تاريخ الحرب الباردة (1945 – 1990) أسبابها – مراحلها – نتائجها

المقدمة

تاريخ الحرب الباردة هو ببساطة تاريخ العالم بأسره منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية الى مطلع التسعينات من  القرن العشرين، فكل دول كوكبنا بإستثناء الدول المحايدة القليلة العدد مثل سويسرا والسويد، كانت في أحد جانيي الصراع الذي دار بين معسكرين، أحدهما يتبنى الفكر الرأسمالي الحر، والآخر يتبنّى الفكر الماركسي أو الشيوعي، حتى الدول التي شكّلت في الخمسينات ما عرف بحركة عدم الإنحياز لم تستطع تجنّب هذا الصراع.

لقد سرّعت الحرب العالمية الثانية بنهاية الحقبة الإستعمارية، وظهرت الى الوجود عشرات الدول الجديدة والتي تسابق الى إستقطابها كل من الإتحاد السوفياتي الذي أضحى مركز الشيوعية العالمية والساعي الى تحقيق دكتاتورية البروليتاريا في العالم، والولايات المتحدة التي آمنت بنظامها الديموقراطي كأفضل نظام يجب تعميمه في العالم، ونظرت الى الإتحاد السوفياتي كإمبراطورية جديدة لاتقل خطورة عن الدول النازية والفاشية والدكتاتورية والتي كان لها الدور الرئيسي في القضاء عليها في الحرب العالمية الثانية وصلت بها الى حد إستخدام القنابل النووية في سبيل ذلك.

إنقسمت أوروبا الى كتلتين، شرقية وتضم بولندا والمجر وتشكسلوفاكيا والمانيا الشرقية ورومانيا ويوغوسلافيا وبلغاريا وألبانيا وتحوي أنظمة شيوعية تدور في فلك الإتحاد السوفياتي ضمن حلف عسكري واحد هو حلف وارسو، وغربية وتضم معظم الدول الاوروبية الغربية وأهمها فرنسا وبريطانيا وألمانيا الغربية وإيطاليا وأسبانيا وكلها ذات نظام رأسمالي متحالفة مع الولايات المتحدة في حلف عسكري هو حلف الناتو NATO ويمكن القول أنها تدور في فلكها مع نزعة بعضها الى التمايز مثل فرنسا الديغولية.

أما العالم الثالث المتوزع بين الكتلتين فدارت فيه حروب ونزاعات بالوكالة أحياناً ومباشرة مع أحد القطبين أحياناً أخرى، كما جرى في فيتنام وأفغانستان، كما أطحيت فيه أنظمة وحكومات لا ذنب لها أحياناً سوى أنها تتبع أحد النظامين الشيوعي أو الرأسمالي، بل وحتى كان البعض منها لا  يعمل لمصلحة إحد القطبين مثل حكومة مصدق في إيران أو وصل السلطة عن طريق الإنتخابات الحرة مثل الرئيس التشيلي أليندي ، وقتل في حروب مرتبطة مباشرة بالحرب الباردة حوالي عشرين مليون شخص حول العالم، ودُمّرت إقتصاديات ونُهبت ثروات وإستيقظت عصبيات عرقية ودينية، كانت نتيجتها حروب عرقية إنفجرت بعد الحرب الباردة مثل حروب البلقان فتشظى الإتحاد السوفياتي الى ست عشرة دولة ويوغوسلافيا الىى سبع دول وتشكسلوفاكيا الى دولتين، ناهيك عن الصراعات المستمرة الى اليوم، كالنزاع الروسي الأوكراني والأذربيجاني الأرميني، وتصاعدت الحركات الدينية الأصولية المتطرفة والتي ضربت بإرهابها الكثير من الدول حتى في عقر دار الجبارين كما حصل في نيويورك عام 2001 وفي موسكو عام 2002.

كانت المصالح الإقتصادية والسياسية لكلا القوتين فوق كل الأيديولوجيات وداست قوى الجبارين على الكثير من المبادىء التي نادت بها مثل الديموقراطية وحق تقرير المصير والمساواة بين الشعوب، وإلغاء التمييز العنصري، دمّرت أسلحتها مجتمعات آمنة كانت تحلم بغدٍ أفضل وذنب هذه المجتمعات الوحيد أنها صدّقت بهذه المبادىء والشعارات وعملت على تحقيقها.

الإشكالية الرئيسية في هذه الدراسة هي الأسباب والمراحل التي أدت الى إنتهاء هذه الحرب، والفرضية هي تحليل الأسباب الرئيسية التي حسمت هذه الحرب لصالح الولايات المتحدة، وقسّمتُ دراستي هذه بالإضافة الى المقدمة الى ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول الخلاف العقائدي بين القطبين، ويسهب الفصل الثاني بشرح المراحل الأساسية الأربعة في هذه الحرب والتي عنونتها بحسب فترات حكم القادة في البلدين لأنه برأيي كان لشخصية كل منهم تأثير كبير على مسار الصراع، مفرداً فقرتين لأزمة الصواريخ في كوبا والحرب الفيتنامية لأهميتهما، وفقرة ثالثة عن التأثير السلبي لهذه الحرب على الأنظمة الوطنية وحركات التحرر في العالم، وخصّصت الفصل الثالث لمحاولة تحليل واستخلاص الأسباب الجوهرية لإنهيار المعسكر الإشتراكي وبالخصوص الإتحاد السوفياتي وحلفائه، وفقرة أخرى عن تأثيرات الحرب الباردة داخل الولايات المتحدة، منهياً بالخلاصة والتي خصصتها للنظر في أسباب فشل النظرية الماركسية فكراً وتطبيقاً وممارسة.

لقد اتبعت في هذه الدراسة المنهج التاريخي،  كما كان للمنهج الإقتصادي حصة وازنة فيها.

الفصل الأوّل :التسمية والخلاف العقائدي  

كان الصحافي والروائي البريطاني الظريف جورج أورويل George Orwell هو أول من استخدم مصطلح “الحرب الباردة” سنة 1945 للتدليل على حالة الحرب غير المعلنة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة[1]، وكان زعماء اوروبا الغربية والولايات المتحدة يستعملون هذا المصطلح للتدليل على الخطر الشيوعي منذ الخمسينات، بينما لم يُستخدم هذا المصطلح من قبل السوفيات إلا في زمن غورباتشوف، لأنهم كانوا يعتبرون بلدهم دولة مسالمة فيما يعتبرون قوى الغرب دولاً عدوانية امبريالية.

إذا كانت الحروب النابليونية في أوروبا قد إنتهت بمعاهدات مؤتمر فيينا والتي جنّبت أوروبا الحروب الكبيرة لأكثر من نصف قرن، وإذا كانت معاهدات مؤتمر فرساي التي أعقبت الحرب العالمية الأولى إستطاعت وقف الحروب لعقدين من الزمن على الأقل، فإن الحرب العالمية الثانية لم تتمخّض عن اي إتفاقات دولية هامة[2] بإستثناء إنشاء منظمة الأمم المتحدة لحل النزاعات سلمياً، فأعقبت هذه الحرب مباشرة أنوع جديدة من الحروب الصغيرة “بالوكالة” بين القوتين الكبيرتين الجديدتين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي بما سّمي بالحرب الباردة، فيما عُطّل فعلياً دور الأمم المتحدة لحل النزاعات بهيمنة هذين الطرفين على قراراتها وبالتالي شل فعاليتها.

الخلاف الأيديولوجي:

أ – الايديولوجية الأميركية:

إذا أردنا تحليل اسباب هذه الحرب فعلينا الرجوع الى الوراء في التاريخ لإلقاء نظرة موجزة على ظروف النشأة الايديولوجية لكل من الدولتين،  فالمبادىء والقيم  التي قامت عليها الولايات المتحدة منذ  نشأتها تمثلت بالحرية والديموقراطية والرغبة بتعميم هذه المبادىء على سكان الأرض ومساعدتهم في التحرر وإتخاذ النموذج الأميركي سبيلاً للتقدم،  وأضحت مبادىء الاقتصاد الحر وتقديس الملكية الخاصة والإيمان بالتكنولوجيا وحرية الفرد هي مبادىء النخب الحاكمة في الولايات المتحدة والتي حظيت بقدر مهم من التأييد الداخلي؛ هذا الفكر كان يعتبر الشيوعية هي النقيض لهذه الايديولوجيا، وأنها تمثل نمط جديد من الأفكار الشمولية والدكتاتورية على غرار النازية والفاشية، وعلى الولايات المتحدة  التصدي لها وحماية  العالم من خطرها، وقد شهد التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر المحاولات الأميركية لنشر هذه المبادىء مثل إجبار اليابانيين على فتح بلادهم المغلقة أمام الآخرين، كذلك الإستيلاء على بعض البلدان التي كانت تحت السيطرة الإسبانية العام 1898 مثل كوبا والفلبيين ونشر مبادئها فيهما، ففشلت في كوبا  ونجحت نسبياً في الفليبين، وبعد التدخل في الحرب العالمية الاولى سنة 1917، استنتج الرئيس ولسن  Wilsonيومها بأن هذا التدخل كان في مصلحة العالم وأن الطريق الوحيد لتحقيق تسوية سلمية وإعادة بناء النظام العالمي هو بتطبيق نقاطه الأربعة عشر، كما تدخلت اميركا الى جانب الحلفاء لدعم القوى المناهضة للبلاشفة في الحرب الأهلية الروسية بين عامي 1918 و1920.

ب – الايديولوجية السوفياتية:

أما في الجانب الآخر، فإن الثورة البلشفية بقيادة لينين التي قامت على أساس مبادىء الفلسفة الماركسية والمناقضة للفكر الرأسمالي، والتي تعتبر الرأسمالية نظام طبقي غير عادل وتنادي بسيطرة الطبقة العمالية (البروليتاريا) وتأسيس نظام إشتراكي يكون المرحلة الأخيرة ما قبل الشيوعية.

وعندما استتب الأمر للبلاشفة في روسيا، وأصبحوا يعرفون بالحزب الشيوعي السوفياتي، أسسوا الشيوعية الدولية أو الكومنتيرن Comintern، عقدت اجتماعاتها الأولى بين عامي 1919 و1920 في موسكو وتبنّت سياسة التنسيق وإدارة استراتيجية الحركة الثورية العالمية، والدفاع عن الدولة السوفياتية ضد الثورات المضادة وضد التدخل الرأسمالي الأجنبي، وبعد إنسحاب الاحزاب الاشتراكية الاوروبية الكبرى والتي رأت في ذلك تبعية مطلقة للإتحاد السوفياتي، نشأت في دول العالم الثالث، أحزاب شيوعية مرتبطة بالحزب الشيوعي السوفياتي ضمن الأممية الثالثة، وعملت على قيام ثورات في مختلف أنحاء العالم، ولكن هذه الأحزاب تحولت منذ زمن ستالين الذي تسلم السلطة بعد لينين الى أدوات للإتحاد السوفياتي وأصبحت تعتبر الاتحاد السوفياتي هو مركز الثورة العالمية، وان الثورات مستحيلة دون تأييد موسكو بحيث يجب المحافظة على الاتحاد السوفياتي كقاعدة للثورة العالمية، وبالفعل أُدخلت هذه المبادىء عام 1928 في صلب برنامج الكومنتيرن بحيث أصبح توسيع الثورات العالمية يمثل فعلياً إمتداداً للقوة والنفوذ السوفياتي[3]، وتوقع ستالين أن تتنافس الدول الامبريالية بعد الحرب العالمية الثانية عل اعادة تقسيم العالم وأنه يستطيع أن يغتنم هذا التنافس لمصلحة الشيوعية العالمية، ولكنه تفاجأ بأن قوة أحادية هي الولايات المتحدة الأميركية سوف تترأس العالم الرأسمالي وأن ذلك سيكون أكثر خطورة على الاتحاد السوفياتي، وكأن هناك استراتيجية مدبّرة لخنق الدولة الشيوعية، وهذا لم يرد في اي دراسة  ماركسية قدمت خلال الحرب العالمية الثانية[4].

الفصل الثاني: مراحل المواجهة

المرحلة الأولى: ستالين – ترومان (1945 – 1953)

انقسمت الدول المتحالفة والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية مباشرة بعد انتهاء الحرب الى معسكرين في سابقة تاريخية للحروب،  لينحصر الصراع الرئيسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بسبب تراجع قوة الدول الأوروبية والتي خرجت منهوكة من هذه الحرب، وسارعت الولايات المتحدة الى نجدتها بإعادة إعمار أوروبا بما سمي مشروع مارشالMarshall ، لتفرض نفسها القوة الرئيسة على الساحة العالمية،  ورغم عدم إعلان الحرب من قبل الاتحاد السوفياتي على اليابان إلا بعد إلحاح بريطاني وبعد استسلام ألمانيا، خضعت اليابان بعد استسلامها في اعقاب ضربها بالقنابل النووية، للسيطرة الاحادية الاميركية مبتعدة بذلك عن المد الشيوعي بعد توقيعها معاهدة منفردة مع الولايات المتحدة لحمايتها من أي هجوم سوفياتي أو اي ثورة شيوعية في الداخل[5]، كما خفّفت الولايات المتحدة من الشروط على إيطاليا المهزومة لتتحول بسرعة الى حليف لها.

في حين أفلتت كل من اليابان وإيطاليا من التقسيم، لم تسلم ألمانيا منه تحت إلحاح فرنسي وبريطاني، وشُطرت المانيا أخيراً الى دولتين، واحدة غربية وعاصمتها بون تقع تحت سيطرة الولايات المتحدة وفرنسا انكلترا، وأخرى شرقية تابعة للاتحاد السوفياتي وعاصمتها القسم الشرقي من برلين المقسّمة والواقع تحت السيطرة السوفياتية حيث اقاموا جداراً حديدياً أُعتبر رمزاً للحدود بين العالم الشيوعي والعالم الرأسمالي ، وكان انهياره سنة 1991 رمزاً لانهيار العالم الشيوعي، وبالإضافة لألمانيا الشرقية قامت كتلة من الدول في شرق أوروبا تضم بولندا ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشكسلوفاكيا ويوغوسلافيا وألبانيا أصبحت جميعها دولاً ذات أنظمة شيوعية موالية لموسكو.

أرسل جورج كينان George Kennan وكان القائم بأعمال السفارة الاميركية في موسكو، برقية مشفّرة الى إدارته يشرح فيها التصرفات السوفياتية أُطلق عليها اسم التلغرام الطويل “Long Telegram”  وكذلك نَشَر مقالاً في مجلة فورين افّيرز Foreign Affairs” تحت إسم مستعار هو السيد X، وأصبح مضمونهما الأساس لسياسة الإحتواء التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه الاتحاد السوفياتي حتى نهاية الحرب الباردة، بما أصبح يسمّى بمبدأ ترومان والذي أعلنه الرئيس ترومان Trumanبعد سنة من هذين التقريرين[6]، ويتلخص في التدخل في شؤون العالم لإحتواء انتشار الشيوعية، وقال ترومان ان الانظمة الشمولية المفروضة على الشعوب الحرة تضعف اسس السلام الدولي وبالتالي تضعف أمن الولايات المتحدة، وقسّم العالم بشكل تبسيطي الى ثنائية الخير والشر، ودعا شعوب العالم الى الاختيار بين الخير وأعتبره الديموقراطيات الغربية واقتصاديات السوق الحرة، وبين الشر واعتبره الانظمة الشيوعية، وقال بأن السياسة الخارجية الاميركية يجب ان تقوم على دعم الشعوب الحرة لمقاومة الاستعباد والخضوع للذين تحاول الاقلية المسلحة او الضغوط الخارجية فرضهما[7].

وفي خطاب ألقاه تشرشل  Churchill في إحدى جامعات الولايات المتحدة يقول: “لقد خيّم ظل ثقيل على المناطق التي أضاءتها انتصارات الحلفاء، وهبط ستار حديدي على القارة الاوروبية يمتد من ستيتين على بحر البلطيق الى تريستي في البحر الادرياتيكي. وراء الستار تقوم عواصم جميع الدول العريقة في أواسط اوروبا وشرقيها: وارسو، وبرلين، وبراغ، وبودابست، وبلغراد، وبوخارست، وصوفيا.. نعم كل هذه العواصم أصبحت تخضع للنفوذ السوفياتي ولإشراف موسكو وسيطرتها”[8]. وحذر تشرشل بما أسماه “الحضارة المسيحية” بأنها معرضة للخطر بسبب المد الشيوعي.[9]

بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، شهد العام 1946 أزمات ثلاث في كل من تركيا واليونان وإيران، وفي محاولة من الاتحاد السوفياتي لمد نفوذه العسكري الى البحر المتوسط، دعم الاتحاد السوفياتي القوى الشيوعية في الحرب الأهلية اليونانية إنطلاقاً من أراضي دولة ألبانيا المجاورة والتي كانت موالية للشيوعية، فهبّت الولايات المتحدة وساعدت القوات اليونانية على هزيمة الشيوعيين، كما طالب الاتحاد السوفياتي تركيا بالسيطرة المشتركة على المضائق البحرية التركية ليحصل على حرية الملاحة وحرية الطيران في المنطقة، وسارع الرئيس ترومان الى إرسال قواته البحرية لدعم تركيا فتراجع الاتحاد السوفياتي، ونتج عن ذلك الدعم انضمام تركيا الى حلف الناتو سنة 1952 والذي حماها من المد الشيوعي، وهكذا بقي البحر المتوسط تحت قبضة القوى الرأسمالية الغربية.

أما في إيران فكانت قوات سوفياتية وبريطانية قد دخلت إيران سنة 1942 لحماية النفط من هجمات محتملة لهتلر، على ان تنسحب بعد إنتهاء الحرب، إلا ان السوفيات لم ينسحبوا بعد إنقضاء الحرب، ثم تعهد الاتحاد السوفياتي سنة 1946 بسحب قواته من إيران في غضون أسابيع ستة، ولكنه لم يفعل أيضاً، وكانت الولايات المتحدة وانكلترا تضغط على إيران للحصول على إمتيازات نفطية فيها، ونسج السوفيات تحالف مع قوى أذرية معارضة في الشمال الإيراني، وكان السوفيات يريدون امتيازات نفطية أيضاً، وعندها اعطت إيران السوفيات إمتيازاً نفطياً، وإنسحبت القوات السوفياتية في نيسان 1946، إلّا ان الإيرانيين سحقوا المعارضة الأذرية في الشمال بالتعاون مع الاميركيين وتنصلوا من إتفاقيتهم النفطية مع السوفيات، ولم يصعد السوفيات الموقف تجنباً للصدام مع الاميركيين[10].

استطاع الاتحاد السوفياتي سنة 1948 من إيصال الشيوعيين الى الحكم في تشكسلوفاكيا والتي كانت الى حينه الدولة الوحيدة في شرق اوروبا والتي بقيت تحتفظ بنظام ديموقراطي، وضمها الى حلف وارسو لاحقاً، بعد ذلك بدأ ستالين يتطلع الى المواحهة غير المباشرة خارج اوروبا.

في العام 1949، أنشأت الولايات المتحدة حلف الناتو وضم بالإضافة اليها ، كندا ومعظم دول اوروبا الغربية، ثم انضمت كل من اليونان وتركيا الى الحلف لاحقاً سنة 1952، كل ذلك بهدف مواجهة الاتحاد السوفياتي وحماية اوروبا من المد الشيوعي،  ولكن في نفس العام استطاع الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ الوصول الى الحكم في الصين،  وفشلت الولايات المتحدة في الحفاظ على حليفها تشانغ كاي تشيك Chiang Kai-shek في الحكم وانتقل الى جزيرة تايوان. وفي العام 1951 أبرمت الولايات المتحدة حلف أنزوس ANZUS مع اوستراليا ونيوزيلندا[11]، كما عقدت في نفس العام حلفاً مع اليابان.

في العام 1950، اندفعت جيوش كوريا الشمالية المدعومة من الاتحاد السوفياتي لإحتلال كوريا الجنوبية فتصدت لها الولايات المتحدة تحت علم الامم المتحدة، وعندما قرّرت الولايات المتحدة احتلال كوريا الشمالية، تدخلت القوات الشيوعية الصينية وحققت انتصارات كبيرة دفعها الى إكمال زحفها لاحتلال كامل كوريا، مما دفع الجنرال الاميركي ماك آرثر الى طلب استعمال السلاح النووي، ولكن الدول الاوروبية هبت لمعارضة الأمر، وإصيبت الولايات المتحدة  بخسائر بشرية كبيرة في هذه الحرب والتي استمرت حتى العام 1953 وكانت سبباً بوصول الرئيس الجمهوري أيزنهاور الى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة[12].

بعد نجاح روسيا في إمتلاك القنبلة الذرية سنة 1953، أيقن الطرفين بأن الحرب العسكرية بينهما تعني نهاية العالم، ودخلوا في توازن الرعب، فأصبحت الحرب الباردة هي الأسلوب الأوحد في المجابهة بينهما، والتي استمرت حتى سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1991.

المرحلة الثانية: خروتشوف – أيزنهاور-كينيدي (1953 – 1963)

تميّزت هذه الفترة بإنشاء الأحلاف العسكرية وبتخفيف المواجهات العسكرية المباشرة بين الطرفين، وبدء عقد قمم بين الطرفين والتي توقفت منذ  نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 ، ومن المؤكد ان رحيل ستالين، وتسلّم خورتشوف السلطة، كذلك حلول الرئيس ايزنهاور مكان ترومان، خفّف كثيراً من التصعيد بين الطرفين، والبعض يعتبرون ستالين أحد المسببن الرئيسيين للحرب الباردة، وقد نحى خروتشوف منحى التعايش السلمي مع القوى الرأسمالية وآمن بوجود طرق مختلفة للاشتراكية، وسعى أيزنهاور الى تخفيف وجود القوات الاميركية البرية في الخارج والتركيز على تطوير الاسحة النووية، وجاء ذلك خاصة بعد الخسائر البشرية الهائلة في الحرب الكورية.

بالنسبة لسياسة الأحلاف، وفي سنة 1954 تم إنشاء حلف SEATO من دول جنوب شرق آسيا من قبل الولايات المتحدة لمواجهة المد الشيوعي هناك كجزء من سياسة المواجهة، وفي العام 1954 نفسه وُقّعت اتفاقية باريس لإنهاء الوجود العسكري الاوروبي في ألمانيا الغربية مقابل إنضمامها الى حلف الناتو NATO ، فسارع الاتحاد السوفياتي الى إنشاء حلف وارسو WARSAW  في العام 1955 والذي ضم بالإضافة اليه، كل الدول الشيوعية في أوروبا بإستثناء يوغوسلافيا.

كانت الصين قد بدأت منذ العام 1950 بدعم القوات الشيوعية بقيادة هوشي منه في فيتنام في قتالها ضد القوات الاستعمارية الفرنسية، وبدأت الولايات المتحدة في نفس العام بأرسال الدعم المادي والعسكري للقوات الفرنسية، ولكن مع تفاقم الخسائر الفرنسية، إنسحبت فرنسا من فيتنام لتتولّى الولايات المتحدة مهمة مساندة قوات الجنوب الفيتنامي سنة 1956، لتتورط شيئاً فشيئاً في هذه الحرب والتي كبدتها  الخسائر الفادحة والتي امتدت حتى العام 1975، وأحدثت تصدعاً كبيراً في المجتمع الاميركي بسبب المعارضة الداخلية للحرب والتي بدأت تتفاقم مع تزايد الخسائر في الأرواح خاصة وأن  الشباب الأميركي كان مجبراً على الذهاب الى هذه الحرب بسبب التجنيد الإجباري.

في العام 1951، وفي إيران، أُجبر الشاه محمد رضا بهلوي تحت الضغط الشعبي على تعيين محمد مصدق رئيساً للوزراء وكان مصدق أول شاب إيراني يحمل شهادة الدكتوراة من الجامعات الاوروبية،     وقام مصدق سنة 1953 بتأميم النفط الايراني مما تسبب بخسارة كبيرة لبريطانيا، واستطاعت بريطانيا إقناع ادارة ايزنهاور بتدبير انقلاب لإزاحة مصدق، ولم يكن مصدق شيوعياً وليس له علاقة بالاتحاد السوفياتي، وكانت هذه الحادثة هي السابقة الأولى في الحرب الباردة في إزاحة رجل وطني يعمل لمصلحة بلاده، فقط لان ذلك قد يؤدي الى وقوع إيران في قبضة الشيوعية[13]، ويبدو أن تضرر المصالح الاقتصادية لبريطانيا هي السبب في ذلك وليس الخوف من الشيوعية، وهكذا أصبح التستر وراء محاربة الشيوعية مبرراً لحماية المصالح الاقتصاية للغرب وضرب الانظمة الوطنية التي تسعى لتقدم أوطانها.

نتيجة للسياسة الجديدة لخروتشوف تجاه العالم الرأسمالي، وفي العام 1956 تشجعت بعض القوى المعارضة داخل المنظومة الاشتراكية بالتحرك، وحصل ذلك في بولندا ولكن الجيش الأحمر قمع المعارضين، لكن خروتشوف وافق على إعادة رئيس الوزراء السابق والمطرود في الزمن الستاليني ليصبح الرئيس الجديد للحزب الشيوعي البولندي. كما حصل تحرك مماثل ولكن اكثر خطورة في المجر، حيث تصاعدت المظاهرات الطلابية وتحولت الى حركة عصيان ضد الوجود العسكري السوفياتي، تفاقم الى حد إعلان الحكومة الاصلاحية بقيادة إمري ناجي Imre Nagy الانسحاب من حلف وارسو، ولكن خروتشوف تحرك بقوات ضخمة من حلف وارسو وسحق العصيان المجري، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً سوى بعض الخطب الرنانة في راديو اوروبا الحرّة، وإعتبار الأمر قضية داخلية في المعسكر الشيوعي[14].

بعد التغيير الذي حصل في مصر وسقوط النظام الملكي عام 1952، بدأ التخطيط في مراكز القرار الاميركية بإنشاء حلف في الشرق الأوسط لحماية منابع النفط والملاحة في قناة السويس، وفي العام 1955 تم إنشاء حلف MEDO الذي عُرف بحلف بغداد والذي ضم تركيا وإيران وباكستان والعراق لإكمال الطوق على الاتحاد السوفياتي من الجنوب، ولم يستطع ملك الأردن حسين الإنضمام الى هذا الحلف بسبب المعارضة الداخلية القوية له، ولكن هذا الحلف لم يعمّر طويلاً بعد سقوط النظام الملكي في العراق سنة 1958، ومحاربة الرئيس عبد الناصر له ووصفه بالحلف الامبريالي، والعداء العربي بشكل عام للسياسة الاميركية بسبب دعمها لإسرائيل، واستبدل بحلف CENTO الذي اقتصر على تركيا وإيران وباكستان، ولكن انسحاب إيران منه سنة 1979 عقب سقوط الشاه ثم انسحاب باكستان في نفس العام ادى الى حل الحلف رسمياً سنة [15]1979.

في العام 1956 قامت بريطانيا وفرنسا بالاشتراك مع اسرائيل بعدوان ثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس من قبل الرئيس عبد الناصر، فؤجىء الغرب بموقف الولايات المتحدة والتي انتقدت بشدة هذا الغزو  ووصفته بالعدوان، وكان ذلك إيذاناً بزوال نفوذ الدولتين الاستعماريتين نهائياً من الشرق الأوسط وحلول الولايات المتحدة مكانهما، وأعلن الرئيس أيزنهاور مبدأه الجديد للمنطقة سنة 1957 ، والقاضي بدعم دول الشرق الأوسط التي تتقدم بطلب المساعدة الاقتصادية أو العسكرية ضد التدخل الخارجي. رغب الرئيس اللبناني كميل شمعون بالإنضمام لحلف بغداد، فيما كانت رغبة المسلمين في لبنان الإنضمام الى دولة الوحدة المصرية السورية، ونتج عن ذلك إضطرابات داخلية في لبنان، لجأ عندها الرئيس شمعون لطلب المساندة العسكرية من الرئيس أيزنهاور، ووفقاً لمبدأه الجديد أرسل أسطوله الى الشواطىء اللبنانية سنة 1958، ولكن الأمر أنتهى بإقناع الاميركيين للرئيس شمعون بعدم التمديد لرئاسته وإختيار قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً جديداً دون معارضة من الرئيس عبد الناصر، كما أطاح إنقلاب عسكري في نفس العام  بالنظام الملكي في العراق دون اي تدخل من الولايات المتحدة[16].

قبيل قمة باريس سنة 1960 لحل أزمة مدينة برلين، أسقط السوفيات طائرة تجسس اميركية من نوع U-2 خلال تصويرها مواقع عسكرية سوفياتية، وكانت هذه الطائرات تعمل من ارتفاعات شاهقة منذ العام 1956، ولكن السوفيات لم يتمكنوا من إسقاطها إلا بعد أربع سنوات، وكان ذلك سبباً بمغادرة خروتشوف هذه القمة. وبعد عام، اي سنة 1961 عقدت قمة جمعت خروتشوف مع الرئيس الاميركي الجديد جون كينيدي، وأعيد طرح مشكلة برلين، وخاصة انه بين عامي 1949 و1958 فرّ أكثر من مليوني مواطن ألماني من المانيا الشرقية الى المانيا الغربية، ومعظمهم من ذوي الخبرات الفنية، وقد إزداد عدد الفارين عام 1961 بشكل كبير ، ولمّا لم تنجح القمة بحل هذه المشكلة، أقام السوفيات جداراً كبيراً يفصل شرق المدينة عن غربها والذي أصبح رمزاً بغيضاً لتقسيم اوروبا الى معسكرين[17].

التأثيرات على الأنظمة الوطنية وحركات التحرر في العالم الثالث

بعد حادثة إسقاط مصدق في إيران، نشأ توجه جديد لدى بعض الانظمة الوطنية لتجنب الوقوع في خضم الصراع بين الجبارين، بإنشاء خط ثالث متميز ومستقل عن حلفي الناتو ووارسو سمّي حركة دول عدم الانحياز. كان رواد هذا الخط: الرئيس عبد الناصر من مصر وتيتو من يوغوسلافيا ونهرو من الهند وسوكارنو من أندونيسيا، ويعتبر هؤلاء الجيل الأول من  زعماء العالم الثالث بعد إنتهاء الحقبة الاستعمارية، وظهر هذا الخط عام 1955 في مؤتمر باندونغ في أندونيسيا، وضم المؤتمر 29 دولة من العالم الثالث، وفضّل المؤسسون  تسمية هذا التجمّع بالحركة وليس بالمنظمة، ووصل عدد أعضاء هذه الحركة عام 2011 الى 118 دولة.

في آسيا وتحديداً في كمبوديا، دعمت الولايات المتحدة تمرداً ضد الامير سيهانوك بسبب رغبته بالتعاون مع الاحزاب اليسارية ومع الصين؛ كذلك في لاوس وفيتنام دفعت الولايات المتحدة الكثير لبناء الجيوش لمناهضة للمد الشيوعي، وفي اندونيسيا دعمت الولايات المتحدة حركة تمرد في سومطرة في وجه نظام سوكارنو بسبب تقربه من الاتحاد السوفياتي بعد ان خذله الاميركيون، والحصول منه على قرض انمائي، واستضافته في باندونغ لقمة دول عدم الانحياز.

أما في افريقيا، فكانت رغبة أميركا في دعم الشعوب الافريقية في تقرير مصيرها وهي في طور الاستقلال من الاستعمار، كانت تصطدم مع مصالح حلفائها المستعمرين الاوروبيين من هولنديين وبرتغاليين وفرنسيين والحكام البيض في جنوب افريقيا وغيرهم، كما انها كانت تخشى من التأثير السلبي لهذا الدعم إن حصل مع استمرار التمييز العنصري في داخل الولايات المتحدة ضد الاميركيين من أصل افريقي،  إذ كان القلة منهم فقط يملكون حق التصويت في ذلك الوقت، وسوف نتعرض بالتفصيل لإنعكاسات الحرب الباردة داخل الولايات المتحدة في فقرة ثانية، وخاضت صراعات ضد الحركات القومية، فبعد الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1965 كانت 37 دولة افريقية قد نالت استقلالها ، وفي العام 1964 دعمت أربعة إنقلابات في زنجبار وتنجنيقا وأوغندا وكينيا، وشاركت في عام 1965 وحده بسبعة إنقلابات أخرى.

وكانت العلاقات مع الحكم العنصري في جنوب أفريقيا جيدة، ولم تعمل الولايات المتحدة على مساعدة السود في الحصول على حقوقهم، وكان لدى الاميركيين خوفاً من امتداد الفكر الشيوعي الى المجتمعات الافريقية مما قد يسبب لها صدامات جديدة في إطار الحرب الباردة.

وفي الكونغو البلجيكية، وكانت دولة غنية بالموارد، قدِّر لاحد القادة واسمه باتريس لومومبا Patrice Lumumba بالوصول الى السلطة بعد الجلاء الاستعماري البلجيكي، ولما كان لومومبا ذو ميول يسارية، فقد خشيت الولايات المتحدة منه، وخاصة ان البلاد غنية بمادة اليورانيم الذي سيستغله الاتحاد السوفياتي في صناعته النووية حسب اعتقادها، فعملوا على مساعدة الجنرال موبوتو Mobutu الموالي للغرب بتواطؤ من الامم المتحدة على القيام بإنقلاب عسكري أدى الى قتل لومومبا  الذي طلب الدعم من السوفيات ولكن لم يكن بمقدورهم فعل أي شيء بسبب البعد الجغرافي، مما سهل على البلجيكيين والاميركيين نهب ثروات البلاد لاحقاً، كل ذلك نتيجة الخوف من وقوع البلاد في قبضة الشيوعيين، وقد خلّد الاتحاد السوفياتي ذكراه بإطلاق إسمه على الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب لتعليم طلاب العالم الثالث، وأصبحت تسمى جامعة باتريس لومومبا.

في أميركا اللاتينية وتحديدا في غواتيمالا، حدث التدخل المباشر الأول في المنطقة عام 1954 أيام الرئيس جاكوبو أربنز Jacobo Arbenz الذي اصبح رئيساً في العام 1951 ووثق علاقاته بالحزب الشيوعي الغواتيمالي ، مما أثار قلق الرئيس ايزنهاور الذي استغل  حادثة القبض على باخرة  محملة بالأسلحة متجهة الى غواتيمالا ليدبر إنقلاب غير دموي أطاح بالرئيس أربنز بواسطة ضابط فار الى هاندوراس اسمه كارلوس كاستيللو أرماس الذي نصبته الولايات المتحدة رئيساً للبلاد، كما اشتركت قواتها الجوية في قصف القواعد العسكرية الغواتيمالية. في هذا الوقت كان طبيب شاب أرجنتيني أسمه أرنستو غيفارا  ويلقب “تشي” Che في مدينة غواتيمالا يشاهد انهيار نظام أربنز  الذي كان عليه حسب رأيه تسليح الشعب لحماية منجزاته، وفرّ تشي الى موسكو ثم الى فرنسا ليلتحق بعدها بالثوار الكوبيين في المكسيك ويشاركهم في الثورة والوصول الى السلطة في كوبا[18].

وفي العام 5196 وبقيادة الرئيس جونسون أسقطت الولايات المتحدة  أول حكومة منتخبة في تاريخ الدومينيكان والتي وصلت الى السلطة  سنة 1963.

أما في داخل الكتلة الشرقية، وتحديداً في تشكسلوفاكيا،   فقد دخلت قوات هائلة من قوات حلف وارسو في شهر آب من سنة  1968 الى العاصمة براغ والى مدن رئيسية أخرى لتنهي ما سُمّي ب”ربيع براغ”، عندما سمح السكرتير الأول للحزب الشيوعي التشيكسلوفاكي “الكسندر دوبتشك” للصحافة بتجاهل أوامر الرقابة الرسمية، ودعم الاشتراكية الحرة والديموقراطية، على أمل أن تسمح موسكو لبلده بتشكيل طريقها الخاص في الكتلة الشرقية، ولكن موسكو أجهضت هذا التوجه في خطوة مشابهة لما فعلته في المجر  قبل 12 سنة.

هذا التوجه تصاعد في مرحلة بريجينيف ودخلت الأحزاب الشيوعية الني تدور في فلك موسكو في مرحلة جمود فكري، جرى فيه إجهاض كل محاولة داخل تلك الأحزاب لتطوير الفكر الإشتراكي السائد.

أزمة الصواريخ الكوبية وشبح الحرب النووية بين القطبين

موقع كوبا الجغرافي وهي الجزيرة الاقرب الى البر الاميركي قرب ولاية فلوريدا، يجعلها ذو موقع استراتيجي هام جداً بالنسبة للولايات المتحدة، وكانت كوبا قد خضعت فعلياً للسيطرة الاميركية بعد نزعها من اسبانيا عام 1898، وتحكمت بكل الحكومات التي تعاقبت عليها، كما أنشأت فيها قواعد عسكرية وأهمها قاعدة غوانتانامو، ودعمت حكم باتيستا الموالي لها، وعام 1952 بدأت الثورة الكوبية ضد الحكم بقيادة فيدل كاسترو الذي اعتقل وسجن حتى سنة 1955، ثم انتقل الى المكسيك ومن هناك بدأ بتنظيم الثوار وانضم اليه تشي غيفارا وانتقلوا الى كوبا حيث بدأوا حربهم من الجبال، واستطاع كاسترو اسقاط نظام باتيستا في مطلع العام 1959 وأعلن قادة الثورة إعتناق الماركسية اللينينية سنة 1961 وأعلنت كوبا عدائها للولايات المتحدة والعمل على مبدأ تصدير الثورة الى كل العالم وتمتين العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وبين عامي 1959 و1961 دبرت اميركا 15 محاولة لإغتيال كاسترو باءت كلها بالفشل، وكانت كلها تنطلق من قاعدة غوانتانامو والتي استأجرتها اميركا من كوبا سنة 1903.

منذ العام 1960 بدأ ايزنهاور العمل على قلب نظام الحكم في كوبا على غرار ما فعل في غواتيمالا، وخطط لانزال حوالي 400 مقاتل كوبي درّبتهم أميركا لغزو كوبا، وتم اختيار منطقة خليج الخنازير على الجزيرة موقعاً للإنزال، ووافق الرئيس الأميركي الجديد جون كينيدي على الخطة، وبدأ الغزو في 17 نيسان 1961، عندها هدد خروتشوف بمساعدة كوبا عسكرياً إذا لم يتوقف الغزو الاميركي، وفشل الغزو بعد يومين، وأُسر معظم الكوبين الذين شاركوا في الغزو، وكان هذا الفشل سبباً في تغيير كبير  في قيادة وكالة المخابرات الاميركية CIA .

لم تتوقف الخطط الاميركية بعد هزيمة خليخ الخنازير للتخلص من النظام الشيوعي في كوبا، ورغم عقد قمة بين الرئيسين كينيدي وخورتشوف، إلا ان التوتر لم ينخفض، بل على العكس، فكر خروتشوف بتركيب صوارخ نووية في كوبا، وفي منتصف شهر آب 1962، اكتشفت ال CIA وصول شحنات كبيرة من الصواريخ السوفياتية الى كوبا، ولكن السوفيات كانوا يؤكدون في لقاءاتهم مع المسؤولين الاميركيين وفي تصريحاتهم، بأن هذه السلحة هي محض دفاعية، ولكن في النهاية تأكدت واشنطن من وجود الصواريخ   والقادرة على حمل رؤووس نووية يصل مداها الى عمق الولايات المتحدة.

تدارس الرئيس كينيدي على مدار أسابيع مع القيادة العسكرية ما يجب فعله، فاتخذوا قراراً بفرض الحصار البحري على كوبا، وهدد خروتشوف في اتصال مع كينيدي باغراق السفن الاميركية، واعترف  بوجود  صواريخ باليستية تحمل رؤوساً نووية، وبدأت الاستعدادات الاميركية لغزو كوبا، وبعد اتصالات محمومة بين البلدين، طلب خروتشوف من كينيدي إزالة صواريخ جوبيتر Jupiter الاميركية المنصوبة في تركيا وعلى مقربة من الاتحاد السوفياتي، مقابل إزالة الصواريخ السوفياتية من كوبا، وبعد وساطة من الأمين العام للامم المتحدة، انخفض التوتر، وأزيلت الصواريخ السوفياتية من كوبا مقابل ازالة الصواريخ من تركيا ورفع الحصار عن كوبا والتعهد بعدم غزو الجزيرة ووقف التحليق الاميركي في الاجواء الكوبية، إلا أن الولايات المتحدة بقيت محتفظة بقاعدة غوانتانامو  المُستأجَرة.

كانت هذه المواجهة من أخطر المواجهات في الحرب الباردة على الإطلاق، إذ وقف العالم على حافة حرب نووية، وبعد هذه الحادثة، تم إنشاء خط ساخن بين الكرملين والبيت الأبيض  للتواصل في أوقات الأزمات[19]، أما الحكم الثوري في كوبا فقد إنطلق بعد ذلك في إرسال المقاتلين والمدربين والأسلحة الى أنحاء كثيرة من مناطق الصراع مع أميركا أو حلفائها في العالم الثالث وخاصة في أفريقيا.

أما تشي غيفارا  والذي تقلّب في مناصب عليا في كوبا بعد وصول صديقه كاسترو الى الحكم، فآثر سنة 1965 ترك كل هذه المناصب والإنضمام الى الثوار الشيوعيين حول العالم، فذهب أولاً الى الكونغو ثم إنتقل الى بوليفيا حيث قتل هناك سنة[20] 1967 على يد القوات البوليفية الخاصة والمدرّبة جيداً بواسطة ال CIA، ليصبح الثائر الأكثر شعبية في العالم ونموذجاً لكل الثوار الذين يؤمنون بالثورة المسلحة سبيلاً وحيداً للنصر في الحرب ضد الأنظمة الرأسمالية.

حرب ڤيتنام والثمن الباهض

عند إغتيال الرئيس كينيدي كان عدد القوات الاميركية في فيتنام حوالي 16000 مستشار عسكري، وعند مغادرة الرئيس جونسون البيت الأبيض نهاية العام 1968،كان عدد هذه القوات قد وصل الى نصف مليون عسكري، وكان لدى أصحاب القرار في أميركا القناعة الكاملة بهذا التدخل لإحتواء العملاق الشيوعي الثاني وهو الصين، لأن البديل بنظرهم هو ترك منطقة الهند الصينية لقمة سائغة للصين. وكانت الولايات المتحدة مصرة على الانتصار والقضاء على الحكم الشيوعي في الشمال الفيتنامي واستمرت في إرسال القوات الى فيتنام الى حد الهستيريا رغم محاولات شركائها في الحلف الاطلسي إقناعها بالانسحاب وخاصة فرنسا الديغولية، وفي الوقت عينه استمرت كل من موسكو وبكين بإرسال المساعدات الى هانوي في الشمال.

لقد كانت الصين ايام ماو تسي تونغ أكثر إصراراً على إنزال الهزيمة بالاميركيين لأنها كانت تتهم السوفيات بمهادنة العالم الرأسمالي فكانت غير راضية عن السياسة التي انتهجها خروتشوف، وبدأوا يعملون في العالم الثالث على نشر أفكارهم وكأنهم يسعون الى ترأس العالم الشيوعي، وهذا ما سبب الجفاء مع الاتحاد السوفياتي، ومع تصاعد الاحتجاجات داخل اميركا بسبب التورط المتزايد والخسائر الفادحة في تلك الحرب والتي جاوزت 58000 ألف أميركي بين قتيل ومفقود، ومقتل حوالي مليون ونصف فيتنامي، جنح الرئيس الجديد نيكسون الى بدء المفاوضات مع الفيتناميين لإنهاء هذه الحرب .

المرحلة الثالثة: بريجينيف – جونسون- نيكسون- فورد– كارتر (1963-1980)

بعد إغتيال الرئيس كينيدي العام 1963، تولى الرئيس جونسون الرئاسة وبقي في منصبه حتى مطلع العام 1969، في هذه الفترة إزداد تورط أميركا في الحرب الفيتنامية، وبإستثناء حرب فيتنام لم تحصل أي مواجهات مهمة بين القطبين ما عدا إرسال جونسون العام 1965 القوات الأميركية الى الدومينيكان لتسقط الحكومة الشرعية كما مرّ معنا.

تولى الرئيس نيكسون الرئاسة في أميركا، وبحلول نهاية العام 1969، كان سباق التسلح قد وصل الى ذروته، وأصبح لدى السوفيات عدداً أكبر من الصواريخ الباليستة العابرة للقارات رغم تفوق الاميركيين في الترسانة النووية، رغب الاميركيون  في التقليل من الميزانية العسكرية الباهظة، وعمل الثنائي نيكسون ووزير خارجيته هنري كسينجر على تكثيف المفاوضات مع السوفيات تكللت بزيارة الرئيس نيكسون لموسكو سنة 1972 في أول زيارة لرئيس أميركي منذ قمة يالطا عام 1945، وبتوقيع معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية ( (SALT1اعطت السوفيات التفوق بنسبة 3 الى 2[21]، كما تم توقيع اتفاقيات لزيادة التبادل التجاري والعلمي، ولكن هذا الوفاق النسبي تعكّر بإنقلاب أميركي العام 1973 في تشيلي أطاح بالرئيس المنتخب سيلفادور أليندي وحكومته وتنصيب قائد الجيش “أوغوستو بينوشيه” رئيساً[22] والذي تحول الى دكتاتور حَكَم تشيلي حتى العام 1990.

فقد الرئيس نيكسون منصب الرئاسة بسبب فضيحة ووترغيت عام 1974، وربما يكون إصراره على إنهاء الحرب الفيتنامية والحد من سباق التسلح قد أغاض منتجو الاسلحة في أميركا، ليتسلم نائبه جيرالد فورد الرئاسة والذي إستمر في المفاوضات مع السوفيات، ولم يحصل في عهده أحداث مهمة، وفي  نهاية العام 1976، فشل فورد في السباق الرئاسي الى البيت الأبيض ليخلفه الرئيس جيمي كارتر.

حاول الرئيس كارتر حاول تعزيز هذه المفاوضات، وبالفعل وقّع سنة 1979 معاهدة سالت2 (   (SALT2 والتي بدأ التفاوض بشأنها  منذ أيام الرئيس فورد لكن التدخل السوفياتي في أفريقيا لدعم النظام الجديد في أثيوبيا وكذلك في أنغولا أعاق هذه المفاوضات، ففي أنغولا البلد الغني بالمعادن والبترول وخاصة النحاس والماس واليورانيم، كانت تتصارع ثلاث قوى منذ أيام الاستعمار البرتغالي، مدعومة كل منها من قطبي الحرب الباردة ومن الصين وجنوب أفريقيا العنصرية وبوجود قوات كوبية كبيرة، نجح الفريق الموالي للسوفيات بالوصول الى السلطة عام 1975، وقد شهدت هذه الحرب تنافساً أيديولوجياً بين موسكو وبكين، بعد انسحاب البرتغال، آثرت الولايات المتحدة عدم التدخل المباشر وتكرار تجربة فيتنام والتي خرجت منها للتو، ثم تحولت الى حرب أهلية بين هذه الاطراف بعد الإستقلال بما يشبه الحرب بالوكالة استمرت حتى العام 2002، خسرت فيها أنغولا حوالي نصف مليون قتيل وتدمير البنية التحتية للبلاد[23].

وفي منطقة القرن الافريقي، سقط الامبراطور هيلا سيلاسي في أثيوبيا، آخر اباطرة الزمن القديم، على يد العسكر المؤيد للماركسية، وبنى الجنرال مانغستو هيلا ميريام Mengistu Haile Mariam حكماً ماركسياً وتلقى المساعدات الضخمة من السوفيات والكوبيين وتحول الى دكتاتور بعد قضائه على معظم خصومه  ورفاقه في الثورة، ثم خاض حرباً مع الصومال في منطقة أوغادين المتاخمة للصومال والتي يتكون معظم سكانها من الإثنية الصومالية، ولجأ الرئيس الصومالي محمد سياد بري للولايات المتحدة لمساعدته بعد أن كان حليفاً للسوفيات أيام الامبراطور، ولكنها أمدته بالقليل، ودامت الحرب سنتين من 1977 الى 1978، ، وبقي الحكم الماركسي في أثيوبيا مدعوماً من السوفيات حتى العام 1991 حيث إنهار مع الجفاف والمجاعة التي ضربت القرن الأفريقي كما إنهارت بالتزامن كامل أوصال الدولة في الصومال، متزامناً ذلك مع نهاية الحرب الباردة. كذلك على الجانب الثاني من القرن الأفريقي، حيث قام نظام ماركسي في اليمن الجنوبية والذي زال قبيل إنتهاء الحرب الباردة في حربٍ قبلية دمرت مدينة عدن لتعود اليمن دولة واحدة. وكان الحكم الماركسي في جنوب اليمن يدعم فصائل ماركسية متمردة في جبال ظفّار جنوب سلطنة عُمان وهي الثورة الشيوعية الوحيدة في تاريخ منطقة الخليج العربي والتي إنتهت مع إنهيار نظام عدن.

تزاحمت المواجهات بين القطبين أواخر العقد السابع من القرن العشرين وكأن عصراً جديداً من الأيديولوجيات بدأ يظهر في العالم الثالث، فبعد الثورة الإسلامية في إيران مطلع العام 1979، حصل إنقلاب ماركسي في أفغانستان أطاح بالملكية لكنه لم يستطع تثبيت دعائمه، ممّا سبب بتدخل عسكري سوفياتي مباشر  في ذلك البلد، أدى الى مواجهة عسكرية مع فصائل إسلامية أصولية مدعومة من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية، وصلت الى حد زيارة مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر “بريجنسكي” لمناطق المواجهة في أفغانستان والتقطت له صورة هناك وهو يرفع بندقية كلاشنكوف ويشير بها نحو الحدود، وقد حصل توافق داخل الإدارة الأميركية على جعل أفغانستان “فيتنام سوفياتية”[24]  في خطوة إنتقامية للتورط الأميركي في فيتنام، واستمرت المواجهات بين السوفيات والجماعات الإسلامية الأصولية عشر سنوات قتل فيها حوالي عشرة آلاف سوفياتي وجرح حوالي عشرين ألف، لترتد بعد ذلك على الداعمين الاميركيين للاصوليين بتفجيرات 11 أيلول 2001 في قلب الولايات المتحدة.

بالإضافة الى التدخل السوفياتي في أنغولا والقرن الأفريقي واليمن، كذلك الاطاحة بدكتاتور نيكاراغوا الموالي لاميركا سوموزا، وغزو أفغانستان من القوات السوفياتية، وبالإضافة الى  ازمة الرهائن في إيران بعد سقوط الشاه وتحويل إيران الى جمهورية إسلامية، كل هذه الاحداث والإندفاع السوفياتيي  والذي أشعرهم بنشوة النصر، حولت كارتر الى أحد الرؤساء الصقور في آخر سنة من عهده، فقاطع الالعاب الاولمبية في موسكو وفرض حظراً على صادرات الحبوب الى الاتحاد السوفياتي، وعزّز العلاقات مع غريمة الاتحاد السوفياتي، الصين.

المرحلة الأخيرة: أندروبوف-غورباتشوف– ريغان (1980 – 1989)

مع وصول ريغان الى الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1980، إنتهج سياسة أكثر هجوماً وزاد كثيرا من ميزانية وزارة الدفاع والبرامج النووية والصواريخ البالستية، وخاصة برنامجه “مبادرة الدفاع الإستراتيجي” ( (SDIوالذي عُرف بحرب النجوم، والذي يعني تدمير الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية وهي في الجو،  وكان من أشد الأعداء للشيوعية في الإدارة الأميركية، فأراد أن يرى الهزائم تنزل بالسوفيات وحلفائهم[25]، وإنصب تركيزه أولاً على محاربة نظام نيكاراغوا اليساري بإعتباره مركز القلق في أميركا اللاتينية، ووصل به الأمر الى حد عقد صفقة بيع أسلحة سرّية مع إيران الإسلامية المعادية لتمويل جماعة الكونترا في غواتيمالا بما عرف بفضيحة (إيران –كونترا)، على أمل الضغط الإيراني لإطلاق بعض الرهائن الأميركيين في لبنان. كما عمل على توزيد المجاهدين في أفغانستان والمقاتلين في أنغولا بصواريخ ستنغر للتصدي للمقاتلات الروسية، وقام في العام 1983 بإنزال في جزيرة غرينادا الصغيرة وقضى على النظام اليساري فيها.

في هذا الوقت جاء أندروبوف الى السلطة السوفياتية بعد بريجينيف وكان رئيساً للمخابرات السوفياتية KGB ولكنه توفي بعد سنتين ولم يكن يميل الى السياسة، فلم يركز على موقع الاتحاد السوفياتي السياسي، ودخل الاتحاد السوفياتي في شبه عزلة دولية وخاصة مع دول اوروبا واليابان ومع استمرار تواجد قواته في أفغانستان وتفاقم الخسائر البشرية هناك، ثم حادث إسقاط السوفيات لطائرة ركاب كورية جنوبية ضلّت طريقها فوق بحر اليابان  ودخلت منطقة عسكرية محظورة، مما تسبب بمصرع 269 شخصاً.

لجأ ريغان الى إستعمال السلاح الإقتصادي بوجه دول العالم الثالث ذات الانظمة اليسارية، وكانت بمثابة حرب إقتصادية، من تقييد لحركة التجارة والتلاعب بالعملة والمدخرات والتحكم بالقروض الممنوحة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، وحظر التكنولوجيا المتقدمة وبدأت كل هذه الدول بإستثناء كوريا الشمالية ونيكاراغوا وأفغانستان وأثيوبيا  بتطبيق نماذج إقتصادية بعيدة عن النموذج السوفياتي.

تصاعدت المظاهرات المليونية في اوروبا وفي نيويورك[26] إحتجاجاً على سياسة نشر الصواريخ  النووية وتعاظم الترسانة النووية الأميركية، كذلك المجلس الأعلى للكنائس العالمي والأساقفة الكاثوليك في العالم ونادوا بوقف سباق التسلح، تزامن ذلك مع رحيل الزعيم السوفياتي أندروبوف وتولي تشيرننكو العجوز مكانه والذي إستأنف المفاوضات مع الأميركيين، ولكنه سرعان ما توفي ووصل الى السلطة العام 1985 شخص جديد ومن نمط جديد سيقود الإتحاد السوفياتي الى مسار مختلف جذرياً عن كل من سبقه من الزعماء السوفيات.

كان غورباتشوف وهو في الرابعة والخمسين يفكر بطريقة مختلفة تماماً عن أسلافه من زعماء الاتحاد السوفياتي، وصمّم هو وشريكه ذو التوجه المماثل وزير الخارجية ادوارد شيفرنادزه، على برنامج للإصلاح في الإدارة السوفياتية بما عُرف بال”بيروسترويكا” أي إعادة الهيكلة، وتجديد الأشتراكية، والتخلي عن سباق التسلح الذي لم يريا فيه الحل لضمان الأمن السوفياتي، وخاصة ان الاتحاد السوفياتي مع إقتصاده المنهك لن يستطيع اللحاق ببرنامج  ريغان “حرب النجوم”،  وأن بلدهما لديه الترسانة النووية الكافية للدفاع عنه، وبدأ على الفور الإتصال بالرئيس الأميركي للتلاقي وعقد الاتفاقيات للحد من سباق التسلح، ولكن ريغان كان شديد التعنت ويضغط بشدة للوقف الفوري للتدخلات السوفياتية في افغانستان وأثيوبيا وأنغولا ومناطق أخرى.

في فجر 26 نيسان 1986، حدث إنفجار نووي هائل أذهل سكان الأرض، في محطة تشرنوبل الذرية Chernobyl في اوكرانيا، كان الأسوأ منذ قنبلتي هيروشيما وناكازاكي[27]، وقدر عدد الضحايا المباشرة بحوالي  عشرة آلاف، بالإضافة الى عشرات الالوف الذين أصيبوا  لاحقاً بأمراض سرطانية ناتجة عن الإشعاع النووي، بعد هذه الحادثة أصرّ غورباتشوف على العمل الجاد والمكثف لوضع حد لسباق التسلح النووي وعقد عدة قمم مع الرئيس ريغان، حاول السوفيات دفع ريغان للتخلي عن برنامجه الدفاعي” “SDI ولكنهم لم يفلحوا، بعدها قبل غورباتشوف بالإتفاق بصفر شروط[28] وهو العرض الذي قدمه ريغان عام 1981، ووقّع الطرفان على معاهدة القضاء على الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في أواخر عام 1987.

تكررت الزيارات المتبادلة بين الزعيمين، ليفاجأ غورباتشوف المجتمع الدولي في ديسمبر 1988 بإعلانه في خطاب في الأمم المتحدة عن تخفيض عد القوات السوفياتية بواقع 500 ألف جندي ومن جانب واحد، ووصفت صحيفة نيويورك تايمز هذه الخطوة بأنها الأولى من شخصية عالمية منذ نقاط ولسن الأربعة عشر في مؤتمر فرساي سنة 1918.

أشار غورباتشوف في تصريحاته اللاحقة بأن الاتحاد السوفياتي قد تخلّى نهائياً عن عقيدة بريجينيف بإستخدام القوة للحفاظ على الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، وبسرعة مذهلة اندفعت الحركات والثورات في الكتلة الشرقية وبدأت الانطمة الشيوعية فيها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى بدءاً من بولندا وإنتهاءاً برومانيا، ولكن الحدث الأكثر رمزية تمثّل بهدم جدار برلين والذي قسّم اوروبا الى معسكرين. وبعد تردد مشوب بالخوف، وافق غورباتشوف على إعادة توحيد ألمانيا وعضويتها في الحلف الأطلسي، وقال مستشار بوش للأمن القومي برنت سكوكروفت Brent Scowcroft :” لقد انتهت الحرب الباردة لحظة قبول السوفييت بوجود ألمانيا موحدة تحت لواء حلف شمال الأطلسي[29]، وفي قمة مالطا  في ديسمبر 1989 ومن على متن سفينة الركاب السوفيتية مكسيم غوركي أعلن الزعيمان غورباتشوف وجورج بوش الأب نهاية الحرب الباردة[30]. أما في منتصف العام 1991 فتم دفن حلف وارسو عن عمرٍ بلغ 36 عاماً، فيما لايزال حلف الناتو على قيد الحياة بل وضمّ سبع أعضاء جدد من حلف وارسو الراحل.

أواخر العام 1991 وبعد سقوط الإتحاد السوفياتي تم الإعتراف بإستقلال الجمهوريات الخمسة عشر التي انفصلت عن الإتحاد السوفياتي السابق وإنشاء رابطة الدول المستقلة، في ذلك اليوم كانت الحرب الباردة قد أصبحت من صفحات التاريخ[31].

الفصل الثالث:  نتائج الحرب الباردة

سقوط الإتحاد السوفياتي

عشية عيد الميلاد سنة 1991، أعلن الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في خطاب وجهه الى الشعب إستقالته وأعلن أيضاً أن مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفياتية قد ألغي، وسلّم كافة سلطاته الى الرئيس الروسي بوريس يلتسن، ثم غادر مبنى الكرملين، وتم إنزال العلم السوفياتي الأحمر ورفع العلم الروسي مثلث الألوان مكانه.

في نظرة على الوضع الاقتصادي في العالم وفي الاتحاد السوفياتي في مطلع الثمانينات، وحسب تقارير ال سي آي أي CIA، كان الاقتصاد السوفياتي يعاني من انكماش كبير وعلى حد وصفها “أصبح بطيئاً كالسلحفاة” ساهم في ذلك إنهيار أسعار البترول والذي كان أساسياً في إقتصادهم، وميزانية سباق التسلح وغزو الفضاء الباهضة، إضافة الى المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة التي تقدمها الدولة الى حلفائها في أنحاء العالم، وصعود قدرات بعض الدول الآسيوية المنافسة مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ[32] والتي أطلق عليها لقب ” نمور آسيا” وإبتداع الصين اواخر السبعينات لنموذجها الخاص المدمج، والذي جمع بين الفكر الشيوعي مجتمعياً والفكر الرأسمالي إقتصادياً، ليصل معدل نموها الى أكثر من 9%؛ وبعض دول أميركا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك، أما أغلب دول العالم الثالث ذات النظم اليسارية، فأصابها الإحباط في مجالات التنمية بسبب فشل الخطط الاقتصادية التي تحاكي النموذج السوفياتي، ومرد ذلك الى هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية وهجرة البرجوازية التجارية والصناعية، كما تعرض الكثير منها الى نزاعات داخلية ذات خلفيات إثنية[33] أو دينية، كل هذا أدى الى ركود كبير في الإقتصاد السوفياتي.

كما عانى الإقتصاد السوفياتي منذ أواسط السبعينيات من صعوبة التكيّف مع التغير التكنولوجي السريع في إقتصاديات العالم والذي ترافق مع التطور الهائل في التكنولوجيا، ففي أواخر الثمانينات كان هناك فقط 8% من الصناعة السوفياتية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية وفقاً للمعايير الدولية، ولم يعد الإقتصاد السوفياتي وإقتصاديات الدول الشيوعية تلبية حاجات الأسواق المحلية، وتراكمت الديون على الكثير من هذه الدول، وفشلت خطط التنمية ، كما أن دخول عالم المعلوماتية كان شديد البطء مقارنة مع الولايات المتحدة، ففي العام 1990 مثلاً كان الإتحاد السوفياتي يمتلك حوالي 400 ألف جهاز كمبيوتر فيما كانت الولايات المتحدة تمتلك حوالي 30 مليون جهاز؛ كما ان تنامي شبكة الاتصالات والتواصل بين البشر أدى الى تبادل الافكار وكسر الحصار الثقافي ونشر الأفكار الليبرالية وتراجع الايديولوجيا الشيوعية، وتصاعد الأحزاب الدينية في العالم الثالث مثال  المد الإسلامي في الدول الإسلامية وقدرتها على تغيير الأنظمة الدكتاتورية، بل ونجحت في كسر الإرادة السوفياتية بتثبيت دعائم النظام الماركسي في أفغانستان مثلاً، كذلك ضعف الرعاية الصحية وزيادة معدل الوفيات في السنوات الأخيرة مقارنة مع باقي الدول الصناعية.

القيادة العجوز في الإتحاد السوفياتي )كان متوسط أعمار أعضاء المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفياتي سنة 1981 حوالي 70 عاما)[34] لم  تقدّر حجم التغيرات الإقتصادية والثقافية الهائلة التي عصفت بالعالم، فكل إقتصاديات العالم تعرضت لإعادة هيكلة جذرية بإعادة توجيها نحو الخدمات والانتاج ما بعد الصناعي، فيما بقيت الاقتصاديات الأشتراكية على النمط القديم وتخلّفت بشكل ملفت عن إقتصاديات العالم الرأسمالي[35].

مما لاشك فيه أن وصول غورباتشوف الى السلطة وشخصيته الإصلاحية وسيره بتجديد الإشتراكية السوفياتية وإعادة الهيكلة (البيروسترويكا) جعلت الأمور تفلت من يده بسرعة لم يتوقعها، وتخلى عن فكرة الإحتفاظ بالأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا بالقوة، وعدم القدرة على اللحاق بالولايات المتحدة في سباق التسلح، كذلك التدخل العسكري في افغانستان وتكاليفه الباهضة بشرياً ومادياً، والتدخل في أماكن أخرى في العالم الثالث، وعلى سبيل المثال لا الحصر أثيوبيا وأنغولا وغواتيمالا واليمن الجنوبي.

تاثير الحرب الباردة في الداخل الأميركي

ممّا لا شك فيه أنه كان للحرب الباردة تأثير كبير على الداخل الأميركي مجتمعاً ودولة، نظراً لطول المدة والتي بلغت 45 عاماً، ولإنغماس الولايات المتحدة بشدة في هذه المواجهة، فقد مسّت هذه الحرب كل جوانب الحياة فيها، وسأحاول إيجاز أهم هذه التأثيرات.

بالطبع كان لميزانية الدفاع الأميركية والابحاث العسكرية حصة الأسد في كل الميزانيات الفدرالية إبّان الحرب الباردة، وصلت أحيناً الى أكثر من 65%، مما إنعكس سلباً على ميزانيات التنمية في القطاعات الأخرى، ولهذا تطوّرت الصناعات العسكرية بشكل واسع، ودعمت الحكومة الفدرالية الإختراعات العسكرية وكل ما له علاقة بالجيش، كما رعت وموّلت الكثير من الأبحاث عن الحرب الباردة في أهم الجامعات الأميركية.

في مجال الحقوق المدنية، تملّك الدولة الفدرالية الخوف من إنعكاس موضوع التمييز العنصري على إبراز الصورة السلبية لأميركا في الخارج، وهي التي تدّعي دعمها لحقوق الإنسان، وقد حفلت مرحلة الستينات بتحركات هامة من السكان السود للحصول على كامل حقوقهم السياسية والإجتماعية، ومن أبرز هؤلاء مارتن لوثر كينغ الإبن والذي إغتيل سنة 1968، حاول بعض العنصريين في الإدارة الأميركية وصم قادة هذا التحرك بالشيوعية والعداء للأمة الاميركية ولكنهم فشلوا في ذلك وحصل الاميركيين السود وخاصة في الولايات الجنوبية على المزيد من الحقوق.

حدّت الحرب الباردة من الحريات العامة وخاصة حرية التعبير، وضاقت مساحة الخطاب السياسي، وحصلت تحقيقات مع الكثير من الموظفين في إدارات الدولة، ومع المعلمين والعاملين في مجال السينما،  فكثر إلقاء التهم جزافاً بمساندة الشيوعية  أو التجسس لحسابها.

حصلت ولايات الغرب والجنوب الأميركي في هذه الفترة على عقود هائلة  للصناعات العسكرية وخاصة ولاية كاليفورنيا، وكان لذلك إنعكاسه بتحول ديموغرافي كبير للسكان نحو الغرب والجنوب بما سمّي “الحزام الشمسي”، ونقل الثقل الصناعي الأميركي القديم من الولايات الشمالية  الى ولايات الغرب والجنوب، ولاحقاً كان لهذا التغيير الديموغرافي أثر كبير في الخريطة السياسية للحزبين الرئيسيين في البلاد لأن عدد أعضاء الكونغرس وعدد الأصوات في المجمع الانتخابي الرئاسي تتوزع وفق عدد سكان كل ولاية في إحصاء عام للسكان يجري كل عشر سنوات.

التكلفة الباهضة لهذ الحرب مادياً وبشرياً وخاصة خلال حرب فيتنام رفعت الجدل حول ثمن هذه العولمة الأميركية، ونشأت أكبر حركة للسلام في تاريخ البلاد وأدخلتها في حالة إنقسام عميق[36].

الخلاصة

إنتهت الحرب الباردة مع سقوط احد قطبي النزاع وهو الإتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الشيوعية في أوروبا الشرقية وحلف وارسو، كان هذا السقوط السريع أشبه بلغز صعُب حلّه، ولا تزال أقلام المحلّلين في العالم ورغم مرور ثلاثة عقود ونيف على هذا السقوط تكتب عن أسبابه،  وستبقى تكتب الى سنين طويلة لاحقة، لأن العالم شهد نتائج وتغيرات جذرية، سياسية واقتصادية وأيديولوجية كانت تحصل عادة بعد حروب مدمّرة، ولكن هذه المرة حصلت هذه التغيرات الهائلة بدون حروب، فكما قيل: لقد شهدنا نتائج حرب عالمية دون أن تحصل.

ظهرت دول جديدة واختفت أخرى، وحصلت تبدلات في الولاءات واصبح العالم بعد هذا الأنهيار بزعامة قطب واحد هو الولايات المتحدة، ودخل في حقبة ما سُمّي العولمة والأصح ان نقول “الأمركة”، وسقطت تجربة الايديولوجية الماركسية والتي عاشت لأكثر من سبعين عاماً، تلك الفلسفة التي توقّع واضعها كارل ماركس أن تظهر حتماً في المجتمعات الصناعية الكبرى وفي بلدان مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ولكنها على العكس ظهرت في المجتمعات الإقطاعية الزراعية مثل روسيا والصين.

هل وُلدت الأنظمة الشيوعية في المكان الخطأ ؟ أم هل أن المرتكزات الفكرية لهذه الفلسفة مثل تحريم الملكية الخاصة والتخلص من الطبقة البرجوازية ومحاربة الدين وتطبيق دكتاتورية البروليتاريا (والتي لم تبصر النور أصلاً)، والعداء للدول الرأسمالية وتقييد الحرية الفردية وإمساك الدولة بكل مفاصل الحياة، هل كلها أفكار باتت غير مقبولة من الناس في الزمن الحاضر؟ هل المشكلة كانت في التطبيق السيء؟ أم أن العداء الهجومي للنظام  الرأسمالي كان السبب في سقوطها؟.

هناك من يعتقد بأن النظرية لم تسقط بل التطبيق هو الذي سقط، وهناك من يعتقد وهو الأصح بنظري بأن الرأسمالية إستطاعت أن تغنم من الماركسية الكثير من أفكارها الجوهرية وخاصة في مجال الضمانات والتقديمات الإجتماعية للطبقة العمالية وطبّقتها بذكاء وإتجهت بمجتمعاتها نحو الرفاهية، مبتعدة كثيراً عن أفكار المنظّرين الأوائل للرأسمالية، وبالتالي خلدت هذه الطبقة في المجتمعات الرأسمالية للسكينة، كما سلبت من قيادات الأنظمة الشيوعية ما تحفّز به شعوبها لمحاربة الرأسمالية، وهنا نستذكر ما ورد في بداية هذه الدراسة عندما إنسحبت الأحزاب الإشتراكية الأوروبية من الشيوعية الدولية Comintern وإعترضت على مركزية السلطة والقرار في دولة واحدة وحزب واحد، وبالتالي إنحصر نفوذ المنظّرين الشيوعيين في مجتمعات العالم الثالث، والذي كان بأغلبيته الساحقة لا يزال يحبو نحو التطور واللحاق بركب الحضارة الإنسانية التي سبقته.

فشلت معظم الدول التي تنبّت الأفكار الماركسية في مشاريع التنمية لشعوبها والتي أُحبطت في خضم صراع القطبين وفي وحول الفساد والبيروقراطية الرديئة في معظم هذه البلدان، وأدى هذا الفشل التنموي لهذه الشعوب الى تنامي الفكر الديني وخاصة الراديكالي منه، والنزاعات الإثنية مما أدى الى ضمور الأحزاب الماركسية وترهلها لتصبح أحزاباً عجوزة فقدت بريقها في بلدان العالم الثالث.

جدول بأسماء رؤساء الولايات المتحدة الأميركية في مرحلة الحرب الباردة

إسم الرئيس بدء الولاية الرئاسية إنتهاء الولاية الرئاسية
هاري ترومان 12 نيسان 1945 20 كانون الثاني 1953
دوايت أيزنهاور 20 كانون الثاني 1953 20 كانون الثاني 1961
جون كينيدي 20 كانون الثاني 1961 22 تشرين الثاني 1963
ليندون جونسون 22 تشرين الثاني 1963 20 كانون الثاني 1969
ريتشارد نيكسون 20 كانون الثاني 1969 9 آب 1974
جيرالد فورد 9 آب 1974 20 كانون الثاني 1977
جيمي كارتر 20 كانون الثاني 1977 20 كانون الثاني 1981
رونالد ريغان 20 كانون الثاني 1981 20 كانون الثاني 1989
جورج بوش الأب 20 كانون الثاني 1989 20 كانون الثاني 1993

جدول بأسماء زعماء الإتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة

إسم الزعيم من  العام الى العام
 جوزيف ستالين 1924 1953
 نيكيتا خروتشوف  1953 1964
 ليونيد بريجينيف  1964 1982
يوري اندروبوف  1982 1984
قسطنطين تشيرنينكو 1984  1985
ميخائيل غورباتشوف  1985 1991

الفهرس

المقدمة 2

الفصل الأوّل :التسمية والخلاف العقائدي. 3

الخلاف الأيديولوجي: 4

أ – الايديولوجية الأميركية: 4

ب – الايديولوجية السوفياتية: 4

الفصل الثاني: مراحل المواجهة 5

المرحلة الأولى: ستالين – ترومان (1945 – 1953) 5

المرحلة الثانية: خروتشوف – أيزنهاور-كينيدي (1953 – 1963) 8

التأثيرات على الأنظمة الوطنية وحركات التحرر في العالم الثالث.. 10

أزمة الصواريخ الكوبية وشبح الحرب النووية بين القطبين. 12

حرب ڤيتنام والثمن الباهض… 13

المرحلة الثالثة: بريجينيف – جونسون- نيكسون-فورد– كارتر (1963-1980) 14

المرحلة الأخيرة: أندروبوف-غورباتشوف– ريغان (1980 – 1989) 16

الفصل الثالث: أسباب سقوط الإتحاد السوفياتي وتأثير الحرب على الداخل الأميركي. 18

أسباب سقوط الإتحاد السوفياتي. 18

تأثير الحرب الباردة على الداخل الأميركي. 20

الخلاصة 21

لائحة المراجع

الكتب:

Robert McMahon. (2003). The Cold War- A very Short Introduction.New York: Oxford  Vladislav M. Zubok,2007   A Failed Empire, N.York: University of North Carolina

أود آرن وستاد. (2014). الحرب الباردة الكونية. (ترجمة مي مقلد، المترجمون) القاهرة: المركز القومي للترجمة.

ايناس سعدي عبدالله. (2015). الحرب الباردة – دراسة تاريخيةللعلاقات الأميركية السوفيتية 1945 – 1963. بغداد: آشوربانيبال للكتاب.

روبرت جيه ماكمان. (2014). الحرب الباردة مقدمة قصيرة جداً. (محمد فتحي خضر، المترجمون) القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.

عبد العظيم رمضان. (1997). تاريخ أوروبا والعالم الحديث – من ظهور البرجوازية الاوروبية الى الحرب الباردة. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

محمد طه بدوي ومحمد غنيم، دراسات سياسية وقومية،الاسكندرية، مطبعة لمعارف.

Excerpts from The Cold War

George Orwell and the origin of the term ‘cold war’

https://www.history.com/this-day-in-history/soviets-announce-withdrawal-from-iran

https://history.state.gov/milestones/1945-1952/anzus

https://www.encyclopedia.com/humanities/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-                      maps/middle-east-defense-organization-medo

https://www.history.com/topics/south-america/che-guevara

https://nacla.org/article/declassifying-us-intervention-chile

https://www.sahistory.org.za/article/angolan-civil-war-1975-2002-brief-history

https://doi.org/10.1080/14682745.2013.789693

https://www.britannica.com/event/the-collapse-of-the-Soviet-Union https://www.history.com/speeches/bush-and-gorbachev-declare-end-of-cold-war

[1] https://blog.oup.com/2015/10/george-orwell-cold-war/

[2] تاريخ اوروبا والعالم في العصر الحديث، ج3، عبد العظيم رمضان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، ص268

[3] محمد طه بدوي ومحمد غنيم، دراسات سياسية وقومية،الاسكندرية، مطبعة لمعارف، 1963، ص 404

[4]2014     الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ترجمة مي مقلد، مراجعة: طلعت الشايب، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة،

[5] تاريخ اوروبا والعالم في العصر الحديث، ج3، عبد العظيم رمضان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، ص273

[6] https://teachingamericanhistory.org/library/document/excerpts-from-the-cold-war

[7]ب كلية الاداب، المستنصرية، بغداد، ط1،2015   الحرب الباردة، د. ايناس سعدي عبداالله،

[8] تاريخ اوروبا، مصدر نفسه، ص274

[9]  الحرب الباردة،مقدمة قصيرة جداً، روبرت جيه ماكمان، ترجمة محمد فتحي خضر، ص  34 مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط1، القاهرة،

  [10] https://www.history.com/this-day-in-history/soviets-announce-withdrawal-from-iran

[11] https://history.state.gov/milestones/1945-1952/anzus

[12] تاريخ اوروبا، مصدر نفسه، ص295

[13]       المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 223

[14]     الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان، ترجمة محمد فتحي خضر، ص 66-67 مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط1، القاهرة، 2014

[15] https://www.encyclopedia.com/humanities/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/middle-east-defense-organization-medo

[16] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان ، المرجع نفسه، ص 69-72 2014

[17] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان، ترجمة محمد فتحي خضر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط1، القاهرة، 2014

[18] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 267

[19] كلية الاداب، المستنصرية، بغداد، ط1 ،2015 ص:230 – 401   الحرب الباردة، د. ايناس سعدي عبداالله،

[20] https://www.history.com/topics/south-america/che-guevara

[21] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان ، المرجع نفسه، ص 124

[22] https://nacla.org/article/declassifying-us-intervention-chile

[23] https://www.sahistory.org.za/article/angolan-civil-war-1975-2002-brief-history

[24] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 586

[25] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 603

[26] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان ، المرجع نفسه، ص 151

[27] A failed Empire, Vladislav M. Zubok, University of North Carolina Press,2007, page 289.

[28] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان ، المرجع نفسه، ص 155

[29] الحرب الباردة، روبرت جيه ماكمان ، المرجع نفسه، ص 159

[30] https://www.history.com/speeches/bush-and-gorbachev-declare-end-of-cold-war

[31] https://www.britannica.com/event/the-collapse-of-the-Soviet-Union

[32] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 607

[33] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 608

[34] المصدر نفسه، الحرب الباردة الكونية، تأليف: أود آرن وستاد، ص 609

[35]https://doi.org/10.1080/14682745.2013.789693

[36] Cold War, A very short introduction, Robert McMahon,  Oxford University Press, New York, 2003.

فيديو مقال تاريخ الحرب الباردة (1945 – 1990) أسبابها – مراحلها – نتائجها

أضف تعليقك هنا