كُتبَ ومقاصدها الخمس في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد… أقسم الله بالقلم، وعلم الإنسان ما لم يعلم، ولكن شاء الله تعالى بحكمته وعلمه أن يجعل كتابه الحكيم سباقاً، لا يدركه عالم بعلمه ولا اجتماع الأرضين على أن يأتوا بمثله، أو ببعضه فهو المعجزة الخالدة إلى قيام الساعة.

بكم محور ورد لفظ “كُتبَ” في القرآن الكريم؟

حديثي اليوم في لفظة “كُتبَ” في القران، فقد وردت في خمس محاور رئيسة، في القصاص والوصية والصيام والقتال والدَين
ولفظة “كٌتبَ” تأتي في كتاب الله للدلالة على موروث بشري ملازم لقيامها,وعمرانها وتطورها,وكما نعلم فإن الصيام مثلا كان مشروعا في شرع من قبلنا وان اختلف الكيف,وهذا يوضح أن هذه الأمور لوازم في بقاء البشرية حتى يستمر نسلها,الى أن تفنى الأرض,فيظل الأمر بها قائما ما دامت السماء والأرض.

ما الرابط بين الضرورات الخمس ولفظ “كُتبَ” في القرآن؟

تأتي هذه المحاور الخمس في حفظ الضرورات الخمس التي يقوم الدين على حفظها، وهي على الشكل التالي:

حفظ الدين

وهذا واضح في قول الله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون (216) البقرة، وقد شرع القتال لحفاظ الدين قال تعالى”وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه”وكلنا يرى العالم بأسره,حين غاب نور الهلال كيف تفشى الإرهاب بدعوى الإرهاب، وكيف تبدلت الأولويات فتجد المليارات من الموازنات التي تفرض لحقيبة الدفاع والجيش، في حين يموت الآلاف يومياً في بقاع الأرض جوعاً، أو مرضاً فمالكم كيف تحكمون..!!!

حفظ النفس

النفس البشرية مكرمة عظيمة، وهي أمانة وجب حفظها من كل ما يفسدها من الداخل أو الخارج، وهذه مهمة الدين وأهل العلم، وحتى تستمر البشرية بعطائها كان لا بد من كتاب هداية ونور يهدي إلى سبيل السلام، قال تعالى:”أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (22) الملك.

ونحن اليوم في شهر رمضان نستحضر أثر الصوم في حفظ الجسد من الأمراض القلبية في تربية النفس على البذل والصبر والإعطاء، والتازر مع الفقراء، وغيرها من المعاني العظيمة كما ان للصوم دوراً بارزاً بشهادة الأطباء عجمهم وعربهم، مسلمون كانوا أو غير ذلك أن للصيام دوراً بارزاً في حفظ توازن الجسد وإزالة السموم وإضفاء الراحة للجهاز الهضمي وفي علاج الالتهابات وتخفيض مستوى السكر في الدم وحرق للدهون وغيرها، مما لا يسعني المجال للتفصيل بها هنا فيأتي الصيام لحفظ النفس وصدق رسولنا قائلاً “صوموا تصحوا”.

حفظ العقل

إن أعظم ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات هو العقل، لذلك كانت عقوبة التعدي على العقول زاجرة لأن الانسان عقل أن ذهب عقله وذهنه ذهب كله، ومما يحفظ العقل أيضا الصوم، فمن حفظ نفسه وحافظ عليها بصحتها ونشاطها,دام عليه عقله,وكلنا يحفظ المثل المشهور: العقل السليم في الجسم السليم.

حفظ المال

حفظ المال من حفظ النفس، وكما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قتل دون ماله فهو شهيد، والعجيب أن أطول آية في القرآن تحدثت عن الدين، لأن الحديث في العقود والمعاملات طويل، ومعظم الخطب والإشكال يكون بين الناس في قضايا مالية، ويأتي القرآن ليتحدث بصفتين عن حفظ المال في آية الدين والوصية.

قال تعالى”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ “(282)” البقرة.
وقال تعالى”كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ”(180) البقرة

حفظ النسل

من مقاصد الشريعة حفظ النسل وبقاؤه واستمراره ليتحقق جوهر الاستخلاف في الأرض، ومن العجيبان ترى الدول التي يطلق عليها لفظة (الشيخوخة) التي تعاني من قلة المواليد مقارنة بالوفيات، وحاجتهم الدائمة للمهاجرة ليكتمل النقص وتسد الثغرات وهذا لأنهم ابتعدوا عن الفطرة واتبعوا طريق الشهوة، فجاء الاسلام ليجعل نصب عينه أن يحافظ على شبابية المجتمعات فقال صلى الله عليه وسلم “تزوجوا الولود الودود فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”

فجاءت الخمس مجتمعة لتحقق هذا المقصد العظيم وفي الختام اختصر القول بأن كُتبَ جاءت في خمس لفظات وكلها في سورة البقرة، وجاءت تنسجم وتوضح المقاصد الخمس للشريعة التي ما كان لنا أن نحيد عنها حتى تستمر البشرية في عطائها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها… والحمد لله رب العالمين.

فيديو مقال كُتبَ ومقاصدها الخمس في القرآن الكريم 

أضف تعليقك هنا