عندما تعيش الغربة في وطنك

استفاق أحمد ليجد نفسه بين الصخور، ورشقات الماء تضرب أطرافها ليتطاير رذاذه على وجهه المجعد من أثر الماء المالح، حرك كلتا يديه ونظر اليهما وقد تلونتا بالزرقة من كثرة الكدمات، حرك برجليه فاذا بهما سالمتين، فحاول أن يحرك رأسه ولكنه شعر بدوار وألم حاد، وسال من رأسه بعض الدم المختلط بزبد البحر لينجرف مع تيارات الماء نحو الشاطئ، شاهده بعض السواح فبلغوا عنه شرطة السواحل ليأخذوه إلى المستشفى.

نجاة أحمد من الغرق

علمت الشرطة فيما بعد أن احمد كان مهاجراً من بلده هجرةً غير شرعية، وقد غرق زورقهم المتهالك في عرض البحر، وكان احمد أحد الناجين العشرة من تلك الحادثة، وبعد أن شعر بالتحسن ارتأت الدولة أن تبقيهم حتى يتحسنوا بشكل تام، فأخذتهم الى معسكرٍ للاجئين غير الشرعيين واسكنتهم هناك.

في المعسكر ورغم الغربة إلا أن احمد شعر بالراحة والاطمئنان، هناك كان كل شيء يعمل بنظام، وكل شيء مقيد بحدود، فلا مجال لأحدٍ أن يسلب غيره حقه او أن يؤذيه، كان كل شيء يجري بسلاسة وسهولة، حتى من عاش معهم في ذلك المخيم كانوا يشعرون بنفس الشعور.

الغربة التي عاشها أحمد

لكن الحياة شيئاً فشيئاً أصبحت مملة، فهم بلا عمل وشبه مسجونين، ومقيدين بحركتهم وافعالهم، ولكل شيء وقته، فأكلهم ولعبهم وسهرهم ونومهم كل شيء مقيد ومحدد بوقت ومكان، القانون كان رغم ما فيه من ضبط إلا أنه كان روتينياً جداً، وهنا شعر الجميع من ضمنهم احمد بالغربة، لم يجدوا ضالتهم في هذا المخيم، لم يختر احمد اصدقاءه بل فرضوا عليه، لهذا ورغم تعايشهم مع بعضهم إلا إنهم لم يتأقلموا مع بعضهم، أفكارهم ومعتقداتهم واهدافهم ورغباتهم وامنياتهم كلها كانت تختلف.

وقت الرحيل وعودة أحمد إلى بلده

بعد عام ونيف انتهت مدة مكوثهم في المخيم، وجاء وقت الترحيل وإعادة الجميع الى بلدانهم الاصلية، ورحّلوا احمد ليعود الى وطنه الام، عاد الى بيته وعائلته التي هجرها بسبب خلاف عشائري تسبب به أحد أبناء عمومته، ولما رجع وجد الأمور قد حلت وأن عائلته هجرت الى منطقة أخرى، وهناك حيث مكان سكنهم الجديد شرع بالعمل وعاد الى حرفته التي كان يعمل بها قبيل هربه، ففتح ورشة بسيطة مختصة باللحام.

كيف أصبح حال الناس بعد عودة أحمد؟

خلال تلك السنة والنيف التي هاجر فيها الى بلدٍ أجنبي، تغيرت أحوال الناس كثيراً، أحد أصدقائه المقربين منه جاءه الى ورشته، سلم عليه ببرود واستثقال، وبعدها وبدون مقدمات وجه اليه الكلام بشكلٍ حادٍ وهجومي، وطالبه أن يرجع اليه نقوده التي اقترضها منه قبيل هروبه من القتل، وبكل استغراب وذهول، جمد احمد عن الحركة، ثم قال له بصوتٍ خافت “حبيبي مازن، لقد اعطيتني المال وقلت لي هذا هدية مني ولا تشغل بالك في ارجاعه، انجُ بنفسك من القتل، فلمَ تطالبني بهديتك يا مازن؟! كنت اظنك جئت الي لتتحمد لي سلامة الرجوع الى الوطن”.

مطالبتهم له بأموالهم

وقف مازن واخذ يهدد ويتوعد احمد إن لم يرجع له ماله الذي اخذه منه فإنه سيتسبب له بمشاكل كثيرة، وسوف يخبر تلك العشيرة بمكانه ويؤجج عليه موضوع الثأر لاسيما وإن في مكان سكناه الحالي بعضاً ممن ينتمون لنفس العشيرة، شعر احمد بالخوف والحيرة، فطلب من مازن أن يمهله بعض الوقت، ولكن الأخير رفض طلبه، فأضطر احمد للاتصال بصديق مقرب آخر ليقرضه المال، ولما جاء عندهم همس بأذن احمد “احمد سأقرضك المال بعملة اجنبية وعليك أن تعيده لي بالعملة المحلية، وسعر الصرف سيكون بزيادة على السعر المعلن في البنك المركزي بنسبة 40%، ولن تجد احداً يقرضك بهذه النسبة او اقل منها ابداً، فماذا تقول؟”.

شعور الغربة في الوطن

وهكذا استمرت حياة احمد، كل يوم يرى امراً أعجب من سابقه، حتى شعر في نهاية المطاف بالوحدة، واخذ يتأقلم عليها ويعتداها، فالعيش بلا أصدقاء ممكن بعض الشيء، ولكنه بقي يشعر بالغربة، واشد ما في هذه الغربة أنها غربة في وطنه، كانت كجمرةٍ ملتهبةٍ مسمومةٍ تسري في عروقه، تصعد تارةً الى رأسه فتبقيه مشغول البال يتقلب في فراشه من الألم، وتارةً تنزل الى قلبه فتبقيه اسيراً للحزن والحسرة. فلا غربة اشد على المرء من عيشه الغربة في وطنه.

فيديو مقال عندما تعيش الغربة في وطنك

 

أضف تعليقك هنا

نجم الجزائري

السيرة الشخصية:
نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها.

مهاراتي:
* اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات
* اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي
* اصمم مواقع الكترونية بسيطة
* كاتب مقالات عامة
* اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس
* اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط
*