الشجاع لا يموت إلّا مرة واحدة

البرد قارص، والثلوج أخذت تغطي كامل الأرض، الصقيع سيطر على سطح الماء فصيره صلداً، وكل حيوانات الغابة اختبأت من برد الشتاء القاتل، لم يبق في الخارج إلا الوحوش، تطارد ما تبقى من فرائس، تقتات على الحيوانات المسنة، ومع شحة الصيد فهذه الوحوش عليها أن تفرض سيطرتها على أرضها، وأن تدافع عن أماكن تواجدها، لتحافظ على مقدراتها وصيدها الشحيح.

قصة الذئب الأشيب الذي يقود القطيع

كان هناك قطيع من الذئاب، وعلى رأسه ذئب اشيب، كان شجاعاً جداً، وكان يدافع عن قطيعه وافراد عائلته وعشيرته، وبسبب قلة الطعام، اوكل مهمة قيادة القطيع الى ذئب اخر، وذهب للبحث عن غابة فيها طعام يكفيهم خلال الشتاء، واثناء رحلته هذه واجه الكثير من المخاطر، دخل في معارك مع حيوانات أكبر منه حجماً، وأكثر منه قوة، ولكنه استطاع أن ينتصر وينجو.

اصطياده للغزال

وفي احدى الغابات المتاخمة للجبال، لمحت عيناه غزالاً يحاول تسلق حافة الجبل، فلحقه واصطاده على الفور، وما مرت الا بضع دقائق حتى سمع صوت انفاسٍ تحيط به من كل جانب، وبكل هدوء التفت بوجهه المكفهر، مكشراً عن انيابه الحادة، مصدراً صوته كصفيرٍ لإعصار غاضب، وقد برزت عيناه وتجعدت جبهته، وبرزت تلك الضربات والكدمات والاشتار على رأسه، كأنهارٍ من دمٍ تشق طريقها عبر الجليد، وقد غطت الانهار الدامية شعلة رأسه الاشيب.

أنفاس الذئب القوية ونظرته الحادة

أنفاسه القوية، ونظرته الحادة، وسمعته التي جابت الغابات، جعلت من قطيع الذئاب الأخرى مرعوباً منه، فهم لم يجرؤوا على مهاجمته، بل بقوا محيطين به وينظرون اليه عن بعد، وبعد ان انتهى الاشيب من طعامه ترك لهم ما تبقى وغادر الغابة، ليأكل زعيم القطيع الاخر ما تبقى من طعامه مع بعض الذئاب الأخرى من علية العشيرة والمقربين منه والمتضورين جوعاً.

خيبة أمله من الذئب الجبان

وبعد أيام طويلة، وجد الاشيب ضالته، ورجع الى عشيرته ليقودهم الى حيث نجاتهم، ولكنه تفاجأ بوجود ذلك الذئب الجبان قد استولى على ارضه واستعبد قومه، نظر بحزن واستغراب، تلك النظرة الغاضبة ذهبت عن محياه، ارتخت شفته واختفت انيابه، ولمعت عيناه حزناً وكدراً، وهو يرى من خلّفه على قومه عبداً عند ذئبٍ لم يتجرأ على مهاجمته لمّا كان وحيداً في ذلك الوادي عند سفح الجبل.

ولكن الاشيب علم أنه سيدخل حربه الأخيرة، ويعلم ايضاً أن الكثرة ستغلب الشجاعة، وأن خصمه لن يقاتله بشرف، وأنه سيقاتل وحيداً ولن يناصره أحد ابداً، لذلك جمع شتات نفسه وعاد الى شموخه من جديد، نازلاً الى مثواه الأخير بكل بسالة واقدام، رافضاً الهزيمة والهروب الى العبودية والذلة.

شجاعة الذئب الأشيب ورفضه للذل والهوان

“أيها الاشيب لا تقاتل رجاءً انهم كثر، اترك الامر اتوسل اليك، سيأتي يوم ونتخلص منهم، لابد أن يظهر ذئب اخر يقتل هذا وحينها سنتنفس الصعداء، ارجوك لا تقاتل ستموت لا محاله” هكذا وجه من خلفه في قومه الكلام الى الاشيب، كان يحاول أن يقنعه بالتراجع، ولكنه لم يعلم أن الاشيب لم يعد ينظر اليه نظرة الاحترام والتقدير، ولم يعد لكلامه أي وزن او قيمة، ولكن الاشيب التفت اليه وسأله:

  • “أيها العبد، انا سأقاتل وسأموت، ولن اشعر بالهوان بعدها ولن أعيش حياة الذل، ولكن انت كم مرة ستموت أيها الجبان؟”
  • اطرق برأسه طويلاً ثم رفع رأسه وقال “الشجاع لا يموت الا مرةً واحدة أيها الاشيب، والجبان مثلي سيموت كثيراً”

هناك من طبعت عليه حياة الذلة والمسكنة، واعتاد على السياط، رغم حريته الا إنه من الداخل عبد للآخرين، وقد تجد عبداً لا حول له ولا قوة ولكنه من الداخل يعيش حراً، فالحرية لا بالشكل والمظهر بل هي حرية الروح والإرادة والعزيمة، فقط الشجعان هم من يملكون الحرية، والجبناء لا عزاء لهم يعيشون عبيداً ويحاسبون كالأحرار، مثلهم كمثل البخلاء يعيشون فقراءً ويحاسبون كالأغنياء.

فيديو مقال الشجاع لا يموت إلّا مرة واحدة

 

https://youtu.be/98YPEALvBq0

أضف تعليقك هنا

نجم الجزائري

السيرة الشخصية:
نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها.

مهاراتي:
* اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات
* اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي
* اصمم مواقع الكترونية بسيطة
* كاتب مقالات عامة
* اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس
* اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط
*