محطة الوصول من قطار الغربة

الاغتراب ما بين الاختيار والإجبار

تكاد تكون هذه هي اللحظة الحاسمة في مستقبل الأجيال عندما يدركون بفطنتهم وإحساسهم أن الحصول على شيء هينا من الغربة أفضل من الاستمرار لآخر المحطات والعودة بخفي حنين، قطارات الحياة كثيرة ولكن يظل أشدها قسوة هو قطار الغربة ، ولما لا فهو القطار الذي تذهب إليه باختيارك أو في الشق الأعظم مضطرا، ولكنك لا تستطيع أن تقفز منه ولا تعلم متى الوقت والتاريخ المحددان لذلك، غياب الرؤية تتحكم في القرارات وأحيانا الخوف من جبروت الزمان ومطبات الحياة والتفكير في المستقبل وتأمين الحياة للفتية الصغار، معضلة شائكة يتورط فيها أغلبية المغتربين.

قطار الغربة يستغل حاجة المحتاجين

قطار الغربة لا يفرق بين الشاب الصغير أو الرجل الكبير أو الشيخ المشيب، لعل من المفارقات فرح الشاب الصغير أنه بدأ يقتاد قطار الغربة وهو بسن صغير ويعتب على كبار السن الذين يبدأون الرحلة متأخرين، وهو لا يدري في بضع سنين سوف يمرون كلمح البصر ويصير في نفس عمرهم أو يزيد، قطار الغربة من أجل العلم إنقرض منذ ردح بعيد وأصبح قطار المحتاجين والمغلوبين علي أمرهم يناديهم من كل فج عميق، هل من من مستأجر جديد لغرفة أو طرقة سواء كان قاعدا أو واقفا يريد المزيد من الأوجاع والآلام.

قطار الغربة يسير دون رأفة بأحد 

قطار يسير بلا رأفة لا يهتم بالمشاعر فهو مصنوع من الحديد الذي لا يتآكل وإنما يأكل عظام البشر ويتفنن في تعذيبهم وشقائهم، عجلاته لا ترفأ بمستغيث تحتها فإن فاتتك محطة فلا مجال للعودة فهو آخذ في طريقه لا يبالي بمحروم، ومنا من يكون بإمكانه اختيار محطته القادمة ولكن تحدثه نفسه دعني أفقد هذه المحطة لعل الخير في المحطة الثانية وعندما تأتي الثانية نفس الشعور حتى لا يدري إلا وهو في النهاية إلى أين سيصبح أو يمسي إلا وقد وهن جسده وأصبح حتى لا يقوى على التفكير في المحطات ويترك القطار بختار له ما يحبذه، تأتي الرياح قاصمة على ظهر الراكبين ويجعل الأغلبية تتواري بين قوائمه خوفا من برد شديد أو حار غليظ.

حكايا المغتربين ودوافع اغترابهم

تكثر الحكايات في القطار وتغيب الحكمة بمكان، الكل مجتمع على الإستمرار مهما كانت التحديات، وداخل القطار هناك من فقد الأب والأم والأبناء ولكن لظروف وسرعة جريانه لا يملك أحدا المغادرة، وتبقي الدموع ونسا وتصبير علي الأحزان، كان في الماضي مدة القطار من أوله لآخره لا تتعدي الأيام أو بضع أشهر أما الآن فحدث ولا حرج سنوات وراء سنوات حتي يضيع العمر هباء أو يعود في محمولا في صندوق لا يساوي قيمة ما ظللت طوال حياتها تكل في جمعه، كل من حصد الدراهم والريالات والدولارات قاموا بإحتساب الأرباح فكانت قسمة خاسرة فلم يربح أحد، الذهاب للسفر والرجوع وكثرة إقتياد القطار والنظر في الأفق البعيد تكون متشابهة وفي كل مرة تكون أشد من سابقتها من إغتنام الأهوال، واليأس يتملك من النفوس ويمحي الأمل في فرحة القلوب بعد كل هذا العناء الذي قطع شرايين الحياة وأضنى الفكر، فلم تكن المقدمات كافية لنهاية سعيدة وقد ذاقت وتجرعت القلوب كاسات من المرار والعلقم، وتاهت القلوب في بحور النسيان وتغيبت عن الواقع لبعد المسافات وكره الحبيب القطارات ولفظها وتمني أن تنتهي العذابات، شرود العقل ومقدمة الجنون النفسي توارت وراء جدران الخوف والأوهام، إن سألت كل الناس لتمنوا بقائك معهم في القطار لمشاركتهم نفس الآلام لعل كل واحد يخفف عن الآخر لوعة البعد وطوفان المتجبرين في الأوطان.

المتاجرة بقضايا وحاجات المغتربين في بلاد الغربة  

يا نفس لماذا الحق يؤخذ من النفس بجعلها تحت مطحنة الغرباء والحق ضائع في الأوطان، ينتظر الشديدون من البشر لانتزاع قوت يومنا من كبد المستبدين ومن جارا على حقوقنا وباعنا في سوق النخاسة كالعبيد في بلاد غريبة نظير إختيارنا فاكهة عطبة تخيلناها صالحة، كرامتنا تهاوت تحت التراب، وإسودت وجوهنا تحت أشعة الشمس بلا سقف أو حماية من غدر الزمان، أصواتنا سكتت تحت رحمة وأسياد الدينار، أصبحنا كالدواب في ساقية تسقي زرعا ليس لنا فيه ناقة ولا جمل، حلم البناء بعيدا مثل الذي ذهب للقمر وفرح بالجلوس على سطحه وهي ساعات معدودة تكلفت الملايين ومعها إمتلأ الجسد بالأمراض، من توكل على الله وإختار الحياة الكريمة بصحبة الأهل قبل وداعهم الكبير وعاش طفولة الأبناء وقاوم في الوطن الأم لهو أسمى الآيات.

فيديو مقال محطة الوصول من قطار الغربة

 

أضف تعليقك هنا