الإنسان بين التفاؤل والتشاؤم

الإنسان في هذه الحياة دائم البحث عما يحقق له توازنه، ويدفع عنه اعتلال البدن والروح، فهو شغوف بكل ما يجعله مسجى في بُرَد الطمأنينة، متدثرا في ثياب الاستقرار. إن المتأمل في بني البشر، يجدهم متفاوتين في المقدرة على تحقيق التوازن الروحي، والسيطرة على المشاعر، وكبح جماحها، والاحتفاظ بالشعور المنضبط الذي يكفل سلامة الروح من الاعتلال والهذيان، والانقياد للأوهام والخيالات.

اختر لون الحياة

والعجيب في الأمر أن الإنسان قد يجر على نفسه الويلات، ويجني عليها كما جنت على نفسها براقش، فيعيش قلق الأحشاء، مضطرب الأعصاب، واهي القوى، بسبب شعوره الذي أطلق له العنان، فانعتق من قيده. يفرط في تشاؤمه فلا يرى إلا اللون الأسود في الحياة، ويصبح كل شيء في عينيه مخوفا، يجلب الهم والحزَن، وينظر إلى مستقبله بعين سوداوية قاتَمة، لا تعكس ضوءا يشرق في نفسه، ولا تعود عليه بنفع.

ما مدى قوة سلطة المشاعر على النفس؟

إن للمشاعر الإنسانية سلطةً على النفس، هي أقوى من أي سلطة خارجية، قد تقهر صاحبها وتأسره، فيظل خاضعا لسلطانها، مستسلما لسطوتها، وقد صنعها بيديه، وحشا شعوره بها حتى صارت معتقدا له، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يجهل كثير من بني البشر أن هناك أفكارا لا ينبغي الاسترسال معها، أو إفساح المجال لها، حتى لا تتحول إلى وساوس فتاكة، تصيب عقولهم بالخبل، وأن حاجتهم إلى ذلك أشد من حاجة السيارة إلى كابح جماح السرعة فيها.

إن الأشياء تتلوَّن بلون النظرة التي يلقيها الإنسان عليها، فالعابس لن يرى الحياة إلا في صورة عابسة، والذي تثب رُوحه حيوية وإشراقا لن يراها إلا كما أرادها، يقول الشاعر العربي:
تُغـــــنِّي على الـــــدَّوْح الوريــــقِ حمــــامةٌ *** فيحسَبــــُه المحــــزونُ لحـــــنَ بكــــــــاءِ
وتبـــكي على الغصــــن الرطيـــب يظنُّــــها *** حليـــــفُ الهـــنا تُشــجي الــورى بغــــناء

فالمحزون يحسَب غناءَ الحمامة بكاءً، والسعيد الهانئ يظن بكاءَها غناءً شجيا، وما سخَّر الله الكون بأسره للإنسان إلا ليعيش فيه سعيدا واثقا في أن الخير كلَّه في عطاء الله سلبا أو إيجابا.

ممَّ نخاف؟!

لو كان الخوف شعورًا له حظ بين أحاسيس الإنسان، لابد أن يتملّكه، وينعقد على قلبه، حتى تستقيم حياته، لكان الخوف من الله في ذراها، ولكان جديرا بالإنسان أن يعيش مرعوبا وَجِلاً من لقاء الخالق، لكن الخالق برحمته، لم يرتض له أن يقع في شباك القلق، أو يتمرغ في وحله، فدعاه إلى إحسان الظن به، ووعده بالخير العميم على ذلك، وفي إحسان الظن تفاؤلٌ وسكينة وأمل يرتقي بالإنسان إلى حد الانضباط الروحي والتوازن النفسي، وكل ما دون مرتبة الخوف من الله من أمور الحياة أهون وأيسر، مهما تسامقت الخطوب، واستأسدت النوائب، واستفحلت المصائب.

أشأم من طويس

انتشر وباء كورونا فراح بعضهم يبالغ في حذره حتى انقلبت حياته همّا ونكدا، فأصبح أشأمَ من طُوَيْسٍ، أو أشأم من غراب البين، مذعورا ينظر إلى كل شيء بعين الرِّيبة، كأن الوباء في ثيابه، وفي فراشه، وفي أعين أولاده، وفي الماء الذي يشربه، وفي الهواء الذي يتنفسه، قد خاصم النومُ أجفانَه، وهجر الأمنُ مأواه، يبيت ساخطا يتوقع المرض في كل لحظة، وينتظر السقم في كل آن، فهو في مرض من توقع المرض، وفي همٍّ من انتظار الهم، ولو تلبّس المرض به لكان أخفَّ عليه حملا، وأيسرَ وطأً، وما كان عليه إلا أن يعقلها ويتوكل، فيأخذ بالأسباب، ثم يدع أمرها بيد مسببها، وينام قرير العين، مستريح البال، مجموم الفؤاد.

تفاؤل

التفاؤل مبدأ إسلامي، ومطلب نفسي، يضمن العيش الرغيد، ويعالج المرض النفسي الوخيم، نهى سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) عن كل ما يناقضه، فقال: “لا عدوى ولا طِيَرة”، ليؤكد أن الأمراض لا تعدي بنفسها، وإنما هي مأمورة بأمر ربها، الذي لا تنفعل في الوجود ذرة إلا بأمره، وأن الإنسان لابد أن يكون في الحياة سليم النفس، مبرأً من التشاؤم الذي يطمس في عينيه كل مرأى جميل، فذلك من ضعف اليقين، وهشاشة الإيمان.

فيديو مقال الإنسان بين التفاؤل والتشاؤم

أضف تعليقك هنا