن يعالج نفسه بنفسه ويأخذ دوائه وما يقول له الحكيم لأتى يوما وحلم يوسف بأن يكون في كبره طبيبا ناجحا في الحياة فقد لفته أطباؤه بمعاملتهم الجميلة الإنسانية و قرر أن يكون مثلهم وأن يسعى من أجل تحقيق هذا الحلم.

قصة يوسف ورامي

اما عن رامي فكان دوما يتابع اخبار حارته و ما حصل من احداث بها كانت تلفته المناسبات التي تحدث في المنطقة من تزوج و من خطب و من توفي و احداث اخرى ايضا ففي حارة مليئة بالناس ضجيج المناسبات الجميلة و المحزنة لا يخف و هذا ما احب رامي مشاركته مع اهل حارته بأن يجمع الأخبار دوما و لهذا مرت الأيام و قرر بأن يصبح صحافيا في كبره

رغبة كل من يوسف ورامي

كان رامي و يوسف يتشاركان اخبارهما في كل مرة يجتمعون بها و يقيمون جلسات ، ففي احدى جلساتهم يسأل رامي يوسف عن حاله في مرضه فيجيبه بأن مرضي قد عكس صورة ايجابية ان اصبح طبيبا فلفتني تعامل الأطباء في المستشفى الذين يتابعونني و لذا اخترت عملي في المستقبل ، بادل يوسف رامي السؤال و سأله ماذا عن اخر تطورات الحارة و ماذا عنك فأجابه رامي انا بخير و قلوبنا اجتمعت الأن عندما اخبرتني بهذا لأنني انا ايضا اخترت مهنتي و هي الصحافة فأخبار الحارة اكسبتني خبرة في النقل المتواصل و لذا بدأت احلم بأن اصبح صحافيا لكي انقل اخبار بلدي لبنان و كل الأحداث التي تحصل.

أحلام الشابان

اجتمع الحلمان في حارة صغيرة تعم بأعداد هائلة من السكان ، تحمس كل من رامي و يوسف على احلامهما ، اقضوا الجلسة كلها في التفكير و التأمل ، حيث القوا نظرة بعيدة الى المستقبل موجهين اعينهما الى السماء و قلبهم يهتف الى احلامهم و السنتهم تتكلم عنها حيث وعد رامي بأن يصور دائما اعلانات لعيادة صديقه الطبيب و الأخ يوسف و وعد يوسف ان يعالج رامي مجانا في حال دق المرض بابه … رسم الشبان احلامهما و ووضعوا خططا عديدة تخصها ، اخذ رامي يجمع اخبار الحارة كل يوم و ينظم نشرة اخبارية يقدم بها اخبار تلك الحارة و يحضر اليها السكان … اما يوسف فأخذ يتكلم في كل مرة عن مرض معين و كيف تتم المعالجة منه … هؤلاء الشبان لم يتوقفوا يوما عن السعي وراء احلامهم … و لم يتعبوا يوما من العلم و الثقافة و اكتساب المعرفة.

نجاحهما في المدرسة

مرت سنوات عدة فوصل كل من يوسف و رامي الى الصف الأخير من المرحلة الدراسية قدموا امتحاناتهم الرسمية فحصلا على تفوق و امتياز … البسا بعضهما ثوب التخرج و رفعا ايديهم في الأعالي سويا قائلين لقد انتصرنا و يوم حفلة التخرج رقصا و فرحا بكل سرور حيث انهما كبرا في الحارة نفسها و تعلما في المدرسة نفسها و نجحا سويا … و اقام جيرانهم حفلة من اجلهم محتفلين بنجاحهم الباهر … متمنيين لهم ان يحققوا احلامهم سويا لأنهم يعلمون بأن صداقتهما بدأت منذ الصغر و لم تنتهي و حتى بعد مرور اعوام … صداقتهم تخلد و تعد قدوة و مثالا لصداقة ابدية..

و بعد اشهر قليلة  بدأ كل من يوسف و رامي بالبحث عن جامعة لائقة يتعلمان فيها الصحافة و الطب لكن في الوقت عينه تدهورت الأوضاع ، اخترب البلد ، و شنت الحرب ، فلم يكن لديهم حلا سوى الهجرة … و هنا اختفت اجواء الفرح و الطمأنينة من الحارة التي جمعتهما حيث كانا الأمل في حارتهم … حملا حقيبتهما و توجه كل منهما الى بلد معين ليكمل علمه و يحصل على شهادة جامعية…

لحظة الفراق

حانت لحظة الفراق و تحضر يوسف و رامي للذهاب الى المطار و قبل انطلاقهما حضر اهالي الحي الزهور و الحلويات و الطبول لكي يقيموا لهم وداعا يصفوا به مدى حبهم لهما … بكي اهلهما و لم يطيب الجرح في قلوبهم فلا احدى كان يتوقع هذه اللحظة و لا احد كان يتوقع ان يوسف ورامي سيهاجران … رميت الورود عليهما و رددت الدعوات لهما بدوام النجاح و التألق و الإبداع … و الزغاريد التي تناشد بالعودة القريبة الى اتراب الوطن.

رافق اهالي الحي يوسف و رامي الى المطار و هناك عناقهم لهما لا ينتهي … باقات الورود انهالت عليهما … غادر الاهالي و لم يبق سوى يوسف و رامي … فعانق يوسف رامي بشدة و بكيا بكاءا مراً لأنهم سيفترقان و سيبني كل منهما مستقبله في بلد معين و ليس في لبنان و بقيا على وعد بأنهم لن ينسان بعضهما و حتى ان فرقتهم مسافة البلاد فلن تفرقهم مسافة القلوب حيث سيبقى مكان كل منهما في قلوبهما محفورا الى الأبد و ظلا على وعد بأن تجمعهم الاتصالات دوما … اتصالات الإطمئنان على انفسهما و اخبارهم الجديدة و هنا مسكا بأيدي بعضهما صارخين بصوت عالٍ ” لن ننسى بعض ” و راح كل منهما في طريق

سفر يوسف إلى أستراليا ورامي إلى كندا

ركب يوسف طيارة المغادرة الى استراليا اما رامي فركب طيارة المغادرة الى كندا في الغربة كان كل من رامي و يوسف يعملان كي يجمعا قسط الجامعة ، استقرا في الفنادق حتى و ان انهوا علمهما فازدهرت حياتهما و حصل رامي على شهادات و كفاءات عليا في الصحافة و اصبح يوسف اشهر الأطباء في العالم و لمع اسمهما على قائمة اشهر الصحافيين و الأطباء … وصل الخبر الى اهالي الحارة و بكي الأهالي فرحاً على ابناء حارتهم سائلين الله ان يحفظهم و ان يعودون قريبا الى وطنهم الذين ترعرعوا به و عاشوا به

زواج رامي ويوسف

تزوج رامي في كندا بعد ان انهى علمه و بدأ عمله و يوسف كذلك الأمر … لكن لم يستطعان مشاركة افراحهما و لا حتى مع اهل الحارة … رزقا بأولاد لدرجة بأن رامي اسمى ولده يوسف و يوسف اسمى ولده رامي … دامت المحبة بينهما لكن القدر شاء بأن لا يلتقيوا يوما … و بعد سنوات كبر رامي و يوسف و شابت روؤسهما .. عاد المرض الى حياة يوسف و تغلب عليه و قتله

الموت الذي فاجأهما

اما رامي فقد كتب مقالا سياسيا فهز الوسط الاعلامي و السياسي و تم اغتياله و قتله لأنه مقالا مرعبا فخسر كل منهما حياتهما في طريقة مرة صحيح ان الأحلام اجتمعت في حارة واحدة و تأمل رامي و يوسف فيهما و افترقت في الغربة ، تحققت و مات اصحابها . لكن محبة رامي و يوسف لبعضهما البعض لن تنتهي ابدا فهي محبة ابدية و اخوة ابدية و صحيح ان رامي و يوسف لن يجتمعان بعد الفراق لكن ما اصاب رامي اصاب يوسف في الوقت نفسه ماتا سويا وحققا احلامهما سويا.

و على فراش الموت لفظ يوسف انفاسه الأخيرة بكلمته الأخيرة نلتقي في الدنيا الحق يا صديقي رامي اما رامي فقد بلغ ابنه يوسف قبل الرحيل بأن يستذكره دوما و ان يدعي له دوما بأن يلتقي بصديقه يوسف في السماء لأن الأرض حرمتهما من اللقاء و طلب من ابنه ان يحمل رسالة الحرية دوما في حياته فهو مات من اجل الحرية و اوصاه بأن يكون قويا لا احد يهزم حريته لو مهما كلفته هذه الحرية فتبقى انقى و اجمل من التحيز و الرشوة

الصداقة التي صنعت الأُخوّة

الغربة مرض الأحباء ، البعد ” جفا ” لكن رامي و يوسف لن يسمحوا للغربة بأن تتغلب على صداقتهم القوية ، صداقتهم كالجبل التي لا تهزه الأرياح … كبر اولاد يوسف و رامي و اجتمعا و اكملا رسالة والديهما و يوم حصلا على شهادة الصحافة و الطب الذي ورثهم اياها اباءهم نظرا سويا نحو السماء و ووعدوا اباءهما بأن يحملوا رسالتهما ” الإنسانية و الحرية ” اينما ذهبوا و استمرت الحكاية …. و سجلت في التاريخ و اثبتت ان الهجرة ليست النهاية بل ربما تكون البداية لكل شيء كما و اثبتت ان الصداقة قد تصنع الأخوة ، و انها لن تهزمها الحروب و ازمات البلاد التي لا نهاية لها.

بقلم: مارفن عجور

 

أضف تعليقك هنا