المعلم في الفكر التربوي الإسلامي

بقلم أ. هبة عزات جمعة

مقدمة

يعُتبر المعلم هو المنَّفذ الحقيقي للمنهاج والمخاطِب الأول للطلاب، كما يُعد عاملاً أساسياً في نجاح العملية التربوية وفي تحقيق أهدافها، فهو القائد والمربي والملهم والميسر والموجه وليس مجرد ناقل للمعرفة حيث يخاطب جوارح الطلاب ويحفَّز عقولهم ووجدانهم، ويعمل على إكسابهم المعارف والمهارات والاتجاهات الايجابية والقيم، و تنمية مهارات تفكيرهم ويجتهد بتدريبهم على توظيف كل ما يتعلمون في سياقات حياتية حقيقية ولا يبخل في تهذيب مَلَكاتهم وتنمية الحس الجمالي لديهـم، أي أنه يتيح للطلبة تعلم خبرات مؤثرة وذات قيمة.

المعلم في التاريخ العربي الإسلامي

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول فقد قال: “إنما بُعثتُ معلماً”، أرسله الله للبشرية جمعاء مطبقاً للمنهج الإلهي فكان المعلم القدوة، ذو السيرة العطرة يعلم الناس باللين والموعظة الحسنة، وقد رسَّخ الإسلام أهمية المعلم منذ أن بدأ في تعليم علوم القرآن ثم باقي العلوم الأخرى، لذلك شغلت قضية إعداد المعلم وتدريبه حيز كبير من اهتمامات أهل التربية وخاصة في الفكر التربوي الإسلامي، نستدل على ذلك بما ورد عن ابن جُماعة حول أهمية المعلم لحدوث التعلم بقوله: (قيل لأبي حنيفة -رحمه الله- في المسجد حلقة ينظرون في الفقه، فقال: ألهم رأس؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبداً). ابن جُماعة، ص46.

صفات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي

إنَّ تحقيق أهداف التعليم مرتبطة بحُسن اختيار المعلم ويدلل (ابن جماعة، ص 14) على ذلك بقوله: “سبرت أحوال السلف والخلف، لم تجد النافع يحصل غالباً والفلاح يدرك طالباً إلا إذا كان للشيخ المعلم من التقوى نصيب وافر، وعلى شفتيه ونصحه دليل ظاهر.

وحدد الإمام مالك أبرز الصفات الواجب توافرها في المعلم بقوله: “لا يُؤخذ العلم من أربعةٍ، ويؤخذ ممن سوى ذلك، لا يؤخذ من سفيهٍ معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا يُؤخذ من كذاب ولا صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث”.
أما الغزالي فقد عبَّر عن صفات المعلم بقوله: (إذا جمع المعلم ثلاثاً تمت النعمة بها على المتعلم: الصبر، والتواضع، وحسن الخلق).

وحدّد (الزرنوجي، ص 41) معايير اختيار المعلم بقوله: “أما اختيار الأستاذ فينبغي أن يختار الأعلم، والأروع والأسن كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكير وقال: وجدته شيخاً وقوراً حليماً صبوراً”.

مَنْ هو المعلم المثالي من وجهة نظر الإمام الغزالي؟

وضع الإمام الغزالي شروطاً وسمات للمعلم الذي يمارس مهنة التعليم ويمكن تصنيفها إلى سمات عقلية وشكلية (مظهرية) ونفسية واجتماعية كما يلي:

  1. أن يكون ملماً بالعلوم الإسلامية الشرعية وغير الشرعية كالفلسفة والحساب والمنطق وغيرها…
  2. الإعراض عن حب الدنيا وحب الجاه، معللاً أن حب الدنيا سيجعله مفتوناً في مباهجها فيحول بينه وبين ظهوره كقدوة أمام طلابه وهم ينشدون فيه الكمال، فلا تُحبط مهمته.
  3. ينبغي أن يكون عالماً، تلقى علمه عن شخص بصير حقيقي ولم يتلقاه عن شخص مدِّعي للعلم.
  4. ينبغي أن يتوافق سلوكه الظاهر للناس مع عقيدته وعلمه، أي أن يتوافق مظهره مع مخبره وبذلك تتأصل لديه صفة القدوة.
  5. أن يكون قد استفاد باقتدائه بأستاذه واختار فيه كل حسن مما يسمح له تكون إطار فكري خاص به.

كفايات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي

تنوعت كفايات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي بين كفايات علمية ومهنية وأخلاقية وجسدية كما يلي:
(الصاوي، 1999)

  1. الكفايات العلمية

تعني إلمام المعلم بتخصصه ومادته التي يدرِّسها، حيث يشير ابن جُماعة لضرورة تنمية الكفاءة العلمية أثناء الخدمة فينصح المعلم “بدوام الحرص على الازدياد بملازمة الجهد والاجتهاد والاشتغال قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقاً وحفظاً وبحثاً ولا يضيع شيئاً من أوقات عمره فيما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة”. (عبد العال، 1985)

  1. الكفاية المهنية

وهي تشمل كل المهارات التدريسية التي يمتلكها المعلم ليؤدي مهنته على أفضل وجه مثل:

  • استثارة الدافعية عند الطلاب:
    طبعاً قبل أن يستثير المعلم دافعية طلابه يجب عليه أن يمتلكها هو، ويفضل الزرنوجي أن تكون الدافعية نابعة من المتعلم بنفسه ويقول: “وكفى بلذة العلم والفقه والفهم داعياً وباعثاً للعاقل على تحصيل العلم”.
  • مراعاة الفروق الفردية:
    أي مراعاة الفروق بين الطلاب في المهام المقدَّمة لهم وتلبية حاجات كل منهم حسب قدراته، ويؤكد الغزالي على ذلك بقوله: “ضرورة مخاطبتهم على قدر عقولهم”.
  • طريقة التدريس:
    أكدَّ المفكرون على أهمية طرائق التدريس ودورها في إحكام فهم المتعلمين، حيث أكدَّ ابن جُماعة على ضرورة إعادة الشرح وتصوير المسائل وتوضيحها بالأمثلة وتحدث العرب في ذلك عندما قالوا إن العلم هو: “ما حوته الصدور، لا ما طوته السطور” للتأكيد على أهمية الفهم.
    كما استخدم المسلمون المعلمون مثل ابن سينا طرائق مميزة كالتعليم التعاوني فقال: “إن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ به وآنس”.
  • إدارة الصف:
    اهتم أيضاً مفكرونا بإدارة الصف وسلوكيات الطلاب، فتحدث ابن سحنون راوياً عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: “أيما مؤدب ولي ثلاثة صبية من هذه الأمة ولك يعلمهم بالسوية فقيرهم وغنيهم حشر يوم القيامة مع الخائنين”.
  1. الكفايات الأخلاقية

هناك الكثير من الكفايات والأخلاقيات التي يجب توافرها في المعلم في الأثر التربوي الإسلامي مثل:

  • القدوة:
    وليس أصدق من قوله تعالى (أتأمرونَ الناسَ بالبرِ وتَنْسونَ أَنفسَكُم) سورة البقرة: آية 44، وقد بيّن الغزالي ضرورة تمسك المعلم بالمبادئ وألاّ يرتضي لنفسه أي عمل من الأعمال التي نهى عنها طلابه حيث يقول الغزالي: “مثل المرشد من المسترشدين مثل النفس من الطين، بما لا نقش فيه ومتى يستوي الظل والعود أعوج”.
  • الزهد والتواضع:
    التواضع صفة من صفة العلماء، ولا تزيد المعلم إلا هيبة ووقار أمام طلابه.
  • الوقار والهيبة:
    نصح ابن جُماعة المعلم بتجنب مواضع الشك والتهم، والتنزه عن المهن الوضيعة وإخلاصه في العمل مع عدم الضحك الكثير مع الصبيان لعدم زوال حرمته.
  1. الكفايات الجسدية

حرص الفكر الإسلامي أيضاً على مراعاة الجوانب الجسدية عند المعلم فقال القلقشندي واصفاً المعلم بأنه: “حسن القد، واضح الجبين، واسع الجبهة”.
ولن نخصص الأمر هنا فحال المعلم كما الشخص المسلم الذي أمره الله بالاهتمام بالصحة والنظافة والتطيب وتجميل النفس، فقد أجمع ابن جُماعة مختصراً المعلم “هو الذي كَمُلت أهليته وكان أحسن تعلماً- أي كفايته العلمية، وأجود تفهماً- أي كفايته المهنية، وظهرت مروءته وعرفت عفته- أي كفايته الأخلاقية”.

لعلنا باستعراض هذا المقال قد لاحظنا مدى اهتمام علماء الفكر الإسلامي بالمعلم، وأن كل ما ظهر من نظريات وتربويات حديثة قد تحدث عنه منذ زمن علماء التربية والمفكرين المسلمين أمثال ابن جُماعة والغزالي وأبو حنيفة النعمان وابن سحنون وابن رشد وابن سينا وابن مسكويه وابن القيم الجوزية والكثير منهم ..

 المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن جُماعة، بدر الدين (1994). تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، رمادي للنشر، الدمام.
  • الإمام الغزالي، أبو حامد (1951). أيها الولد، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية، بيروت.
  • الإمام الغزالي، أبو حامد. إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت.
  • عبد العال، حسن ابراهيم (1985). فن التعليم عند بدر الدين بن جُماعة، مكتبة الربية العربي لدول الخليج.
  • الزرنوجي، النعمان بن الخليل (1986). تعليم المتعلم في طريق التعلم، تحقيق مصطفى عاشور، القاهرة: مكتبة القرآن.
  • الصاوي، محمد وجيه (1999). دراسات في الفكر التربوي، مكتبة الفلاح، الكويت.

بقلم: أ. هبة عزات جمعة

 

أضف تعليقك هنا