الموازنة وتداعيات التصويت عليها

قانون الموازنة لعام (٢٠٢٣- ٢٠٢٤- ٢٠٢٥) في العراق

عهد الود بين أربيل وبغداد أنهتها ما لا يُقرأ بين سطورِ قانون موازنة (٢٠٢٣- ٢٠٢٤- ٢٠٢٥) المُقّر، مما لا شك فيه أن لمحاولات أربيل الدور الاكبر لضمان حقها وفقاً للصياغة المتفق عليها، ولكن حالت هذه المحاولات دون تحقيق المغزى الأساسي الذي توخته طيلة فترة مفاوضات الأطراف، إذاً لا بد من التأكيد على أن التدخلات الإقليمية المستمرة في شؤون العراق على صعيديها السياسي والاقتصادي في بادئ الامر شلّت العملية السياسية (البرلمان) في إقليم كردستان وانشقاق الصف الكوردي و تفكيكهم في إدارتها، ونجحت هذه التدخلات بخلق حالة “لا توازن”، وأفقدتها استقرارها المالي والسياسي والاقتصادي..

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، توجهت السليمانية بعتبٍ كبير إلى بغداد حاملةً لملف مطالِبةً فيه تثبيت فقرة تضمن حقوق مواطنيها متذرعتةً بقرار رئيس حكومة الاقليم بعدم إرسال مستحقات موظفيها إلا بعد أن يتم تسليم الإيرادات الداخلية للمحافظة إلى إربيل، وهذا ما جعل الطالباني مضطراً لِأن يقود وفداً في بغداد؛ حيث استطاع أن يضمن فقرة في قانون الموازنة تروي عطش السليمانية لمستحقاتها رغم إصرار أربيل على رفض التصويت عليه، فاحتفل الجانبين بنصرهم على الآخر.. وعليه وبعد محاولات كسر العظام، ظهر كل منهما بخطاب النصر والتخوين ليتطور تشنج علاقتهم، وأثّر هذا الخلاف على قوة قرار إقليم كوردستان وثقلهم في بغداد وصعوبة توحيد الصف الكوردي فيها، ولكن الضغوطات الدولية والاقليمية احتوت هذا الخلاف بشروط إصلاحية، منها توحيد قوات البيشمركة وإجراء إنتخاباتٍ نيابية مبكرة مقابل دعم التحالف الدولي..

صراع الأحزاب السياسية وفرض مطالبها في قانون الموازنة

وبما أن العراق الآن بوضعه غير الطبيعي وأثناء عمله لاستعادة ثقله السياسي وإقامة علاقات دبلوماسية مبنية على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدولة ومنع التدخلات الاقليمية فيها طالباً الدعم من دول مجلس التعاون الخليجي ولا يخفى على كل متابع حصيف بأن غالبية الاحزاب السياسية في العراق مدعومة من قبل الدول الاقليمية أو تربطها علاقات غير رسمية بها مقابل تنفيذ أجِنداتها في العراق، ومن هذا المنطلق تدعم الأحزاب بتدخلها بشؤون العراق عند الحاجة إليها، كما هو الحال بالنسبة للاحزاب الكوردستانية، بعد أن تعَّقد العُقَد وتفاقمت المشاكل ولاحقتها إنتكاسات قسمتها الى نصفين، لجأ كل من الحزبين الحاكمين إلى إيران وتركيا لفرض مطالبها في قانون الموازنة والضغط على القوى السياسية المتحالفة معها للموافقة عليها،
إلا أن إيران ارادت الضغط على الحزب الديمقراطي للتحالف معها في العملية السياسية وطرد أعضاء حزب ديموكرات (پژاك) من على حدودها من خلال دعم الاتحاد الوطني بالاعلان عن عدم السماح لحكومة الاقليم و تصدير الغاز الكوردستاني الى الغرب خلافاً للرغبة الايرانية – الروسية وأيضاً بمطالبتها السليمانية استقلالها المالي والإداري وإعلان تبعيّتها لبغداد من خلال قانون الموازنة بالتثبيت والتصويت على هذه الفقرة منها.. وفي الوقت نفسه عند زيارة رئيس إقليم كوردستان لتركيا طلب الاخير منها التعاون الكلي من أجل شن هجوم عسكري واسع على أعضاء حزب العمّال الكوردستاني (pkk) و انشاء تحالفات سياسية تتفق مع الرؤية التركية في كركوك و الموصل لانتخابات مجالس المحافظات القادمة ..

اتفاقيات ووعود لم تُنفّذ

تفسيراً لذلك فإن عقدين من ممارسة السياسة لدى الطبقة الحاكمة في العراق الآن لن تصل إلى مفهومها الحقيقي المتمثل بتطبيق العدالة الاجتماعية وإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الحكومة و المواطن، وعملية التحول الديمقراطي منذ ٢٠٠٣ إلى يومنا هذا لم تكن بالمستوى المطلوب ولن تلبي طموح المواطن العراقي البسيط، لا بل أخفقت حتى بتقديم مشروع خطط استراتيجية واقعية تنموية تنهض بالواقع المجتمعي.. فنهج الحكومات المتعاقبة في العراق أصبح قديماً في ادارة الدولة وايضاً في تلبية الاحتياجات والخدمات الاساسية التي يحتاجها المواطن، ولا يفوتنا ان ننوه بأن بداية اي كابينة وزراية تبدئ ب توقيع عدد كبير من مذكرات التفاهم للعمل مع دول الجوار دون أن تُنفذ ايٍ منها، ليبقى التساؤل المطروح، ما الغاية في اتفاقيات ومذكرات التفاهم دون ان تُشع شمسها على أرضنا؟

مما يجدر بالاشارة الى أن واقع العراق ونهوضه مرتبط ببروز بدائل سياسية أخرى ، تُحَل وتملئ بأدواتها الجديدة الفراغ الشاسع الذي تركته صراعات القادة من أجل البقاء على سدة الحكم، وإن فشلهم في إدارة الدولة بشكلٍ سليم و صرخة الجيل الذي وُلد من رحم معاناة هذه السلطة تقِف عائقاً في صناديق الاقتراع أمامهم ويصعب إنتهاز اي فرصة في المستقبل، ولا ننكر بأن لتلك الأحزاب نفوذ وصوت ثابت لكن نراها تقّلً ولا تزيد، بالمقابل نرى جيلاً واعياً واعداً في ازديادٍ مستمر.

فيديو مقال الموازنة وتداعيات التصويت عليها

 

https://youtu.be/4S4seAsqJ7I

أضف تعليقك هنا