جنين أسطورة المدن العربية وحاضنة المقاومة

استهلت إسرائيل شن غاراتها بطائرات مسيرة، تجد قوات الإحتلال الإسرائيلية نفسها في جحيم المخيم، لتتصاعد المعارك بالأسلحة في شوارعه، من جديد عادت مدينة جنين الفلسطينية ومخيمها إلى الواجهة، الجيش الإسرائيلي يشن عملية عسكرية موسعة في المخيم أسماها عملية “المنزل والحديقة”.

جنين محافظة فلسطينية

في عام 1949، كانت جنين تخضع لحكم الإدارة الأردنية، مثلها مثل باقي أنحاء الضفة الغربية التي انضوت في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية، وفي عام 1964، أصبحت مركزا للواء جنين التابع لمحافظة نابلس، الا انها بقيت المدينة تحت الحكم الأردني حتى احتلالها من قبل إسرائيل خلال حرب عام 1967.

كان العام 1953 شاهداً على إنشاء مخيم جنين ضمن حدود بلدية جنين، حيث يعيش 27 الف فلسطيني على مساحة من الأرض تبلغ نصف كم مربع، ينحدرون من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، الذين نزحوا خلال الحرب التي استمرت من عام 1948 إلى عام 1949 في أعقاب إعلان قيام دولة إسرائيل. عام 1995، شهد خضوع مدينة جنين لإدارة السلطة الفلسطينية التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق غزة-أريحا، فأصبحت مدينة جنين منذ ذلك الحين مركزا لمحافظة جنين.

الصراعات التي شهدتها مدينة جنين

شهدت جنين ومخيمها الكثير من الصراعات المسلحة، مثلها مثل باقي الأراضي الفلسطينية، خلال الإنتفاضات الفلسطينية الأولى عام 1987 والثانية عام 2002. في أبريل/نيسان عام 2002، وفي أعقاب عملية تفجير فندق بمدينة نتانيا داخل إسرائيل، شهد المخيم حصار القوات الإسرائيلية له، والذي وصفه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بـ “جنين غراد”، نسبة إلى حصار مدينة ستالينغراد الروسية التي صمدت أمام الحصار الألماني الطويل لها خلال الحرب العالمية الثانية، لتشن شنت قوات الإحتلال الإسرائيلية اجتياحا شاملا استمر 10 أيام، فيما عرف بـ “معركة جنين”، ليسفر عن مصرع ما لا يقل عن 52 مسلحا ومدنيا فلسطينيا و23 جنديا إسرائيليا.

عملية “السور الواقي”، تلك أسفرت عن تدمير 150 بناية، في حين أصبح العديد من المباني الأخرى غير صالح للعيش فيه، وهو ما أدى إلى أن أصبحت حوالي 435 عائلة بلا مأوى. وبعد مقاومة عنيفة وضارية من المجاهدين لعدة أيام، استطاع العدو تشخيص المكان الذي يتواجد فيه قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وأحد ابرز قادة معركة الدفاع عن مخيم جنين، محمود طوالبة، عقب الكمين البطولي الذي نفذه المجاهدون الأبطال ضد جنود الاحتلال، وقُتل فيه على الفور 13 جندي إسرائيليا وأصيب 7 آخرون، وقد ارتفع عدد القتلى لاحقاً إلى خمسة عشر جندياً باعتراف العدو، بعد هذه العملية البطولية النوعية والجريئة صب العدو جحيم ناره بصواريخ الأباتشي ومدافع الدبابات على المكان الذي تواجد فيه القائد محمود طوالبة مع عشرات المجاهدين، مما أسفر عن قتله مع العديد من إخوانه الأبطال.

في ذلك الوقت أشارت مصادر الحكومة الإسرائيلية الى وقوع معركة شديدة في جنين، مما اضطر جنود الجيش الإسرائيلي إلى القتال بين المنازل، بينما تشير مصادر السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى أن القوات الإسرائيلية أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين قامت بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية. مع ذلك كان تقرير الامم المتحدة عن المجزرة منحاز بشكل واضح للكيان الصهيوني، حيث ساوا بين الطرفين من حيث القوة العسكرية، ووصفهما كأنهما خصمان في ساحة حرب.

مدينة جنين تشكل خطراً على الوجود الإسرائيلي

في عام 2021، ومع ظهور جماعة مسلحة جديدة أطلقت على نفسها “كتيبة جنين” وتضم عناصر من تنظيمات الجهاد الإسلامي وحركتي فتح وحماس، إضافة إلى عناصر لا تنتمي إلى أي تنظيمات سياسية، عاد مخيم جنين الى الواجهة من جديد. لم يكن احد يعلم ان جميل العموري، الذي اغتالته إسرائيل في 10 يونيو/ حزيران عام 2021، داخل المخيم، هو مؤسس “كتيبة جنين” والمعروف انه قيادي بارز في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

لم يكن الكابوس الذي تمثله جنين للصهاينة مجرد كابوس عادي، فكانت مدينة جنين ومخيمها وقراها أحد الأهداف الأساسية لعملية “كاسر الأمواج” التي أطلقتها إسرائيل في بداية أبريل/نيسان 2022 بعد سلسلة هجمات نفّذها فلسطينيون في إسرائيل والضفة الغربية. وفي 11 مايو/أيار من العام ذاته، قتل جندي إسرائيلي بإيعاز من قادته شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة الإخبارية القطرية بالرصاص أثناء مداهمة نفذها الجيش الإسرائيلي عند أطراف مخيم جنين.

موقع ومساحة مدينة جنين 

تعد جنين مركز محافظة جنين وأكبر مدنها، تقع في شمال الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية، وتعتبر تاريخيا، إحدى مدن المثلث في شمال فلسطين، وتبعد عن القدس مسافة 75 كيلومترا إلى الشمال، وتطل على غور الأردن من ناحية الشرق، ومرج بن عامر إلى جهة الشمال.

تصل مساحة مدينة جنين وحدها إلى 21,000 دونم، مما يجعلها خامس أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية بعد مدن الخليل ونابلس وطولكرم ويطا، بينما تبلغ مساحة محافظة جنين 583 كيلومترا مربعا أي 9,7% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية، فيما يقع مخيم جنين إلى الجانب الغربي لمدينة جنين، وفي أطراف مرج بن عامر، ويعد ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة ويسكنه ما يقارب 27 ألف، وتحيط به مرتفعات ويمر بوادي الجدي، إضافة إلى منطقة سهلية مكتظة، تعرف باسم «منطقة الساحل»، وتقدر مساحة المخيم عند الإنشاء حوالي 372 دونماً، واتسعت إلى حوالي 473 دونماً.

مقاومة جنين للانتداب البريطاني والإسرئيلي

عام 1935: نظمت أول مقاومة مسلحة بقيادة عز الدين القسَّام، أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني آنذاك، الذي وجد في جنين حاضنة شعبية من الفلاحين تؤمن بالثورة وتدعمها. تعرضت جنين أبان فترة الانتداب البريطاني إلى كثير من أعمال العنف، والتنكيل، والتخريب، وهدم البيوت على أيدي القوات البريطانية، نتيجة لبعض الحوادث، مثل: قتل حاكم جنين “موفيت” في عام 1938م.

وفي 14 مايو 1948م تركها الإنجليز، مما دفع اليهود بمحاولة فشلت في السيطرة على المدينة أمام صمود المقاتلين الفلسطينيين بمساعدة الجنود العراقيين، وبعد توقيع الهدنة عام1949م هاجم الفلسطينيون والعراقيون مواقع اليهود واستطاعوا استرداد عدد من القرى، مثل: فقوعة، وعرابة، والمقيبلة، وصندلة، وجلمة، وغيرها.

في ديسمبر/كانون الأول 1987 عندما اندلعت الاحتجاجات والمظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة، قاوم سكان جنين، ففشل الجيش الإسرائيلي مع سياراته المصفحة في اقتحام المخيم لمدة 60 يومًا بسبب المقاومة الشرسة”، إلى ان تمكن الجيش أخيرًا من اقتحام المخيم في فبراير/شباط 1988.

الحصار الإسرائيلي على مخيم جنين عام 2002

وفي أثناء الانتفاضة الثانية، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين كجزء مما أسماه “عملية الدرع الواقي”، ففي أبريل/نيسان 2002 حاصر الجيش الإسرائيلي المخيم وقطع عنه المياه والطعام والكهرباء ومنع دخول المواد الطبية قبل تفجيره بطائرات إف-16 وقذائف المدفعية. تسببت العملية في استشهاد عشرات الفلسطينيين وتدمير عشرات المنازل ونزوح آلاف السكان، وأصبحت رمزًا مهمًا للقمع الإسرائيلي والصمود الفلسطيني.

اقتحامات ومقاومات ما بين جنين وإسرائيل 

في 2 مارس/آذار 2021، استشهد 3 فلسطينيين بعد اشتباكهم مع قوات الاحتلال وأدت تلك الاشتباكات لإصابة 4 من جنود الاحتلال، وفي أغسطس/آب 2021، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وآلياتها العسكرية مدينة جنين بُغية اعتقال أحد عناصر حركة حماس، ووقع اشتباك مسلح مع مجموعة من المقاومين، أسفر عن استشهاد 4 شباب فلسطينيين من المدينة ومخيمها، قبل أن يخرج جنود الاحتلال من المخيم تحت غطاء كثيف من إطلاق الرصاص الحي لحماية أنفسهم.

في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقعت عملية إطلاق نار نفَّذها الفلسطيني الجنيني ضياء حمارشة (27 عاما)، وأسفرت عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 6 آخرين، وفي السابع أبريل/نيسان 2022، خرج الشاب رعد حازم (29 عاما) من منزله بمخيم جنين شمال الضفة الغربية حتى وصل إلى شارع ديزنغوف، المسمى على اسم مؤسس تل أبيب مائير ديزنغوف، ليترك خلفه 5 من القتلى و6 جرحى، وشهد الشارع بعض أشهر العمليات الفدائية التي قتل فيها ما لا يقل عن 40 إسرائيليا.

برقين وجنين جنباً إلى جنب ضد الاحتلال الإسرئيلي

وعند الحديث عن جنين ومخيمها لا بد من الحديث عن برقين، التي شكلت ولا تزال، بحكم ارتباطها الجغرافي مع مدينة جنين ولا سيما مخيمها (مخيم جنين)، ذراعها الأقوى الذي تتكئ عليه ليس في مقاومة الاحتلال وصد اعتداءاته فحسب، بل تصدرت النضال وخرَّجت مقاومين وشكلت حاضنة لهم من داخلها ولمن يستجير بها من خارجها. واليوم، ما زال مخيم جنين واحدًا من مراكز المقاومة القليلة المشتعلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأحد المناطق النادرة التي تتمتع بالوحدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة بمن فيهم فتح وحماس.

فيديو مقال جنين أسطورة المدن العربية وحاضنة المقاومة

 

https://youtu.be/xcJr-3y_6qw

أضف تعليقك هنا