التعلم الذاتي لمواجهة جائحة كورونا في مدارس المرحلة الأساسية بمحافظات فلسطين الجنوبية

المقدمة

استُخدم التعلم الذاتي في السياقات التربوية بمراحل التعليم الجامعي، ونظراً لتحقيقه جملة من الأهداف التربوية استفادت منه كافة المؤسسات التعليمية، وأصبح جزء أساسي من منظومة التربية في المدرسة الأساسية.. (اقرأ المزد من المقالات على موقع مقال من قسم تعليم).

وفي ظل الجائحة التي تجتاح العالم بأسره؛ والتي كانت سبباً في إغلاق معظم المرافق التعليمية في قطاع غزة، لجأت معظم المؤسسات التعليمية إلى التعليم الإلكتروني كبديل عن التعليم الوجاهي، كما اهتمت المدرسة الأساسية بمحافظات فلسطين الجنوبية إلى استحداث آليات اتصال تربوي عبر تطبيقات الواتس آب، أو التليجرام، أو برنامج الزوم.

كما عززت المدرسة الأساسية التعليم الإلكتروني بأنشطة ووسائط تعليمية تعلمية، وشجعت الطلبة على ممارسة التعلم الذاتي، وليكن التعلم الذاتي أكثر تنظيماً وتخطيطاً قامت المدرسة الأساسية بتوزيع بطاقات أطلق عليها بطاقات التعلم الذاتي، حيث تتضمن هذه البطاقات على أنشطة وملاحظات، وأسئلة تقويم تسهم في نجاح تجربة التعلم الذاتي.

حيث يقوم الطالب أو الطالبة باستلام بطاقات تعلم ذاتي شهري تتضمن أنشطة وملاحظات وأسئلة في كافة الدروس، وصممت هذه البطاقات بحيث يمكن أن يكتسب من خلالها الطالب بعض المهارات والميول والمفاهيم، وتعزز لديه ثقته بنفسه، وتجعله قادراً على استحضار خبراته السابقة، ومن فترة لأخرى يقوم الطالب بتسليمها إلى معلمه؛ ليتسلم البطاقة الشهرية الجديدة. وتسعى المقالة إلى الوقوف على مفهوم التعلم الذاتي، وأهميته، ومهاراته، وأهم الفوائد التي حققتها بطاقات التعلم الذاتي، ودورها في مواجهة جائحة كورونا.

المدخل إلى فلسفة التعلم الذاتي ومفهومه

أصبحت المؤسسة التعليمية بما تقدمه من معارف ومعلومات ومهارات عاجزة عن مواكبة كافة التغيرات والمستجدات العلمية، فأصبح لزاماً أن يتعدى التعلم أسوار الفصول الدراسية، ويتجاوز ما يقدمه المعلم من مفردات المقرر، فانتقلت مسؤولية التعلم من المعلم كمصدر للمعرفة إلى المتعلم كباحث عن المعرفة (العمري والشنقيطي، 2019: 24). وأشار (المطيري، 2017) إلى أن التعلم الذاتي أكثر أساليب التعلم تطوراً؛ لأنه يمكن الطالب من تعليم نفسه بنفسه، وفقاً لقدراته وسرعته في التعلم، وبما يتوافق مع ميوله، ورغباته، وحاجاته، واستعداداته، وخبراته السابقة.

ما المقصود بالتعلم الذاتي؟

وتنبثق فلسفة التعلم الذاتي من حقيقة أن كل طالب يعي قدراته ويفهم حاجاته، وبالتالي فإنه المسؤول الأول عن تعليم ذاته، وأن التعليم والتعلم عملية مستمرة.حيث أشار (Cazan & Schiopca, 2014) أن التعلم الذاتي سمة شخصية، فالمتعلم ذاتياً يتميز بدرجة عالية من الكفاءة الذاتية والدافعية الداخلية، والمتعلم ذاتياً لديه قدرة على تحديد أهداف تعلمه، واحتيار الاستراتيجيات التي تناسبه، ويتصف بالاستعداد لمواجهة التحديات أثناء التعلم، ونقل خبراته إلى المواقف التعليمية الآنية.

وأكدت معظم نظريات التعلم على مسألة فردية التعليم، فلابد للمتعلم أن يستخدم عناصر طريقته في التفكير، وأن يسير وفق سرعته الفردية، مما يوفر الفرص لبطيء التعلم، ويقدم علاجاً للفروق الفردية، ويساعد التعلم الذاتي على زيادة التفاعل بين المعلمين والطلبة، وقد ثبت أن نجاح الطالب وإخفاقه يتوقف على تطور شخصيته وثقته بنفسه، وقدرته على تعليم ذاته (الرشيدي، 2020: 143).

هل يُعتبر التعلم الذاتي اتجاه ومدخل تعلم حديث؟

وعرف الحيلة (2003: 212) التعلم الذاتي باعتباره اتجاه ومدخل تعلم حديث، وهو يتبع منحى النظم في تخطيط البرامج التعليمية، ويتوجه التعلم الذاتي نحو الفرد، إذ يكون الفرد المتعلم محور العملية التعليمية التعلمية، وهو بمثابة إتقان التعلم ذاتياً وهو أيضاً مجموعة الفعاليات والأنشطة المنظمة التي يبذلها الفرد بصورة واعية ومقصودة، وهي تنبع من ذاته اقتناعاً منه بجدواها كأداة لتغيير سلوكياته وشخصيته ككل، وتحقيق مستويات أفضل من النمو والارتقاء (القلا والأحمد وأبو عمشة، 2005: 37).

وهو نظام تعليمي صُمم بطريقة منهجية لمراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين داخل إطار جماعة الأداء، وذلك بغرض أن تصل نسبة كبيرة منهم إلى مستوى اتقان واحد، لأن الطالب يدرك قدراته واستعداداته (القطناني، 2019: 348).وهو تعليم الطالب نفسه بنفسه لتحقيق أهداف المقرر الدراسي، ويعد من الأساليب الحديثة التي تستخدم في حقل التعليم والتدريب، وأن يتولى المتعلم مسؤولية تعليم نفسه دون وجود معلم (الرشيدي، 2020: 147).

مهارات التعلم الذاتي

تتعدد مهارات التعلم الذاتي، وتختلف من مرحلة إلى مرحلة، ونذكر بعض هذه المهارات على النحو التالي (القلا والأحمد وأبو عمشة، 2005: 35 – 38؛ والرشيدي، 2020: 147):

  • مهارات التنظيم: تتجلى باختيار المتعلم للأهداف، واختيار المحتوى وتحليله وتجزئته، وترتيبه في وحدات متكاملة، وانتقاء طرق الحصول على المعلومات، وتحديد مستوى الإتقان، والتمكن منها وفق معايير معتمدة، مع تحديد الوقت المناسب، مع حسن إدارته.
  • مهارات التوجيه والتحكم: تتمثل بتوجيه القدرات الجسمية والحسية الحرية والانفعالية والاتصالية والتواصلية والتحكم بها، وتوظيفها في معالجة موضوعات التعلم والانتباه، والاقتصار عليها فقط، والانصراف عن سواها في الوقت نفسه.
  • مهارات استخدام مصادر التعلم: يستلزم التعلم الذاتي على صعيد التطبيق والممارسة، ولضمان النجاح اتقان معرفة مصادر التعلم الأكثر مناسبة، وامتلاك القدرة على تحديد وتقويم الأنشطة، والإجابة عن الأسئلة والاختبارات دون وجود معلم.
  • مهارات التقويم الذاتي: يقصد بها تلك المهارات التي تمكن المتعلم من القيام بعملية اختبار وتقويم مدى فهمه واستيعابه للمعلومات وموضوعات المقرر، ومقدار ما حصل عليه من معلومات ومعارف.

أهمية التعلم الذاتي ودوره في مواجهة جائحة كورونا

للتعلم الذاتي مكانة مهمة بين أنواع التعلم المختلفة، فهو جوهر التعلم والتربية المستمرة، إذ يتيح بطرائقه وأساليبه المناسبة إلى نمو الشخصية وتحقيق تكاملها، ونمو القدرات اللغوية والعقلية والمهارات الاجتماعية، ويعد رافداً أساسياً لنظم التعلم الأخرى، وكاشفاً عن الإمكانات التي يمتلكها المتعلم ويحتاج لها، وتوظيفها بشكل أمثل، ذلك لأن التعلم الذاتي هو جهد شخصي يقوم به الطالب للتعلم بصورة فردية مستقلة، وقد يستعين في ذلك إلى أدوات تقنية مثل الحاسوب والانترنت أو الإعلام التربوي.

ويتيح التعلّم الذاتي للطالب اختيار طريقة الدراسة ويراعي قدراته الذاتية واستعداداته وميوله، وهو من أبرز أنواع التعلم التي تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، ويواجهها بطرق علمية (الزبون، 2015: 41).

ولقد أشارت كثير من الاتجاهات التربوية الحديثة إلى أن التعلم الذاتي يعزز مبدأ تفريد التعليم، ويركز على المتعلم، ويزيد من دوره، وله بعد اقتصادي؛ فهو يحقق التنمية البشرية السوية، ويوفر جهد المعلم، ويعمل على زيادة سرعة اكتساب المعرفة أو الفهم.

مزايا التعلم الذاتي لمواجهة جائحة كورونا

وحول مزايا التعلّم الذاتي وأهميته لمواجهة جائحة كورونا ترى الباحثة بأن بطاقات التعلم الذاتي لطلبة المرحلة الأساسية شكلت نقلة نوعية؛ لأنها جعلت الطالب يتابع دروسه بنفسه، ومن خلال تفاعل المعلم مع طلبته عبر تطبيقات الواتس والتليجرام استطاع الطالب أن يواكب دروسه ويتابعها من بيته، ودون الحاجة إلى وجود معلم لمتابعته والاشراف على أداءه اليومي، بل المتابعة تكون بشكل متقطع وغالباً شهرية.

كما شكلت بطاقات التعلم الذاتي أداة لتحفيز الطالب، وأن يبقى شغله الشاغل جمع المعلومات، كما لاحظت الباحثة وهي تعمل معلمة في إحدى مدارس محافظات غزة أن بطاقات التعلم الذاتي عززت ثقة الطالب بنفسه وبقدراته، وجعلته يواكب دروسه بحيوية وحماس، وأجاب على بعض الأنشطة من بيئته المحيطة.

كما حققت بطاقات التعلم الذاتي مبدأ التكامل، فاستفاد من دروس اللغة العربية بإجابة أنشطة المواد الأخرى مثل التربية الإسلامية، واستفاد من دروس التربية الإسلامية وأنشطتها في إجابة أسئلة التقويم الذاتي للتنشئة الاجتماعية. وترى الباحثة أن تحقيق هذه الأهداف كان خلفه أيضاً دعم الأسرة وحرصها على مواصلة تعلم أبنائهم، إضافة إلى اختيار الطالب لطريقة دراسته، ووقتها المناسب.

ومن خلال ما سبق ترى الباحثة أن التعلم الذاتي عزز تطبيقات التعليم الإلكتروني، وشكلت تطبيقات التعليم الإلكتروني مع بطاقات التعلم الذاتي منظومة تربوية متكاملة يمكن الاستناد إليها في حالة الكوارث والأزمات والحروب، خاصةً وأن محافظات فلسطين الجنوبية تعيش في ظروف استثنائية بسبب الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي والحروب المتكررة، بالتالي فإن التعلم الذاتي يفترض أن يستمر حتى لو رجعت الحياة إلى طبيعتها.

كذلك يمكن من خلال بطاقات التعلم الذاتي بعد جمعها من المعلم أن يراجعها بطرق واعية وتحديد أبرز مشكلات الطلبة أو المهارات التي لم يكتسبوها، وأن يصمم محتوى تعليمي يثري معارف الطلبة ليكن التعلم الذاتي أكثر تحقيقاً لأهداف التربية.

قائمة المصادر والمراجع

أولاً: المصادر والمراجع العربية

  • العمري، حياة رشيد والشنقيطي، آمنة محمد. (2019). مدى توفر مهارات التعلم الذاتي لدى طلبة جامعة طيبة في ضوء متطلبات مجتمع التعلم المهني وفقاً لآراء أعضاء هيئة التدريس. مجلة العلوم التربوية والنفسية: المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث. م(3)، ع(1)، ص: 24 – 50.
  • القطناني، سمر جميل. (2019). التعلم الذاتي وأثره في تحصيل طلبة كلية الأميرة رحمة الجامعية في مساق علم النفس التربوي “وحدة نظريات التعلم” مقارنة بالطريقة الاعتيادية. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية. م(27)، ع(1)، ص: 342 – 359.
  • الحيلة، محمد. (2003). طرائق التدريس واستراتيجياته. ط(3)، الإمارات العربية المتحدة: دار الكتب الجامعي.
  • الرشيدي، بندر عبدالرحمن. (2020). أثر التعلم الإلكتروني في تحسين مهارات التعلم الذاتي لدى طلبة تقنيات التعليم والاتصال في جامعة حائل. مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية. م(28)، ع(1)، ص: 141 – 161.
  • القلا، فخر الدين والأحمد، أمل وأبو عمشة، عدنان. (2005). تقنيات التعلم الذاتي والتعلم عن بعد، دمشق: منشورات جامعة دمشق، سورية.
  • الزبون، مأمون. (2015). أثر التدريس باستخدام المقررات الإلكترونية “المودل” في تحصيل طلبة الجامعة الأردنية بمادة مهارات الحاسوب وتنمية مهارتي التعلم الذاتي والتواصل الاجتماعي لديهم. (أطروحة دكتوراه غير منشورة). الجامعة الأردنية بعمان، الأردن.

ثانياً: المصادر والمراجع الأجنبية

  • Cazan, A. M., & Schiopca, B. A. (2014). Self-directed learning, personality traits and academic achievement. Procedia-Social and Behavioral Sciences, 127, 640-644.‏

فيديو مقال التعلم الذاتي لمواجهة جائحة كورونا في مدارس المرحلة الأساسية بمحافظات فلسطين الجنوبية

 

أضف تعليقك هنا

أ. آمال عبدالهادي

طالبة دكتوراة - تعمل لدى وكالة الغوث الدولية 2020