لماذا قصر الموظف؟ أسباب شخصية أم ثقافة تنظيمية؟

قبل أيام قرأت خبرا في موقع أرقام لشركة العقارات الأمريكية “سانت جون بروبرتيز” التي كافأت موظفيها البالغ عددهم 198 موظفا بهدية لم يتوقع أحد منهم ما بداخلها، حيث تفاجأ الموظفون بحصولهم على مكافآت نقدية يبلغ متوسطها 50 ألف دولار، ويصل إجماليها إلى 10 مليون دولار، حيث حصل كل موظف على مبلغ مالي وفقا لعدد السنوات التي عمل بها في الشركة، وكان أصغر مبلغ 100 دولار لموظف تم تعيينه ولم يبدأ عمله بعد، بينما وصلت المكافأة الأكبر إلى 270 ألف دولار.

“كانت حقا واحدة من أكثر الأشياء المدهشة التي شاهدتها في حياتي، كان الجميع غارقين في إظهار عواطفهم وكانوا يصرخون ويبكون ويضحكون”، هذه الجملة التي صرح بها رئيس الشركة ماكرانتز مع مقابلة مع شبكة سي إن إن، والتي عبر خلالها عن فخره بموظفيه وأنهم السبب والأساس وراء كل نجاح.

لقد أثارت المكافأة المالية فضولي، لكن ما أثار فضولي أكثر ولفت انتباهي بشكل أكبر فرح وسعادة رئيس الشركة لفرحة موظفيه، حيث أن هذه المشاعر لا يمكن أن تظهر إلا في بيئة قدرت الموظف ورفعت مكانته

هل يقصر الموظف أو يترك مهنته بعد أن يتم تكريمه؟

في الحقيقة وقبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التطرق أولا لأنواع الثقافة التنظيمية داخل المنظمات، وهما نوعين رئيسين: ثقافة قوية وثقافة ضعيفة، ويتفرع منهما أنواع أخرى كثيرة، حيث عرف (مصطفى، 2007، 769) الثقافة التنظيمية بأنها : “مجموعة القيم والعادات والمعايير والمعتقدات والافتراضات المشتركة التي تحكم الطريقة التي يفكر بها أعضاء المنظمة وطريقة اتخاذ القرارات وأسلوب تعاملهم مع المتغيرات البيئية وكيفية تعاملهم مع المعلومات والاستفادة منها لتحقيق الميزة التنافسية للمنظمة”.

  • فالمنظمة التي تمتلك ثقافة قوية
    • تتوافق رؤيتها وقيمها مع الممارسات الإدارية المتبعة فيها، حيث يحترم المدير موظفيه، يدربهم ويعلمهم، يحفزهم ويشجعهم، يدفعهم للتطور والإنجاز والإبداع والابتكار، يحثهم على حب الفريق والعمل الجماعي، فكلما استطاع المدير إيجاد رؤية مشتركة يحملها الجميع ويسعون لتحقيقها كلما كانت الثقافة قوية، وهي سبب رئيسي وأساسي في التزام الموظف وتمسكه بمنظمته.
  • أما المنظمة التي تمتلك ثقافة ضعيفة
    • ففيها يسير الموظفون في طرق مبهمة غير واضحة المعالم، فلا خطة موضوعة ولا أهداف واضحة أو محددة، ولا قيم تدعو للإبداع والابتكار، ولا تحفيز ولا تشجيع، إنما يسير العمل في رتابة وعشوائية، وهي بيئة خصبة لتقصير الموظف وانطفاء إبداعه وابتكاره.

أسباب تقصير أي موظف

ولعل بإمكاننا الآن أن نجيب على سؤال عنوان المقال: لماذا قصر الموظف؟ أسباب شخصية أم ثقافة تنظيمية، لكن في البداية لا بد أن نتعرف على أسباب التقصير هل هي شخصية أو تنظيمية:

أولاً: إذا كانت أسباب التقصير شخصية:

إذا كان سبب تقصير الموظف يعود لأسباب شخصية، فهنا يجب على الإداري الناجح أن يجلس معه وأن يستمع إليه وأن يوجهه، وأن يقدم له النصائح اللازمة حتى يتغلب على أسباب التقصير الشخصية.

ثانيا: إذا كانت أسباب التقصير بسبب الثقافة التنظيمية:

فهنا الكارثة، لأن التقصير سينتشر في المنظمة كانتشار النار في الهشيم، فإذا لم تطفئ الإدارة النار توشك المنظمة على الانهيار، وهنا يقع على عاتق الإدارة أن تعيد ترتيب أوراقها وأن تكف عن اتهام الموظف بالتقصير، وأن تنظر إلى نفسها وتبادر في التحسين والتطوير.

بعض الأمور التي تساعدك كمدير على بناء ثقافة قوية لمنظمتك، منها: (عمر، 2019)

  • حدد الرؤية والرسالة والقيم والأهداف واشراك العاملين فيها.
  • استثمر بفاعلية في الموارد البشرية.
  • شجع الأفراد على التحسين والتجديد والتطوير.
  • بث روح الفريق الواحد والعمل الجماعي.
  • أعد النظر في سياسات التوظيف التي تتبناها منظمتك، وقم باختيار الأفراد على الخبرة المهنية والإبداع والابتكار.
  • احرص على احتواء جميع العاملين في الهيكل التنظيمي دون تمييز أو محاباة، من أجل الوصول إلى بيئة عمل منتجة.
  • احرص على تنمية الحس الابتكاري الذي يساهم في تعزيز قدرة المؤسسة على التكيف مع المتغيرات الخارجية للعمل.

مزايا إيجاد ثقافة تنظيمية مشتركة:

إن إيجاد ثقافة تنظيمية مشتركة لمنظمتك يساعدك على تحقيق العديد من المزايا أهمها: (السكارنة، 2011، 332),

  • تحقيق الهوية التنظيمية، وتنمية الولاء والانتماء للمؤسسة والرضا عن العمل.
  • تحقيق الاستقرار التنظيمي، وتنمية الشعور بالأحداث والقضايا المحيطة.
  • تحديد مجالات الاهتمام المشترك، والتعرف على الأولويات الإدارية.
  • التنبؤ بأنماط التصرفات الإدارية في المواقف الصعبة والأزمات.
  • تعزيز الأدوار القيادية والإرشادية المرغوبة.
  • ترسيخ أسس تخصيص الحوافز والمراكز الوظيفية.
  • تحديد معايير الاستقطاب والاختيار والترقية.
  • توفير أداة رقابية للسلوك وأنماط الاتجاهات المرغوبة.
  • تخفيض معدلات ترك العمل والمحافظة على الأدوات والمعدات.
  • زيادة الكفاءة في العمل ورفع معدلات الأداء.
  • إيجاد سمات تنافسية للمنظمة.

أهمية بناء الثقافة القوية وأهمية الاهتمام بالموظف

بعد الحديث عن الأمور التي تساعدك كمدير لبناء ثقافة قوية لمنظمتك، ومزايا إيجاد الثقافة التنظيمية المشتركة، نؤكد على أهمية بناء الثقافة القوية، وأهمية الاهتمام بالموظف، وهو ما أشرنا إليه في قصة شركة سانت جون.

حيث أكدت (Barton, 2014) على أن الموظفين يصبحون أشد ميلا للانخراط في العمل باهتمام وحماسة إذا ما شعروا ببساطة أن مديريهم يهتمون بهم، ويولون اهتمامهم لكيفية تحقيق الأهداف التي يصبو إليها الموظفون أنفسهم، ويمكنك كمدير أن تفعل ذلك من خلال الجلوس مع المرؤوسين والإنصات إليهم والاهتمام حقا بشكواهم وطموحاتهم، فربما يتمثل الحل في الاهتمام بعملية صنع القرار، أو في التحقق من أن الموظفين يتعاونون معا كفريق عمل حقيقي.

مما سبق يمكن أن نختم مقالنا بما خلصت إليه (Barton, 2014) في دراستها بأن اتباع المدير لسياسة جديدة لن يقود لإصلاح الأمور، ما لم يُقدِم المرء بالتزامن مع ذلك على تغيير ثقافة العمل التي تسود شركته، وبالرغم من أن تغيير ثقافة العمل في منظمة ما ليس بالأمر اليسير؛ فإن النجاح في ذلك قد يفضي إلى ظهور شيء جديد للغاية، ومختلف تماما عما كانت الأمور عليه، ألا وهو وجود موظفين يهتمون حقا بعملهم من جديد.

المراجع:

  • عمر، يحيى (2019). الثقافة التنظيمية من أسرار نجاح المؤسسات، جريدة الشرق.
  • السكارنة، بلال خلف (2011). الإبداع الإداري، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
  • مصطفى، محمد أبو بكر (2007), الموارد البشرية – مدخل تحقيق الميزة التنافسية، الإسكندرية، الدار الجامعية.
  • (Barton, 2014). Your employees don’t care? Get them back in the game.

https://www.bbc.com/worklife/article/20141020-so-what-staff-its-your-fault

فيديو مقال لماذا قصر الموظف؟ أسباب شخصية أم ثقافة تنظيمية؟

 

أضف تعليقك هنا