“فرقة ظل” ترفع الستار عن قضايا اللاجئين السوريين وتسلّط الضوء على طاقاتهم

بقلم: محمد هيثم نعسان

كثيرةٌ هي الأمثلة التي تؤكّد أنّ الظروف قد تتحكّم بالإنسان لكنها لا تستطيع هزيمته. فالإرادة الصلبة والعزيمة الراسخة تحقّقان الهدف المنشود. وإذا كان بعض الخطوات لا يودي إلى مقصد، خطوات أخرى، وإن راوحت مكانها، تحمل أصحابها إلى البعيد المنشود، كما هي الحال مع “فرقة ظل”. بالرقص التعبيري والأغاني التراثية والتمثيل المسرحي، يجسّد مراهقون سوريون قضاياهم، يرسّخون تماسكهم، ويخوضون تجربة فريدة حوّلوها إلى مثال يحتذى به، وإلى قصة نجاح لا يمكن إغفالها. يحرّكهم شغف دفين و… مؤسِّس الفرقة، مؤتمن نجم.

قصة الشاب السوري مؤتمن نجم

مؤتمن شاب سوري لجأ إلى لبنان عام 2012. عانى من التهميش كونه يافعاً، فطالما تردّدت على مسامعه عبارة “إنت ولد، أسكت” كلما حاول إبداء رأيه بموضوع ما، إلى أن تمكّن أن يعبّر عمّا في داخله خلال عرض مسرحي أقيم في مدرسته. وقد أعقب مؤتمن مشاركته في هذا العرض بمبادرة أراد من خلالها رفع صوته والتعبير عن رأيه الصريح بقضايا المجتمع.

إنشاءهُ “فرقة ظل”

أنشأ مؤتمن “فرقة ظل” منذ خمس سنوات، مستقطباً الشبان والصبايا الذين يتمتعون بشخصية فذّة وبموهبة فنية. ساعدهم على تنمية طاقاتهم وقدراتهم وصولاً إلى اعتلاء خشبة المسرح للتعبير عن مشاكلهم وآرائهم وأحلامهم، فانطلقت “فرقة ظل” من رحم معاناة جماعية.

الخروج عن الصمت

بدأ الأمر بستة متطوّعين أنجزوا عملهم الأول والذي تمثلت فكرته بأن يسرد كل شخص منهم قصته ومعاناته بأسلوب الكوميديا السوداء. شرارة أولى أشعلت إعجاب الجمهور العريض، لا سيّما فئة الشباب. تحطّمت حواجز نفسية كثيرة، فتدفّق الراغبون بالانتساب للفرقة من مختلف المناطق والجنسيات والإنتماءات. تنوّعٌ بثَّ حيوية غير مسبوقة في أوساط المجموعة، وساهم في انتشار نشاطها على نطاق واسع. وساعد التقارب العمري بين أعضاء الفرقة على تناغم الأفكار وتقديم محتوى يعبّر عن نظرة موحّدة للأمور، بالإضافة إلى نشر المرح في بين أعضاء الفرقة، كلّما اجتمعوا سوياً.

المواضيع التي تحدثت عنها “فرقة ظل”

يستخدم المنتسبون لـ”فرقة ظل” المسرح لتشخيص أزمات يعانون منها بسبب اللجوء والنزوح إلى لبنان، ولتحديد معالم حلول محتملة أو ممكنة لهذه الأزمات. فتتحوّل معاناتهم من قلّة فرص التعليم والعمل، مروراً بالعنصرية التي يتعرضوّن لها في كثير من الأحيان، وصولاً إلى العقبات التي تعترضهم شخصياً وتعيق أحلامهم المؤجلة بالعودة الى سوريا والتمتع بمستقبل زاهر، إلى عروض متجانسة. وهم، في جميع الأحوال، يتناولون قضايا مصيرية تواجه الشباب العربي عموماً، معزِّزين بذلك التماسك الاجتماعي في ما بينهم.

كما ضمن البيئة الأوسع. كما تساهم الفرقة في دعم أعضائها نفسياً بما أنهم يعبّرون عن مكنونات نفوسهم بالتمثيل وبالرقص، وبما أن تواجدهم معاً يوفر لهم مساحة آمنة للتعبيرعما يجول في خواطرهم ويزعجهم، عدا أنه يخفف من الآثار النفسية التي تخلّفها المشاكل المتعدّدة التي يواجهونها في حياتهم اليومية.

الأجساد إن حكت

صعوبات كثيرة واجهها مؤتمن، لم يكن أقلّها التنمّر ونعته بعبارات مؤذية مثل “رقّاص” وغيرها من الأوصاف التحقيرية، ومناهضة بيئته له، ورفضها لفكرة اعتناقه الرقص. ممارسات وانتقادات لم تثنِ الشاب عن متابعة طريقه. وما كادت ترتسم معالم عمله الأول وتظهر إلى العلن حتى تبدّلت الأحوال وتحسّنت التعليقات. لقد طالع مؤتمن مجتمعه برقص من نوع آخر، مغاير للتصوّرات النمطية السائدة. لم يكن رقص مؤتمن وفرقته رقصاً شرقياً بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، إنما لوحات ومشهديات من الواقع تصوّرها أجساد يانعة على أنغام التراث الجميل.

فكما يقول مؤتمن، “نحن نكتب ونختار النصوص التي نودّ أداءها. إننا نعمل كأسرة واحده، نشجّع وندعم بعضنا. نتدرّب سويّاً، نتشارك الأفكار ونستفيد من التجارب الناجحة. إننا ننقل الواقع على طريقتنا الخاصة”.إنّ أعضاء الفرقة على وعي تام بحاجات جمهورهم التي يرصدونها من خلال التفاعل الحيّ والمباشر مع مشاهديهم، ما يحثّهم على تطوير أنفسهم بشكل مستمرّ وعلى تحسين ذوقهم الفني إرضاءً للمتلقّين وتعبيراً عن هواجسهم المشتركة.

أعمال فرقة ظل المسرحية

تنوّعت أعمالهم بين الكوميديا السوداء والتراجيديا والفولكلور والجمع بين الثقافات المختلفة. لقد أدخلوا الفرح إلى قلوب الكبار والصغار في المخيمات والمناطق المهمّشة والمجتمعات التي تكثر فيها النزاعات مثل باب التبانة وجبل محسن. فجاءت جميع أعمالهم تجسيداً لتجارب فعلية مثل “بروفا” التي صوّرت معاناة الشباب بعد التخرّج من الجامعة، والصعوبات والضغوطات التي يواجهونها.

وعرضت “موطني” لانفجار مرفأ بيروت فعبّرت عن الوجع الذي وحّد الشباب على اختلاف مشاربهم. لقد كان لهذا العمل أثر كبير في المناطق التي عُرض فيها ولقي إقبالاً واسعاً ودعماً كبيراً. “علبة موسيقى” سرَدت قصصاً حقيقية، فسلّطت الضوء على قضيّة الزواج المبكر ومعاناة الفتيات من جرّائه، وتهميش دور النساء في المجتمع وما لذلك الأمر من عواقب سلبية. لقد ركّزت كل هذه الأعمال على أهمية الدمج بين التراثين العربي والغربي، فتداخل الفولكلور الصيني بالياباني والهندي وغيرهم. كلّها عروض لم تشهد مخيمات اللاجئين والقرى المهمّشة والمنسية في منطقة عكار في شمال لبنان، مثيلاً لها .

ما هي الصورة التي حاول مؤتمن نجم إيصالها؟

سعى مؤتمن، في مختلف أعماله، لحفظ الرواية السورية وحمايتها من المحو والنسيان مؤكداً مراراً وتكراراً أنّ اللاجئ حظي، قبل مرحلة اللجوء والحرب، ولا يزال، بجذور وعائلة وحياة متكاملة. لقد عرضت إنتاجاته الفنية الصدمات النفسية والعاطفية التي طالت السوريين خلال سنوات الحرب فبدّلت تكوينهم الشخصي والشعوري.
عقبات وطموحات

يختبر مؤتمن وفرقته صعوبة الإنتشار باتجاه مناطق أبعد وهم يشتكون من قلّة الموارد الضرورية لتعزيز إنتاجهم. هي عقبات تعيق التقدّم بالوتيرة التي يبتغيها مؤتمن لكنها لا تثني عزيمته. فلقد تجاوز وفرقته، بنجاح، مرحلة تفشي وباء كورونا، محققين إنجازاً جديداً من خلال قيامهم بأعمال جماعية مشتركة، كل واحد من أعضاء الفرقة من وراء شاشة هاتفه الجوّال، فجاءت أعمالهم مبتكرة ومميّزة.

إنّ قصة نجاح مؤتمن وفرقته واحدة من قصص كثيرة كتبها أشخاص عديدون، كلٌّ على هواه وطريقته، مخالفين قواعد السير ضمن مجموعة مسيّرة لا مخيّرة، ومحقّقين إنجازات تحفظ ما تبقّى من ذاكرة وطن وروح شعب، خارجين بها من الظل إلى العلن!

بقلم: محمد هيثم نعسان

 

أضف تعليقك هنا