كيف ربى القرآن الصحابة الكرام

“كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف” هكذا كانوا قبل البعثة المحمدية يمارسون الرذائل فكيف أصبحوا بأعلى المنازل؟ وبمعنى آخر كيف ربى القرآن الصحابة الكِرام؟

بلا مقدمات ولا كثرة عبارات أظن أنه بعشرة خطوات

  1. “الغاية” التذكير بأن الإنسان -ومنه المخاطبون- مكرمٌ وخُلق لهدف نبيل، وليس عبثاً : “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (56)النازعات،” أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ “(115)المؤمنون.
  2. “الإحالة” التحويل من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن عن طريق تجذير ركني الرسالة الأساسيين : “لا إله إلا الله” و”محمد رسول الله “وغرسها في أعماق القلوب، وسقيها باستمرار لتكون شجرةً أصلها ثابت وفرعها بالسماء.
  3. ” الرد القاطع” فمن الطبيعي أن يسعى المخالفون للتشكيك ونشر الشبهات حول هذين الركنين ، فكان القرآن يواكب الواقع، فيدحض ما يطرحون وبشكل متوازٍ وليس مفصولاً عن التجذير، ولا يفترض الشبهات وإنما  يقتلعها بعد طرحها، بل إنَّ القرآن كان يستثمر تلك الشبهات في زيادة التثبيت وتعريض المؤمنين -وعلى رأسهم الرسول r-للابتلاء والاختبار حول الركنيين بين فترة وأخرى.
  4. ” التميز” لا التمييع ،فهناك تمييزٌ واضح بين القضايا القابلة للنقاش وبين التي لا تقبل ذلك، فالأولى يمكن التنازل عنها والتفاوض عليها ، أما الثوابت فلا ، وقد كان يجري ذلك عملياً وأمام العالم أجمع، كما حدث في سورة الكافرون، ويصل الأمر إلى تهديد صاحب الرسالة نفسه: “وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا “(75)الاسراء.
  5.  ” كل إنسان مسؤول عن نفسه:” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “(38)المدثر، “وكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ.. ” (13) الاسراء.
  6. فمن خَلقَ لغايةٍ لابد أن يُحاسب ويُعاقب ويُكافأ.
  7. “الحقيقة” إدراك حقيقة الدنيا، وجعل القلوب متعلقة بالآخرة، فليس المهم أن تعيش فقط، بل أن تكون عبداً لله وفق منهج الله على أرض الله، حتى أن أحدهم كان يجد رائحة الجنة وهو في الدنيا.
  8. “الجسور” جسور التاريخ البشري من بدايته (آدم) مروراً بالركب المبارك، وما قدموه لتحقيق الرسالة حتى وصلت للتضحية بالنفس، لذا كان ذاك الجيل يتمنى الشهادة ويفرح بها، فهي شرف “وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ” آل عمران 140ولا يرضى بالتأخر عنها ولو بأكل تمرات.
  9. “التطبيق”: هدف الرسالة تحقيق العبودية الحق في الأرض ومنهجها القرآن،  فالقرآن نزل ليكون واقعاً عمليا على الأرض، وليس في القلوب فقط، ولما كانت العديد من الآيات لا تتحقق عملياً إلا وفق مجتمع وليس افراد جاءت الهجرة لتأسس المجتمع الجديد، وفُرضت الهجرة على كل مسلم، ثم جاءت الأحكام والقوانين التي تضبط المجتمع الجديد وترسم ملامحه في كل شؤونه، وبالتوازي معه كانت قضية التجذير مستمرة فكثيرا ما يُذكِّر القرآن مع الأحكام بالتقوى والايمان والأخوة ، وهذا يجعل قبول تلك الأحكام مرهوناً بمدى التجذير في النفوس.
  10. “المتابعة”: البشر عرضةً للخطأ، وهو ليس عيباً، بل مؤشراً على السعي نحو الكمال إذا توفرت النية الصالحة، فمع ضخامة الرسالة وتشعبها في كل جوانب الحياة وحرص الجيل على التطبيق الصحيح كانت تحدث هفوات غير مقصودة، فيأتي القرآن ليصحح المسار ويرشد إلى الصواب، فالقرآن يتعامل مع بشر وليس ملائكة ، بل كان التوجيه أحياناً إلى صاحب الرسالة نفسه: “عفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ … (43).” التوبة.
  11. “التأكيد” على أن وجود الرسول الكريم هو لتبليغ المهمة وإتمام الرسالة ،وأن سلامة المنهج وتطبيقه لا تشترط وجوده على الدوام، وإنَّ على اتباعه نشر الهُدى والنور وايصال الرسالة إلى الناس أجمعين، ومن هنا فقد جاءت “إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ
  12. (30)” الزمر، وقوله “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ .. (144) آل عمران لترسيخ ذلك.

رسالة عالمية هي إرث النبي عليه السلام

وفي يوم الاثنين 12 ربيع أول عام 11هـ ينتقل الرسول الكريم  إلى الرفيق الأعلى تاركاً منهجا متكاملا ورسالة تامة،  وعندها يظهر أثر البناء القرآني والمنهج الرباني في جيل لم ولن البشرية مثله ، في رسالة ضمنية إلى أن المنهج القويم والدرب السليم محفوظٌ وقابلٌ للتطبيق لمن يريد، فمن سار على الدرب وصل “والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت، تلك هي خارطة الطريق لمن يريد بناء نفسه ومشاركة غيره في تحقيق العبودية الحق، لا تكاسل لا تنازل لا تقاعس، بل عزة وكرامة وتضحية مستدامة لا تقف حتى ” يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ” الأنفال 39

فيديو مقال كيف ربى القرآن الصحابة الكرام

أضف تعليقك هنا