حوار مع الذات

-من أنت؟

قال: أنا من بني على تجارب كثيرة من جعل من نفسه أحجية يحاول بيانها كل من يقابله، لقد صارعت أمواج الحياة المتلاطمة وما زلت أصارعها لتسكن نفسي ولعلي أجد ضالتي، ضالتي التي أبحث عنها منذ الولادة أو منذ الصرخة الأولى في وجه العالم، حتى أنت سائلي ها أنا أصارع سؤالك ولا أريد أن أنفذ رغبتك العقلية في الإجابة لا أريد أن أفقد غموضي كما أنني أريد أن أخرج بركان الإجابة من داخلي لأرتاح، أرأيت التناقض وكيف أنني جعلتك تتنقل بين اليأس والأمل، بين اليأس من عدم إجابتي على سؤالك وبين الأمل في أنني سأجيبك، ها أنت مازلت تنتظر إجابتي بالضبط كشقاء انتظار الأمل.. هل فقدت شيئا من اليأس القابع بداخلك؟! وهل فقدت جزءاً من الأمل المبعوث من عينيك؟! كلا ولن تفقد؛ لأن الإنسان هو عبارة عن ثلج ونار، عن شمس وقمر، عن نور وظلام، عن صوت وصمت، عن فلسفة الإجابة، عن ممكن واللاممكن، هذا هو الإنسان.. ولكنني سأخبرك من أنا .. أنا أنت ..! نعم لا تتعجب من إجابتي إن الطين الذي خلقت منه هو نفس الطين الذي خلقت منه أنا أيضا، ولكن الفرق بيني وبينك هو أنك تسأل الآن وهو يقرأ تحاورنا..

قال: من الذي يقرأ؟!
قلت: هو نفسه أنا وأنت، نحن جميعنا واحد لا اختلاف بيننا سوى بطريقة التفكير أما المشاعر والأحاسيس خلقت بنا لتوحد إنسانيتنا، ستقول لي بأن هناك من تجردوا من إنسانيتهم، سأقول لك نعم صحيح، ولكن تجردوا أو جردتهم البيئة التي يعيشون بها وجردتهم الظروف القاهرة التي أجبرتهم وجردتهم عقولهم التي اتخذت منحنى آخر تماما غير الذي خلقنا الله عليه.. إن خلاصة أقوال وأفعال أي إنسان هي نتاج عقله وهذا ما قصدت به أننا نختلف بطريقة تفكيرنا، لأننا في بعض الأحيان نعطي الفكرة السوداء وأقصد بالفكرة السوداء أو الأفكار السوداء هي الأفكار التي تأتي وقت انهزامنا أمام الحياة وتحدياتها، وهي التي يتحكم بدرجاتها اليأس، فينثرها كالبذور في المساحات البيضاء التي تركها لنا الأمل قبل أن يرحل ويتركنا ننتظره على عتبات الشقاء..

هل الأمل له عودة؟!
نعم له عودة ولكن الأمل لا يريدك أن تأخذه كله خوفا من الملل الذي يصطحب النفس البشرية غالبا إلى التبديل والتغيير، بل يريدك دائما أن تأخذ نصفه وتترك نصفه، يريدك أن ترى بشاعة اليأس بداخلك حتى إذا حضر كانت فرحتك به كفرحة الأرض الجدباء بعناق المطر.

-على الساحل

وقف يبحث عن نفسه أو ينتظرها، ينظر إلى الأمواج المتلاطمة على السكون، لعل موجة تائهة تلقيه إليه أو ترتطم به ليلتقيا، أطال الوقوف مرت الطيور المهاجرة من فوقه حجبت ضوء الشمس عنه، التفت يمنة ويسرى شعر بأنه حبيس غرفة وصوت البحر ليس سوى شاشة تلفازه تنقل له أخبار الأمواج بصوت عال.. سأل نفسه من أنا أحقا لا أدري من أنا؟
قال في متاهة عقله أنا إنسان لا داعي لأبحث عني، أنا الأرض وأنا المسؤول الأول عن إعمارها، وإنني أعيش بجوهرها لا على قشرتها حتى إن بدا لي بأنني أعيش على سطحها إلى أنني وصلت إلى أعماقها دون أن أشعر، وإنها أمانة لا إمتلاك لذا وجب علي رعايتها والعمل على إعمارها.. إنني أعيش لأخدم الأجيال التالية وأحافظ على تاريخ الأجيال السابقة إذا نظرت إلى نفسي بعمق وجدت أنني ألعب دور هام فيها صغر هذا الدور أم كبر..

قال: لماذا ينتحر الإنسان إذا؟
إن العقل شعرة بينه وبين إنهاء حياة حامله وهذه شعرة رفيعة إذا شدها قطعت وإذا أرخاها ضاعت لذلك علي أن أكون بين وبين، فإن العقل به بذور متجددة كل بذرة تسقى بحسب البيئة المحيطة بالإنسان إن خيرا فخير وإن شرا فشر.. ولم يخلق الإنسان دمية يحركه الساق ولكن البذور إن نبتت وكبرت صار من الصعب جزها وإقتلاعها مرة واحدة ، بل المداومة على الحصاد وإتلاف الضار منه.. إن الإنسان بحر له ظاهر وباطن وباطنه عميق جدا الغوص فيه يعكر صفوته، تخيل معي لو أن لك صديق أخبرك بكل أسراره ثم غيرت من معاملتك إتجاهه ماذا سيحدث له؟ّ
سيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه حتى لا يكون له وجود، لأنه سيشعر أنك قد بحت بكل أسراره وأنك اكتشفت نقاط ضعفه وستعمل على استغلالها..؛ لذلك دائما أقول أن الإنسان لا يجب عليه أن يبوح بمكنونه إلا عن طريق موهبته أو فعل ما يحب فعله، السير، الركض، الكتابة، القراءة، العمل، السباحة، عمل أي شيء يجد أنه يفرغ به طاقته دون ندامة..

ماذا تقول في الحديث مع غريب؟
جميل جدا ولكن هل ستضمن رحيل الغريب أو الإنصات لك بوقت كاف كما تريد؟
إذا ستبني احتمالات كثيرة قبل أن تبدأ في البوح عن طفولتك وعن مسيرتك التعليمية عن المواقف التافهة والقاسية والمحرجة التي مررت بها عن مسيرتك العاطفية وعن مسيرتك العلمية وكفاحك في الحياة وووو… ولكن الغريب يبقى غريبا ليس بإنسان مقرب.. نعم ولكن هل سيرحل بعد أن شعر بأنه شخص مهم بالنسبة إليك؟ في الحقيقة لا أعلم ولكنني سأحاول بأن لا أشعره بهذا، سيكون حديث عابر من عابر لعابر.حسنا حاول ولكن لا تعود مرة أخرى وتقف على الساحل لتبحث عن نفسك.

-المواقف

وهو عائد إلى البيت، كل ما يفكر به بعد يوم متعب هو سريره بكل ماعليه من فوضى فعلها صباحا وهو ذاهب إلى عمله، أنظر كيف أنك تعود للشيء الذي صنعته أنت على عجل، تعود إليه على مهل.. كذلك الذكريات تبعثرها وتبعثرك ثم إذا أردت العودة إليها قمت بترتيبها أو حتى هي تقوم بترتيب نفسها لك، لأنك تقف دائما على حافة الماضي مستقبلا الحاضر، وليس لأحد أن يتخلى عن ماضيه مهما كان لأن الإنسان مجرد تذكرة تنقله من الماضي إلى الحاضر.. وهل يحدث العكس؟
نعم.. يحدث أحيانا إذا تكررت الأحداث فإنه سرعان ما تعود به الذاكرة إلى الوراء حتى يستطيع التعامل مع مجريات الأمور وكيف تجاوزها في السابق وماذا فعل وماهي النتيجة التي وصل إليها..

ومتى سيعيش الإنسان الحاضر بكل تفاصيله دون العودة إلى الماضي؟
من الصعب أن يعيش الإنسان دون العودة إلى الماضي، بل من المستحيل أن يحدث هذا لأنه يمتلك الذاكرة والذاكرة تتحكم بها المواقف والإنسان لا يملك القدرة على التحكم بذاكرته، ولكنه يتملك القدرة الكافية على تجاوز المواقف دون أن تأثر فيه بشكل كبير وظاهر.. إن الأوقات التي تمر على الإنسان دون أن تمر عليه الذكريات السيئة هي من الأوقات الخصبة التي يستطيع الإنسان فيها بذر الأمل دون أن يشعر بالتقيد؛ لأن الذكريات السيئة تجعل الإنسان حبيس نفسه وماضيه، ولهذا يكون حرا وعلى فطرته..

والذكريات الجميلة، هل يستطيع الإنسان أن يكون حرا فيها؟
الذكريات الجميلة هي الساقية لتلك البذور، حيث أن الإنسان يكون بكامل طاقته الحماسية التي ترسم في مخيلته الحياة الوردية، ولا أقول وردية بمعناها الخالص، ولكنني أقول وردية بمفهومها العام، أي أن الإنسان يستطيع أن يضع الخطط المناسبه وتحديد أهدافه بدقة أكثر طالما أنه يعيش لحظات سعيدة وإن كانت ذكريات..

فيديو مقال حوار مع الذات

أضف تعليقك هنا