الشاعر مصباح المهدي صوت الضمير

دعونا نقتبس بعضا من رحيق رحلته العامرة بالأحداث والعثرات والمطبات لكي نستظل بهامة وقامة كبيرة وسط حياتنا الصاخبة ونتعلم من زخم أفكاره وتأملاته الثاقبة، من بكورة إنتاجه المثمر من الشعر كانتا قصيدة بعنوان صوتك لمين والقصيدة الآخري المواطن مصري وذلك منذ عشرات السنين فقد تساءل فيهما كيف يعطي المواطن صوته في المكان الصحيح وحديث النفس للنفس والوعد والعتاب والضعوط الملقاة على كاحله والتي تفوق طاقته المحتملة ، وحقوق المواطن المصري في أي يكون مواطنا من الدرجة الأولى وليس من الدرجة العاشرة والشكوي للمرآة والصوت الضائع والمقابل البخس المنتظر والوعود الواهية والأمانة في أن لا يبيع الإنسان نفسه للشيطان الذي يغويه بزغلله العيون. ( إنه الشاعر مصباح المهدي).

أخلاق الشاعر مصباح المهدي

مصباح المهدي لا يهدف إلي منفعة خاصة أو شو إعلامي فبفضل من الله تعالي وتوفيقه كان ضيفا كريما في معظم القنوات والفضائيات ، وسفيرا متألقا للشعراء في المهرجانات والأمسيات الشعرية في أغلب الدول العربية ، وإكتظت صفحات الجرائد بقصائده وتباري النقاد في تفنيد أشعاره وإعطائه حقه الذي يستحقه عن أعماله ، وإنتشرت في السوق الأدبي كتب كثيرة له تحمل دواوين شعره مثل ديوان ساعتين ويدن وشجر للعياط وخالص عزائي للوطن والموت علي مهل ويرجي إعادة شحن البطاقة وغيرها الكثير والكثير.

كيف عاش حياته؟

لا يبغي التربح فقد عاش زاهدا وقد عمل طوال حياته في الوظائف المنقرضة تاريخيا وكان ملكا فيها متفاخرا لا يخجل ولا يمل ولا يكل ولا ينقم بل راضيا قنوعا بما قسمه الله تعالي له صابرا شكورا في سبيل توفير قوت يومه والإصراف علي عائلته الصغيرة وندعو أن يحفظ أبنائه الذي أنبتهم علي الخلق والدين والتحقوا بكليات وجامعات القمة عن جدارة ، رفض شاعرنا النفاق والمهادنة والتصفيق للباطل سبيلا للوصول للقمة ولكنه تسلق الجبال والأودية وعبر البحار وحجز كرسيه في الطائرات يبحث في الغربة عن مأوي وسبيل وهروب من الواقع المرير إلي واقع أشد مرارا ، وكانت كل هذه المحطات بمثابة الكنز الذي أخرج منها لبنات أفكاره الشعرية ، ورغم كل ذلك مازالت الأيادي الخبيثة تريد أن تنال من هذه القامة وتسعي عبسا وتشنيعا وتشهيرا وحربا ضروسا وكأنه خطر علي الأمة.

لمن لا يعرف مصباح المهدي فهو الشاعر الأسمراني الذي تخرج من طين مصر النقي وتربي علي أراضيها سواحا وسبح في مياهها وتقلب في همومها وذاق أفراحها وأخذ حقه من أشجانها وغاص في واقعها ونسج أشعاره من طبيعتها الساحرة من نيل وخضرة وحضارة ووحدة وطنية وأيضا المدافع عن مقدساتها الإسلامية ومساندا للإنتفاضات والمقاومة ضد العدو المغتصب لأراضينا العربية والإسلامية خصوصا المدينة المقدسة وفي القلب منها الأقصي الشريف ، هو المشجع والمعين لشباب الأدباء والشعراء والأخذ بأيديهم لعبور البدايات الصعبة ومحاولة تيسير العقبات بدون أدني مقابل حتي لو تنقل بين المدن في سبيل معرفة الناس بموهبة جديدة قد تسري الحياة الأدبية والثقافية ، صاحب الدعابة وروح الفرح الغالبة في كل الجلسات ، ولا يكاد يخلو مجلس من نكاته وخفه ظله.

تاريخ الشاعر مصباح المهدي

أما عن التاريخ فقد عاصر أجيال كثيرة وصار مع العمالقة رفيقا وتعلم منهم وإكتال من علمهم وزاد هو بموهبتهم عليهم وأصبح العطر الباق من كل هؤلاء ، لم يكن يوما منافقا ولا مصفقا للباطل ، حارب بشعره الفساد ووقف في وجه الظالمين أينما كانوا ، تأخر كثيرا بسبب موافقه الشجاعة في وجه الرياح العاتية ، ظلت كرامته مرفوعة أينما حل ، نادي بالحرية والديمقراطية والمساواة بين الطبقات ، كان همه الأول والأخير التعبير عن معاناة الطبقة المتوسطة والطبقة الدنيا من البسطاء والمهمشين والضعفاء والمشردين علي قضبان القطارات ، لم يتطلع يوما إلي أفضل مما وصل له حاله ، رسالته السامية في تنشيط الوعي لدي الأغلبية وتقدير الناس بمختلف توجهاتهم لهم وزادوه تكريما بإحترامهم لشخصه الكريم ، في سبيل توصيل شعره فعل الأفاعيل ودق كل الأبواب ومعظم دواوينه طبعتها ونشرتها وزارة الثقافة ليس مجاملة وإنما لقوة صياغتها وحرفتيها والإبداع الذي كسي قصائده وإحترافيته التي لا تحتاج لدليل.

مكانة الشاعر مصباح المهدي

في الوهلة الأولي يأخذك شعره للتحليق في عالم آخر وما أن تبدأ قراءة القصيدة حتي تجد نفسك منجذبا للبيت للثاني ثم الثالث حتي آخر القصيدة وتكون النتيجة إشباع للفكر وكم الدروس المستفادة ومضاحاة الحقيقة وتصورات الطبيعة والصور والتشبيهات الشعرية مختلفة كل الإختلاف عما سواها ، فكلماته توقظ الضمير الإنساني من الثبات العميق ، وتحلق بالفضاء فرحا بالحرية علي جناحي الطيور التي تشدو بأعذب الألحان ، تنبض القلوب من فرط حبات اللؤلؤ المتناثر بين سطور أشعاره ، من يريد أن يعرف مصباح المهدي فليسأل كل من تعامل معه أو جالسه أو صاحبه أو كان جاره أو حضر واحدة من ندواته أو درس محطاته وأحاديثه التليفزيونية والصحفيه لإستشفي عقليته السديدة وآرائه العديدة وصفاته الحسنة المتفردة بدون أن تقابله هو شخصيا وإن قابلته تمنيت صحبته للأبد وعدم فراقه.

مدرسة متنقلة ولا أبالغ إن قلت أنه مواطن من سكان المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة والحكماء ، كل الخبرات الحياتية سواء العلمية أو الشخصية التي إكتسبها عبر سنوات عديدة يحلم أن يوظفها في خدمة الكتاب والشعراء والمثقفين ، ألا يستحق مصباح المهدي وضعا مرموقا أعلي مما وصل إليه ، فبلا شك يستحق شاعرنا الكبير جائزة أوسكار الشعرية لما بذله في سبيل تغيير مفهوم القصيدة وجعلها كالجواهر المكنونة واللؤلؤ النفيس ، وهو بحق مكانه الطبيعي علي رأس الهرم الثقافي في مصر.

فيديو مقال الشاعر مصباح المهدي صوت الضمير

أضف تعليقك هنا