ليس الذكر كالأنثى….تعظيم ومُفاضلة أم امتهان وازدراء

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

لقد شاهدت برنامجاً تليفزيزنياً  بإحدى القنوات الدينية ، إلا أن هذا البرنامج قد أثار حفيظتي واستيائي نظراً لما تم تناوله من أغاليط متعددة وتدليس للحقائق وفهم مشوّه ، مع محاولة اصطباغ ذلك بصبغة دوجماطيقية تيقنية جوفاء مدّعية امتلاك الحقيقة.

موضوع الحلقة الذي شرح آية《وليس الذكر كالأنثى》

لقد كان موضوع حلقة البرنامج هو شرح وسرد لمعنى الآية الكريمة《وليس الذكر كالأنثى》، وذلك عن طريق تفسير أحد الشيوخ لتأويل وشرح المعنى الصحيح للآية . إلا أنه تناول بالشرح لما اسماه ضعف المرأة من حيث تكوينها البيولوجي والفسيولوجي ، حيث أن المرأة – حسبما أشار – خُلقت من ضلع أعوج ، كما أنهن ناقصات عقل ودين ، لذلك فالرجال قوامون على النساء ، كما أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتان، ولذلك يرث الرجل ضعف المرأة .

هل فرّق الشيخ في شرحه للآية بين الذكر والأنثى؟

وغيرها من كلامات مُرسلة تتصف بالتحيز وعدم الحياد .لقد اكتفى ذلك الشيخ – سواء متعمداً أو غافلاً – بذلك السرد الممتهن والمزدري للمرأة محاولاً من خلاله الإنتقاص من شأنها والإعلاء من قدر وقيمة الرجال ، عن طريق المفاضلة والتعظيم فيما بين المرأة والرجل . وقد كان ذلك من خلال استناده على أحاديث ضعيفة المتن والسند وأيضاً اعتماداً على آيات افتقر هو فيها لأبسط التفاسير المبسطة ، دون التعرض إلى شرح الآية وموضوع الحلقة.

لقد قال الله تعالى في محكم قرآنه 《وليس الذكر كالأنثى》 الآية ٣٦ من سورة آل عمران . وهنا نجد أن أغلب الشروح والتفاسير قد أكدت أن ذلك القول ليس لامرأة عمران ، بل هو استكمالاً واستطراداً لكلام الله القائل فيها《والله أعلم بما وَضَعَت》، والذي يؤكد تمام معرفته الغيبية بطبيعة جنس الوليد منذ أن كان برَحِم والدته دون الحاجة إلى اكتمال عملية الوضع.

ولهذا أراد الله أن يوضح لامرأة عمران أن الذكر المرجوّ والمأمول الذي تمنته ونذرته من أجل خدمة وسدانة بيت المقدس ليس بأفضل من تلك الأنثى البتول التي وضعتها ، بل إنها قد خُلقت وسُخرت من أجل تشريف البشرية بإنجاب المُخلّص والذي هو كلمة من الله.

ما هو سبب تقديم كلمة الذكر على الأنثى؟

لقد ذهبت بعض الشروح لتلك الآية أن تقديم كلمة الذكر على الأنثى جاء من أجل بيان مفاضلة وعِظَم شأن الذكر على المرأة . إلا أن تلك الشروح قد أغفلت أبسط قواعد اللغة العربية ، حيث أن تلك الآية هي جملة تشبيهية  ، قد جِئ بالمُشبّه به مؤخراً وهو “الأنثى” في نهاية الآية من أجل الإجلال والتعظيم والتقدير والأفضلية للأنثى على الذكر المرجوّ والمنذور  .

واستبياناً لذلك نستطيع أن نضرب مثلاً : الرجل كالأسد، نجد هنا في ذلك التشبيه أن الأسد قد جاء مؤخراً بعد الرجل لأنه مفضلاً عليه من حيث القوة والشجاعة الجسارة والإقدام وغيرها من خصال . وبذلك يتضح سبب مجئ لفظ الأنثى مؤخراً وأنه كان من أجل التكريم والتشريف والتفضيل.

-عندما امتزجت لدى امرأة عمران مشاعر التحسر وخيبة الأمل بالأسى والحزن بعد وضع وليدتها التي وجدتها أنثى ، من حيث مخالفة ظنها بما اشتهته في دعواها من حيث عدم وفائها بنذرها لربها ، فما كان من الله تعالى أن فَصَل القول وحَسَم الأمر بجعله من تلك الأنثى أسمى وأفضل وأجدر من ينوط بتلك المهمة ، حيث أنها كانت آية من آيات طلاقة قُدرة خلق الله . وسرعان ما أنزل الله الإطمئنان والسكينة والبشري على قلب امرأة عمران من حيث مباركتها لتلك الأنثى بأن اسمتها مريم ، ومريم بلغتهم تعني العابدة الخاضعة الطائعة لربها بإيمان ويقين.

الاستنكار والتعجب ممن ينتقص من قدر المرأة

وبعد …… لا يسعني إلا الاستنكار والتعجب من مثل هؤلاء الشيوخ بذلك الفهم الذي يتصف بالمحدودية وضيق الأفق وقِصر وعي بطبيعة وشخصية وتكوين المرأة . إن المرأة التي تحدث عنها ذلك الشيخ هي مغايرة تمام المغايرة عن حقيقة الواقع ، حيث أن المرأة التي وصفها بالضعف والوهن نجد أن الله قد منحها وسخّرها دون سواها للقدرة على الإنجاب وجعلها تتحمل من الآلام مالا يطيقه غيرها لثِقله وشدته.

كما أن المرأة التي وصفها بالنقص في العقل والدين ، فإن ذلك النقص كيف يتأتى ويستقيم  من حيث أسبقية سن التكليف لدى المرأة . وأيضاً من حيث قوامة الرجل على المرأة الذي تحدث عنه ، فقد جعل الله القوامة للرجل على المرأة نظراً لما يُسّر الرجل من أجله من حيث الإنفاق وتحمل المسئولية وتخفيف الأعباء وتكفل الرعاية والأمن لأسرته ، وأن ذلك الأمر لا يتعلق بأي مفاضلة أو تعظيم للرجل أو تقليل ودونية للمرأة ، بل جاء من أجل التقدير والتتويج للمرأة دون العناء والشقاء الذي فرضه على الرجل لخدمتها والعمل على راحتها.

لماذا كانت شهادة الرجل بامرأتين؟

وإذا كانت شهادة الرجل بامرأتين، فإن ذلك في الأمور التجارية والأقتصادية والمكاتبات التعاقدية ، نظراً لطبيعة الجزيرة العربية حينها من حيث إرتفاع نسبة القراءة والكتابة بين الرجال عنها لدى النساء ، وكذلك لعدم خروج المرأة للعمل في ذلك الحين . لذا فقد حُصرت بعلاقات إجتماعية محدودة لا تكفل لها أو تتيح السِعة في المعاملات ، لهذا جاءت شهادتها بنصف شهادة الرجل نتاجاً لطبيعة مكان وزمان وليس عن نقص أو جهل.

وإذا كان الأمر كذلك في مثل تلك الحالات – فقط – السالف ذكرها ، إلا أن هناك حالات أخرى لا يُقبل فيها شهادة الرجل وإنما يتم الإكتفاء فقط بشهادة المرأة . فإذا كانت المرأة تنازع الرجل بنصف شهادته كما هو ذائع لدى العامة إلا أنها أُختصت وحدها دون غيرها في أمور بعينها بشهادتها منفردة بلا منازع.

ميراث المرأة

أما عن ميراث المرأة لنصف ما يَرثّه الرجل ، فإن المرأة ترث بنصيب أكبر من الرجل في حالات متعددة تصل لأكثر من ثلاثة وعشرين موضعاً . فلما إغفال ذلك والإكتراث فقط بحالات محدودة. ولهذا يجدر السؤال… ماذا أراد ذلك الشيخ بكلامه هذا عن المرأة ، هل التحقير والإقلال ، أم أراد إثارة تقليب هن على هؤلاء ، أم أن الهدف والمقصد الأساسي هو دعاية إعلامية تتسم بالخسة هدفها البلبلة وكثرة اللغط .لذا أقول أخيراً لمن يقول ( وليس الذكر كالأنثى ) …… بالفعل . الذكر ليس كالأنثى.

كوني أنثى

  • فكوني أنثى …… فهذا أعتز وافتخر
  • كوني أنثى …… فذاك عنوان للشرف والطُهر
  • كوني أنثى …… فأنا عصيّه على الهدم والظَفَر
  • كوني أنثى …… فأنا كالجبال شامخة والدهر
  • كوني أنثي …… فأنا أبيّه على الكسرِ والمِحن
  • كوني أنثى …… فأنا للمكان والزمان كالعُدّة والمُؤن
  • كوني أنثى …… فبإرادتي لست مفعولة بل فاعلة
  • كوني أنثى …… فبعقلي بانيةٌ وبحدس قلبي مبصرةٌ وصائبةٌ
  • كوني أنثى …… فقد حباني الإله في عُلاه بإقران ذكري في آية وحدانيته

بقلم: دكتورة فاتن ناظر

 

 

أضف تعليقك هنا