ازدراء الأخلاق

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

《فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون 》سورة النمل الآية ٥٦ 

《وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون 》سورة الأعراف الآية ٨٢ 

لقد تم تكرار تلك الآية في موضعين من القرآن بنفس الصياغة والمعنى مع اختلاف بسيط في الحروف والأفعال ، وقد كان ذلك في سورة النمل والأعراف.  اعتدنا نحن أن الله عزّ وجلّ عندما يكرر وينسخ آية من الآيات فإنما ذلك يعد دليلاً على عَظِم أثر ذلك الحدث القرآني.

قصة قوم لوط

إن قصة آل لوط تحكي عن نبي الله لوط الذي بُعث لسكان قرية تدعى سدوم ، وسكان تلك القرية ارتكبوا من الأفعال الخبيثة والآثام الفاحشة ما لم يسبقهم غيرهم من البشر ، من حيث قطع للطرق وقتل للنفس وإرتكاب لعظيم المحرمات ، إلا أن جُرمهم الأكبر كان إتخاذهم الرجال شهوة من دون النساء.

ماذا فعلوا بعد أن أتى إليهم نبي الله لوط؟

لذا فقد بُعث إليهم نبي الله لوط حتى يدعوهم إلى عبادة التوحيد ويثنيهم عن فعلهم وجُرمهم الأثيم ، من خلال عرضه إليهم تزويجهم من بناته ، ولكن عزيمة الإصرار والرفض كانت طابعاً قوياً يغالبهم جميعاً .إن الغريب والذي يدعو للدهشة لدى سكان تلك القرية ليس رفضهم وتعنتهم للخضوع إلى الهداية وعبادة التوحيد ، وإنما مسوغات وحيثيات دفاعهم عن مبدأهم الآثم ، فإن هذا هو الأغرب في مذهبهم.

فلقد قالوا ” أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ” .وقد قال كلمة الله عيسى عليه السلام في العهد الجديد ما يتوافق تماماً مع ذلك المعنى : ” من فَمِكَ تدان ” .يظهر ذلك التوافق من خلال أدلة الإتهام المُقدمة ضد  لوط وبناته من قِبل سكان القرية حتى يتمكنوا من  طردهم من قريتهم ، وهذا الدليل هو تمتعهم بمبادئ الطُهر والأخلاق والعفة ؛ فقد أدانوهم بلا ذنب وأعابوهم بلا عيب كما قال القرطبي في تفسيره.

ونرى هنا أن سكان قرية سدوم قد أدانوا أنفسهم بلسانهم وأثبتوا على أنفسهم الدنس والذنب والإثم والنجاسة التي يقوموا بإرتكابها ، وذلك لأن الله أنطق الحق على لسانهم وأدانهم بمنطقهم وجعلهم يقرون بفعلتهم الجثيمة ، وجعل دليل إتهامهم اعترافهم على أنفسهم بإرتكاب الإفساد في الأرض ومخالفة الطبيعة وتمسكهم بالباطل.

إن ذلك من عدل الله في عباده وفرض شريعة الحق في أرضه ونشر مبادئ الطهارة والكمال والتحلّي بالأخلاق ، وذلك لأن تلك الأسس والمقوّمات هي الدعائم والركائز التي أقام الله عليها أرضه وخلقه .يعد طابع الرفض والتعنت وعدم الإذعان هو القاسم المشترك بين سكان قرية سدوم وبين غيرهم ممن رفضوا أنبيائهم الذين بُعثوا فيهم ، فقد تم رفض كل الانبياء ممن جاءوا قبل نبي الله لوط أو ممن جاءوا بعده .

ما هي أسباب رفضهم لدعوة نبي الله لوط؟

لقد كان ذلك الرفض بناء على أسباب عديدة : إما الخوف من ضياع السلطة والجاه ، أو الخوف من إذابة الفوارق الطبقية وضياع الهيبة ، أو الخوف من الشتات والإغتراب بين البلدان نتاجاً لنشر وإعلاء كلمة الله مما قد يؤدي إلى فقدان النفس والولد . وقد كان ذلك عن طريق إتهامهم لإنبيائهم بالهذيان أو الجنون أو المسّ بالسحر .

وتكمن الإشكالية لدى أهل قرية لوط مع نظائرهم من المذاهب والأديان الأخرى من حيث تمسكهم بالباطل وإصرارهم على الإفساد في الأرض ، وكأن المبدأ هو السلوك المنحرف ، أما السلوك الطبيعي فهو الإستثنائي .إن هذا من شأنه قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في مجتمعهم ، وهذه العواقب كان يعلمها نبي الله لوط وقد حذّرهم إياها ، ولكن كأن على قلوبٍ أقفالها .

إن تلك العواقب تكمن في إعلاء كلمة الباطل ، واستفحال قوة الأمر الشاذ ، وإنزواء أصحاب الهمم الخيّرة والشريفة في المجتمع إلى أغوار أنفسهم مكتفين بالحرص على مبادئهم ، ينأوا الإنخراط في أي معركة خاسرة قد تُودي بأمنهم وسلامة أنفسهم وأرواحهم إلى الخطر . وذلك لأن الواقع العام أصبح مُلبداً بجو من الاعتداء على الحريات والأرواح والأملاك، وضياع القوانين المنظّمة لحياة البشر وسيادة شريعة الغاب والحكم بالقواعد الشاذة ، وذلك لأن الفاسد وما يتمتع به من إفساد لا يحيا إلا مع من يشبهه في ذلك المستنقع الذي تتوفر فيه تلك البيئة الخصبة للتعايش وإستمرار الحياة لهم جميعاً ، لأنهم لا يثقون إلا بأنفسهم ومن هم على شاكلتهم ولا يقبلون إلا بمثلهم.

العقاب الذي ناله قوم لوط بعد طغيانهم وكفرهم

لذا فإنهم يتباهون ويتفاخرون أن مبدأهم في الحياة عدم طهارة النفس والقلب والعقل .ونتيجة إستعلاء أهل قرية لوط لأوامر ونواهي نبيّهم وعصيانهم له ، فقد أنذرهم بالعقاب المناسب لأفعالهم والرادع لجُرمهم ، فقد جاء العقاب عقاباً يحاكي جًرمهم، فقد كان  على هيئة مطر سوء يطهّر الأرض من أنجاسهم وينظّفها وينظّمها ويُلبِسُها مَلبس الطُهر والشرف والعفّة والعفاف .لذا …. فقد كان جزاؤهم من جنس عملهم وهو خير جزاء لمن ساء وأنكر كلمة الحق والحقيقة من أجل نشر وإعلاء كلمة الباطل.

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

 

أضف تعليقك هنا