متاعب الحياة وعدم الرضا بها
يجيء الإنسان لهذه الحياة وهو باكٍ، ضعيف، لا حول له ولا قوة، ثم يخرج منها بعد حين من الكدر والهم وهو ساخط وحانق عليها، وهو –بين بكاء الطفولة وتبرم الكهولة– يعيش متذمراً، شاكياً قحالةَ حظه وسوء نصيبه وبؤس أيامه. يقول الشاعر:
كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
من النوادر أن تجد شخصاً يرضى ويقتنع بما لديه، ولو ألقيت نظرة موضوعية على ما حولك لوجدت أن التشكي والتبرم موجود في كل حالةٍ ونقيضها، فالمتزوج غير راضٍ وكذا الأعزب؛ من لديه أطفال يندب حظه وكذا العقيم؛ الميسور والمترف مادياً غير راضٍ وكذلك الفقير والمعوز. يروى أن إحدى النساء قد هربت من بيت زوجها لِما أحست به من معاناة وكَبَدْ في كنفه. أثناء مسيرها، انتبهت إلى أمام جامع وهو يرتل القرآن ويقول:”لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” فانقلبت على أعقابها ورجعت الى بيت زوجها وهي تقول: كَبَدٌ في بيت نعرفه، أحب إلينا من كَبدٍ في بيت لم نألفه، يقول الشاعر كريم العراقي:
عدالةُ الأرضِ مُذْ خُلقتْ مزيفةُ والعدلُ في الأرضِ.. لا عدلٌ ولا ذممُ
يؤسفني أن أخبرك أنك، كما نحن، تعيش في حياة ملؤها الكَبَدْ والمعاناة والحزن، أما السعادة فهي شئ طارئ وغير ثابت؛ إنها شعور لحظي بالرضا يتخلله سنين من الهم والنكد، فهذا جدنا السومري، قبل آلاف السنين، يندب حظه ويقول “لقد ولدت في يوم نحس“* وهذا العراقي المعاصر، يندب حظه هو الآخر ويقول**:
عيش أبّخّت ..
موت أبّختْ…
مگرود يلمالك بخت …
يقال في الأثر أنه حينما وزِعت العقول على الناس، رضي جميع الناس بعقولهم؛ وحينما وزعت الأرزاق، لم يرضَ أحد من الناس.
السعادة تكمن في مواجهة صعوبات الحياة
يروى، في ذات السياق، أن أحد العراقيين المقيمين في إحدى الدول الغربية، واسمه (جبر)، كان يتجول في إحدى المقابر فلاحظ أن الشواهد على القبور تحوي أسماء المتوفين ومتبوعة بذكر زمن بسيط، مثلاً: جون – ساعة واحدة، جورج – عام واحد … وهكذا. فاستغرب من الأمر وراح يسأل المشرف على المقبرةِ عن ذلك. أجابه صاحب المقبرة: إن الأسماء لأشخاص متوفين والزمن يرمز إلى كمية الوقت التي شعر بها المتوفي بالسعادة أثناء حياته، وتُكتب في وصيتهِ. فاطرق قليلاً صاحبنا (جبر)، ثم قال لمشرف المقبرة: إذا كان الأمر كذلك، فأرجو منك إذا مِتُ أنا أن تكتب على شاهد قبري الجملة التالية: (جبر….. من بطن أمه للگبر). خاتمة لابد منها…. الحياة مليئة بالمشاكل والسعادة تكمن في إيجاد حلول لهذه المشاكل وليس التهرب منها أو التشكي والتبرم، ألم تسمع بالحكمة القائلة “ما حك جلدك غير ضفرك“؟!
……………………….
- *من كتاب “الواح سومر” لمؤلفه صمويل نوح كريمر صفحة ٢٢٩
- **يقصد في هذا المثل “عِشْ حياتك ب“بخت“، ومُتْ ب “بخت“، مسكين “مگرود” من ليس لديه بخت“.
- ***في اللهجة العراقية، يلفظ حرف (ق) في بعض الكلمات ك (گ) فيقول گمر بدل قمر، گلب بدل قلب، او گبر بدل قبر. كان صاحبنا “جبر” يعني انه مهموم مذ كان في رحم امه حتى ولوجه في قبره.