جدران القصر!

جدران تخفي وراءها ذكريات وأشواق

يحكى أن…
كان هناك قصر مرصع بالماس تحتضن أسواره ورود تسر الناظرين، جدرانه عاليه فى شموخ، يميز ملامحه هدوء أبوابه المغلقة، فعند فتحها تشتم الدنيا رائحة الطمأنينة المنبعثة من قلب دواخله، حملت ابتسامة القصر بين طياتها آمال وأحلام ضاحكة ،فكل صباح تملأ زقزقة العصافير المكان فرحا وكأنه عرس بصباح جديد، شروق يختفي فيه القمر وتستطع معه الشمس لتزيل الستار عن ليل راحل، وبقدوم المساء تُغلق الأبواب لتحتجب وراءها سعادة هزمت الأحزان لتسكن جدران القصر من الداخل، وضحكة احتلت أروقته ولم تفارق أبدا الوجوه، فكل الصعاب مع الحياه كانت تكمن فقط في تلك الملامح التى يخفيها القصر بعيدا عن العيون عند تذكر إخفاق مضى، حياه مثالية بلا أوجاع قهرية، أو ضربات قاصمة قدرية.

موت الأحبة يطفىء بهجة الدنيا 

وذات ليلة … استيقظ الشروق على صوت يصارع خطوات، صوت لحن حزين لعصافير كانت حتى الأمس فرحتها تملأ الدنيا، وخطوات تتقدم في ثبات لتفتح باب القصر من الداخل، صراخ الألحان الجريحة يعلو كلما اقتربت الخطوات من باب الخروج كى يمنعها، إلا أن القدمان انتصرتا في هذا الصراع الفارق فتقدمت بخطى اشتاقت للقاء ربها، لتترك الخطى وراءها شروق مات وأنفاس تخرج للداخل، فسكن الشجن ملامح الهدوء الذي كان، وأصوات تنادى: لمن كانت تلك الخطى فمن سيفارق من؟! لتأتي الإجابة: ” أخي محمود” إثر حادث اليم يرقد في المستشفى غائبا حاضرا، وكانت تلك هي الضربة الأولى لجدران السعادة، فسقط القصر من الداخل، وبعدها بشهور كانت الضربة الثانية فانهارت ملامح القصر من الخارج وانكسر السند والمأوى وتغير طعم العيد، مات أبي، رحل في شموخ كعادته طيلة حياته، غادر مع وصية ان تيران وصنافير مصرية، اكتشف ساكنو القصر أن حديقته لم تكن إلا شرفة عادية، وقد حولتها السعاده الأخوية في نظرهم إلى حديقة تغنت فيها أجمل ذكريات السعادة، اكتشفوا أنه لم يكن قصرا إنما بيتا ككل البيوت حولته الطمأنينه الأبوية في أعينهم إلى قصر مليء بالأفراح، ومع تراكم الأيام منذ تلك اللحظات إلى الآن ترسخ انهيار وعود الدنيا الزائفة بأنها ستظل مبتسمة، فقد أخفت وراء ابتسامتها ذكريات تنهش في أحشاء الأيام، عيون منكسرة، قلب أم تلقى صدمه مزقت أعمدته، وزفاف مؤجل صار في الدنيا مستحيل. أبي، إنك تعلم أنك كياني فقد أحببت نفسي أحيانا، وأحببتك أنت دائما، وتعلم أني أشتاق إليك، وأعلم أنا بأنك تحتضن محمود الآن كما كنت في آخر لحظات دنياه فأخبره: إن ابتسامته بين ثنايا الرحيل هي من أعطتنى الأمل في الحياه ولكنها حياه بمعنى جديد، حياة لدنيا تنتهى وآخرة أبدية، وكأن ابتسامته أرادت أن تقول لي: “إن جاء يوما دوي رعد فسيهزمه دوما نور برق حتى لا تموت الأحلام”، وحلمي يا أخى صار معك.

فيديو مقال جدران القصر!

أضف تعليقك هنا