مخزون الذاكرة

أربع سنوات بين الحلم واليقظة

أفقت ووجدت نفسي في ظلمة شديدة .. المكان خالي من حولي ..الثقب الصغير بالزاوية نُوره مملوء بالضباب لاتعرف من خلفه .. وجدت نفسي في مقعد لونه أزرق انتظر طبيب ليضعني في صندوق يشبه وصف معلمتي عن محطات الموت الأولى فلافرق بينه وبين تلك الظلمة الخالية من الناس لاشيء فيها بتاتاً سوى أصوات أطفال ينادون لي أمي؟؟ لا أرد اكتفي بالصمت والتأمل !! ماذا حصل أسأل نفسي لعلني أجدني فيها ..
سمعت صوت الممرضة تنادي على اسمي لأدخل لذالك الرجل السمين مقطب الحاجبين .. ليخبرني لاحل لي سوى الصبر .. بعد صمت مطبق لا حراك فيه يتحدث ولا أعلم مايقول خرجت تاركة خلفي كل التعليمات… قطعت مسافات طويلة في تلك الممرات لا أجد من أخبره بما قاله الطبيب

كان ذلك الممر مليء بالناس .. المريض والزائر وحامل الورد مرسولاً لأحدهم لايجد منه إلا رائحته .. لم أحسد أحدا منهم لاشك عندي بأنهم أشد الماً مني فعالمنا لاخيار فيه إلا الصراخ إلا أنني لم أجد حتى الصدى ليردد آهاتي .. ضاقت ذرعاً حتى أصبحت صديقة الصمت ..

سنوات العمر المليئة بالحزن

أنا في تلك السنوات عمر لايصفه شيء بالحياة يظلمه الحرف والوصف والعزاءات وكل شيء يظن الناس أنه يهدء من روعنا، خاوية من كل شيء غير تلك الطفلة التي كثيرا ما أفيق لأجدها تخبرني من جديد من انا ومن هم هؤلاء لما يبكون من حولي .. أقول لها بتعجب لما يبكون .. تبتسم بحزن شديد وفرح لأنني بخير حسب رأيها .. لاشيء ( حنا مبسوطين خفنا عليك بس لانك دختي) لازلت لا استوعب ماتقول .. لما تنهي كلامها اسأل من أنتِ.

بعد ربع ساعة من طلب تفسيرات من ومن ولما أبدأ ببط معرفتهم .. فأحضنهم ونبكي سواء بصمت تسمع منه الشهيق فقط .. مبلل ثيابنا بالدموع فتغرق محاولاً كل منا أن لايخير الآخر عن مدى وجعه.. الأطفال وجعي لايسعهم ولايجدي نفعاً سوى الموت لهم .. أدعي النوم دائماً حتى أتأكد من أن الجميع نائم.. فأبدا أنوح والله بلادموع صوت كزئير الأسد ملتمة على نفسي كالجنين .. أدعي أنه شاهدت فلم أحزنني في حال وجدتني صغيرتي .. تعود للنوم مبتسمة..

وجدتني أكتب هذا ولا أعرف ما اكتب فقط الصمت والصوت والضجيج في المطار أحيا فيّ وجع لاتفسير له .. أتوقع لأن العدد هائل ولا أحد يعرف مافي نفسي أحدهم من الألم .. الجميع يتحاورون وكل في عالمه الخاص فلا أحد يواسي أحد حتى لو بالعيون .. لكم أن تتخيلو المطار وصوت المنادي والحقائب والمقاهي والعدد الهائل من الناس .. ولا تعرف أحد لتقول له أنا ….. صدقت تلك الصورة الذي يسير بها أحدهم عكس اتجاهات الآخرين في مسار لوحده لاشك أنه لم يستسلم هو فقط ضربته الحياة حتى استند على نفسه وشق طريقه بلاعودة …لايوجد أصعب بالحياة من أن يعود الجميع ليحيو الماضي بلاجديد ولاحل سوى الألم .. في كل مرة تتذكر في ابتسامتهم وجعك .. وعالمهم ومزاحهم الذي فقدته.

كيف ظلمنا أنفسنا من أخطاء اقترفناها

تركك الآخرين لنفسك بعد ما أهديتها بحجمها حتى لو يعو ذلك … اليوم أفقت على مصائب اقترفتها من أربع سنوات لم أعي لما فعلت لأعلم أنه لو رافقني شخصاً مخلص لدلني على الطريق .. اليوم عرضو علي توقيعات هائلة ظلمت فيها نفسي ولا أتذكر متى وكيف فعلت .. اليوم تجدد عالمي المظلم لأتذكر تلك الوحدة .. كيف أضعت مصير طفلتي وعملي وحياتي على المحك دون علم مني … ببساطة لم اجد من يقول خطأ بهدوء حتى استمع له بحب … أنا رمانه مفروطه لايمكن أن يجتمع شتاتها مهما حاولت … لايبقى سوى لونها المزعج.. كل ماتجاوزت … عادت الظلمة بكلمة أو موقف أو خطأ أقترفته بحق نفسي بدون وعي مني..

دائماً كنت ارشد الآخرين للصواب .. لم اجد من يرشدني… هلكت وأهلكت أحبتي .. فتلك اللحظات لعنت القدر وشكوته منه اليه لما يأخذ امي … لم لم يضع في طريقي أماً آخرى …
قضيتها بدون مبالغة نوم وأدوية .. صمت وبكاء .. مواعيد طبية قاتلة .. ما أن أفيق من مخدر حتى يأتون بآخر …
الممرات كانت طووويلة جدا أمشي فيها لا أشعر بصوت فقط هي صور تتحرك .. رائحة أدوية ومطهرات تخطف الأنفاس الباقية…

كانت سنوات لاتوصف .. قليلة الحروف فيها بقدر العمق بمحتواها … أفيق احيانا صوت التلفزيون .. أذهب لأجدهم مجتمعين عليه بهدوء مبتسمين عن رؤيتي .. قائلين بصوت نغمات تشبه لحن الرسوم (أمي قامت أمي قامت) علمت حينها أنني منذ٤ ساعات لم أفيق جراء سقطه قويه لأدخل بعدها في نوم وسبات عميق تطول ساعاته وتقصر .. كانوا على التلفاز ينتظرون .. قد أعدو جلسه بسيطه مليئة بالمفرحات .. لا أعرف هل يواسون أنفسهم أم يواسون حاجتي وفقدي من كل شيء ألا منهم .. كنت أصعد بعدها بخطوات لأجلهم لعلي أخرج ما البث حتى اعود من جديد..
من انا ؟! لما أنا؟! أين الجميع؟! ماحالهم؟! من هناك؟! …

بقلم: حصه فهيد

 

أضف تعليقك هنا