ورقات بحثية حول موضوع: نظرية مالتس في الديموغرافيا.

بقلم: الأستاذ محمد بوداس

مقدمة

يقول أحد الباحثين ما يلي: “يعتبر مالتس من صنف البشر المغرق في التشاؤم”[1]. لكن التساؤل المطروح هو: ما فحوى هذا الحكم؟ وهل حقا مالتس كان متشائما؟ وإن كان فكيف ذلك؟ وهل هذا التشاؤم مرتبط بطبيعة شخصية مالتس، أم له علاقة بالسياق والفترة التي عاش فيها مالتس؟

1) النظرية المالتوسية

إن النظرية المالتوسية[2] في الديموغرافيا (السكان) لها باع طويل، ذاك الباع الذي تركته حتى في علم الاقتصاد وعلوم أخرى، فالعديد من الباحثين يرون في مالتس والمالتوسية أحد أعمدة الفكر الرأسمالي، فبعد إن عمل الأب الروحي للرأسمالية أدم سميث[3] على وضع الأسس الكبرى لهذه المدرسة، جاء العديد من الباحثين من بعده لشرح وتطوير هذه المدرسة (الرأسمالية).

لقد كان مالتس من بين العلماء الذين عملوا على شرح أفكار أدم سميث، وهذا الأمر مرتبط أساسا بالغموض الذي تركه أدم سميث في نظريته، هذه النظرية حسب الباحثين كانت في حاجة ماسة إلى الشرح والتفسير وكذلك التطوير، وهذا ما فعله العديد من رواد الفكر الاقتصادي بعد أدم سميث[4].

إن انشغال مالتس بالاقتصاد لا يعني عدم وجود أبحاث له في التاريخ والديمغرافيا، فقد وضع وبرع هذا المفكر في وضع “نظرية سكانية” غاية في الأهمية، حيث ظلت بمثابة المرجع الأساس في مسألة تنظيم السكان، وكذاك مراقبة مدى تكاثر السكان من جهة ومدى تأثير هذا التكاثر على الموارد من جهة أخرى. لذلك فهناك العديد من الباحثين من يصف مالتس بأب التنظيم السكاني خلال القرن الثامن عشر.

2) مالتس في سطور

توماس مالتس (T-MALTHUS-1834-1766): هو رجل كنيسة كسب شهرته من خلال كتابه “بحث حول قانون السكان” الصادر عام (1798)[5]، فبالرغم من كون مالتس كتَبَ مُؤلفات أخري أكثر أهمية ، من قبيل كتاب “مبادئ في الاقتصاد السياسي”؛ هذا الكتب الذي يعتبر حسب الباحثين في علم الاقتصاد أهم كتاب له، لكن مالتس حصل على شهرته من خلال بحثه حول قانون السكان.

يعتبر توماس مالتس من بين المفكرين الذين اهتموا بالتنظير للاقتصاد السياسي، وكذلك الفكر الرأسمالي، فإلى جانب أب المدرسة الرأسمالي أدم سميث، سعى توماس مالتس ودافيد ريكاردو وستيوارت ميل للتنظير لهذه المدرسة (الرأسمالية).

3) السياق التاريخي للفكر المالتوسي

يقال دائما “الانسان ابن بيئته”، وهذا القول ينطبق على شخصية العديد من المفكرين ومالتس ليس استثناء، فالفكر المالتوسي متأثر بالوضعية العامة لأوروبا عامة وبريطانيا خاصة خلال القرن الثامن عشر. يقول أحد الباحثين حول مسألة تأثر الفكر المالتوسي بالوضعية العامة لأوروبا خلال القرن الثامن عشر: “يظهر الفكر المالتوسي  منسجما مع عصره ويندرج ضمن مخلفات انعكاسات الثورة الفرنسية التي أدت إلى ردود فعل محافظة من طرف الفئات الانجليزية الميسورة والتي كانت تعتبر أن قوانين مد العون للفقراء، في إنجلترا سنة 1795م، قوانين تتقل كاهلها وترهقها وتكلفها وحدها على المستوى المالي”.

إن مالتس باعتباره من منظري المجتمع البورجوازي الرأسمالي الانجليزي أنداك، قد حاول التنظير بلسان باحث رأسمالي، خصوصا وأن إنجلترا كانت هي موطن الفكر الرأسمالي مع أدم سميث، لذلك فحتى أبحاث توماس مالتس لم تخرج عن بوتقة الرأسمالية.

لقد احتل مالتس مكانة مرموقة على صعيد النقاش والجدال الذي دار داخل المدرسة التقليدية (الرأسمالية). فالثورة الفرنسية الكبرى عام 1789م، والتي جاءت بالعديد من المتغيرات سواء سياسيا، اجتماعيا وفكريا…حيث سيتم القضاء النهائي على الاقطاعية التي سيطرت على أوروبا منذ العصور الوسطى، كما ستعمل الثورة الفرنسية على كسر شأفت الطغمة المسيطرة أنداك[6]؛ من خلال حملة من الإعدامات قادها رواد المرحلة الارهابية[7]، وبالتالي فالثورة الفرنسية ومخرجاتها المتمثلة في شعارها الثوري[8]، قد أنهك أوربا وقِواها العجوز أنداك، حيث شعرت الدول ذات الأنظمة الملكية التقليدية (النمسا مثلا…) بخوف من مخرجات الثورة، لذلك سيعمل رواد لفكر البورجوازي على محاولة تشويه أو طمس مبادئ الثورة الفرنسية، ولعل توماس مالتس لواحد منهم[9]. لقد كانت بريطانيا ذات نظام ملكي، وكان المجتمع بطبيعة الحال مقسما إلى طبقات، حيث كان البورجوازيين هم المسيطرين على كافة جوانب الحياة في بريطانيا (فكريا، اقتصاديا، سياسيا…)، لذلك سنجد مجموعة من المنظرين في كافة الميادين يحاولون تبرير تصرفات وأفكار البورجوازية، وكذلك يعملون على التنظير للفكر الرأسمالي[10].

إن النظرية “المالتوسية” في  “السكان”؛ جاءت نتيجة ظروف تاريخية محددة، حيث بنية وشكل الانتاج انتقل من “المدرسة الرأسمالية التجارية” إلى مدرسة جديدة، وكذلك بنية انتاجية جديدة؛ تمثلت في “الثورة الصناعية الأولى”، والتي رافقها على المستوى النظري مدرسة تسمى ب“المدرسة الرأسمالية الليبيرالية”، هذه الثورة التي يمكن القول عنها؛ أنها تلك التغيرات المختلفة التي مست الأدوات المستعملة في الانتاج، وأثرت في العقلية والبنية المجتمعية فيما بعد.

4) النظرية المالتوسية في الديموغرافيا

أ) الديموغرافيا

تتعدد وتختلف تعريفات مفهوم الديموغرافيا باختلاف المدارس والمرجعيات الفكرية، لكن عموما يمكن القول أن الديموغرافيا هي: “التاريخ الطبيعي والاجتماعي للبشرية…”. وكذلك يمكن القول أنها: “علم إحصائي يهتم بتوزيع وتركيب السكان وتزايدهم من حلال المواليد، وكذلك تناقصهم من خلال الوفيات.

هناك كذلك من يعتبر الديموغرافيا على أنها: “العلم الذي يقوم بالدراسة الكمية للسكان والمجتمعات البشرية وتطورها…”

إن للديموغرافيا امتدادات مع باقي العلوم الأخرى، حيث نجد المؤرخ أثناء بحثه عن موضوع معين (موضوع تاريخي؛ معركة، حدث تاريخي، هجرات تاريخية…)، مهتما بالجانب الديموغرافي (السكاني) وذلك نظرا لما لهذا العامل من تأثير في سير الأحداث التاريخية؛ فمثلا السياسة الهيتليرية (نسبة إلى الزعيم النازي أدولف هيتلر) لا يمكن فهمها إلا بربطها بالجانب الديموغرافي لألمانيا ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث سنجد المجتمع الألماني (السكان) حولي 80 مليون نسمة، وبالتالي فهذا العدد الهائل برؤية ذاك الزمن له دور كبير في السياسة التوسعية لألمانيا أنداك[11].

لِعلم الديموغرافيا علالقة جد وطيدة مع علم الاجتماع؛ هذا العلم الذي يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية، لذلك فهو يعتمد على المعطيات الكمية للسكان لأجل دراسته، وهذا هو ما تقدمه الديموغرافيا لعم الاجتماع (معطيات كمية حول السكان من خلال الاحصاءات).

ب) فحوى النظرية السكانية المالتوسة

استطاع مالتيس تسلق سلم الشهرة كما قال، عبر نشره لبحث في قانون السكان. كانت الطبعة الأولى الصادرة سنة 1798م طبعة مجهولة المصدر، حيث كان يخاف الرجة التي ستحدثها أفكار تتعلق بموضوع حساس[12]. لكن السؤال المطروح هو: ما فحوى هذا المقال؟ وما هي الفكرة الأساسية التي يتضمنها هذا المقال وفكر مالتيس عامة حول الديموغرافيا؟

لقد صاغ مالتس نظريته تقول أن وتيرة التكاثر الديموغرافي أو السكاني في تزايدها تسبق الموارد والمحاصيل الزراعية والمنتوجات الغذائية المتوفرة والمحصل عليها.

كان مالتس يرى أن هذا الأمر (التفاوت بين التكاثر السكاني والمحاصيل والغذاء) سيسبب في اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة والغذاء وتوفره من جهة أخرى، مما سيسبب في كوارث اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وأمية وجوع…والسبب الرئيسي لهذا الأمر في الفكر المالتوسي هو أن البشر يتكاثرون كل 25 سنة وفقا للمتتالية الأتية (1-2-4-8-16-32-64…)؛ أي أن عدد السكان في تضاعف مُستمر، وسوف تستمر هذه الزيادات مالم يقف عائق معين ليُوقِف هذا الأمل مثل المجاعات، الأوبئة والحروب…

لقد حلل مالتس أحد ميكانيزمات التزايد السكاني، وفي نظره إذا كان عدد العمال أكثر من مناصب الشغل في السوق فإن ثمن سيميل للانخفاض، وفي الوقت نفسه ستتزايد أسعار المواد الغذائية[13]، وفي هذه الحالة يجب على العامل الاشتغال ضعف الوقت ليحصل على المال ليصد حاجياته المعيشية…

نَبأَ مالتس البشرية برؤية تشاؤمية، حيث إذا استمر السكان في التكاثر بنفس الوتيرة فسوف تسير الأمور للهلاك، لذلك فهو دعا إلى تدارك الأمور، ودعا الدولة إلى ضرورة وضع قوانين تمنع الفقراء من التكاثر[14]،وإن لم يستجيب المجتمع لهذه القوانين (خصوصا الفقراء) فإن القوانين الطبيعية ستفعل فعلها لأجل إعادة التوازن المطلوب وإرجاع الأمور إلى نِصَابِها، وذلك عبر تفشي الأمراض والمجاعات وكثرة الحروب والفتن بين الناس التي تأتي استجابا للغريزة الانسانية[15].

إن مالتس يبرئ كل التبريئ الدولة من تحمل المسؤولية تجاه حال الفقراء، بل يدعوها لرفع يدها عن تقديم أي مساعدة كيف ما كانت للفقراء ولأبناء الطبقات الكادحة، لكن السؤال المطروح لماذا مالتس ينادي بعدم تدخل الدولة لمساعدة الفقراء؟

من الصعب بما كان الجواب على هذا السؤال، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة دقيقة للبيئة التي عاش فيها المفكر، وكذلك الوسط الذي تربى وينحدر منه. لقد بينا في البداية أن مالتس ينحدر من الطبقات الغنية في المجتمع الانجليزي أنداك، وقلنا أن القرن الثامن عشر هو قرن زوبعة الثورة الفرنسية، وأكدنا أن بريطانيا كانت ذات حكم ملكي، وقلنا أن مالتس كان يتحدث ويحلل بلسان الطبقة البورجوازية الانجليزية، لذلك فهو يرى عدو الفقراء هو أنفسهم، وأن قانون الثورة الفرنسية المتمثل في دعم الدولة للفقراء هو شر لا مثيل له، لذلك فقد رأى في هذه الثورة الدمار الذي سوف يهدد أوروبا والعالم.

إن الفقر في رأي مالتس ليس مسألة حتمية قدرية، وإنما الناس هم من يخترون الفقر والمعاناة لذلك يجب تركهم وحالهم كي يتمتعون بالفقر الذي اختاره هؤلاء أنفسهم.

لقد كانت الدعوة المالتوسية تحظى بإعجاب الطبقة البورجوازية، وفي المقابل كانت بمثابة الظلام الدامس على الطبقات الفقيرة والكادحة؛ لأنها كانت تُفسر الفقر كناتج عن غلط الفقراء وعلى هؤلاء أن لا يتزوجوا وأن لا يُخلفوا، فسلوكهم هو الذي يولد المتاعب والقلاقل الاجتماعية. فطبيعة وضعف البشر هما اللذان يخلقان الفقر ويعممانه. وعليه تحقيق أي تحسن للوضعية الاجتماعية إلا بتغيير السلوك الانساني وليس بواسطة تدخل الدولة[16].

5) النظرية السكانية المالتوسية والانتقادات الموجهة لها

كجميع المفكرين، لقد أصاب مالتس في العديد من الجوانب، كما أنه ساهم إلى جانب علماء أخرين في تطور العلوم خصوصا علم الاقتصاد، كما أنه ساهم من خلال أبحاثه في إعادة النظر في مجموعة من الجوانب التي تؤثر وتسبب في ظهور ظواهر اجتماعية معينة…

إن المفكرين الكِبار يُصيبون في العديد من القضايا، يتركون إرث فكري غني، هذا الإرث يكون محطة نقاش فيما بعد. مالتس كمفكر كبير صاحب إرث فكري غني، هذا الإرث تعرض  للدراسة، الشرح، والنقد فيما بعد، ومن هذا المُنطلق نطرح السؤال الأتي:

ما هي أهم الجوانب التي تعرضت للنقد من فكر توماس مالتس؟

لقد قلنا في البداية أن مالتس منظر ومفكر داخل المظلة الرأسمالية، هذه المدرسة الاقتصادية التي ظهرت ونضجت مع “أدم سميث” صاحب الكتاب الشهير “ثروة الأمم” الذي صدر عام 1776م، وبالتالي فالمدرسة الرأسمالية تعرضت للنقد كثير من طرف مدارس أخرى، سواء من رواد الفكر الرأسمالي أنفسهم[17] أو مدارس مغايرة كالمدرسة الاشتراكية بمختلف تياراتها.[18]

6) خاتمة

للنظرية المالتوسية باع طويل في علم الديموغرافيا (السكان) ، ذاك الباع الذي تركته حتى في علم الاقتصاد وعلوم أخرى، فالعديد من الباحثين يرون في مالتس والمالتوسية أحد أعمدة الفكر الرأسمالي، فبعد إن عمل الأب الروحي للرأسمالية أدم سميث على وضع الأسس الكبرى لهذه المدرسة، جاء العديد من الباحثين من بعده لشرح وتطوير هذه المدرسة (الرأسمالية)، ومالتس نفسه قام بهذه المُهمة؛ شرح وتطوير أفكار ونظريات المدرسة الرأسمالية.

  1. محمد المرغدي، المعطي سهيل، مقدمات في علم الاقتصاد، الكتاب الأول، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1994، ص.130.
  2. المالتوسة: هي نظرية وضعها العالم الانجليزي “مالتس” خلال القرن الثامن عشر، وهي أساسا مرتبطة بالاقتصاد، لكن لها امتدادات في علم التاريخ وعلم الجغرافيا…وعلوم أخرى.
  3. أدم سميث (1723-1779) صاحب الكتاب الشهير “أبحاث حول طبيعة وأسباب ثروة الأمم” الصادر عام 1776م. ويعتبر أدم سميث الأب الروحي للفكر الرأسمالي، حيث طور أفكار المدرسة الفيزيوقراطية (الطبيعية) التي سادت الفكر الاقتصادي قبل الرأسمالية. لقد بقيت أفكار «أدم سميث” هي المتحكمة في الاقتصاد حتى مجيء “جون مينيهارد كينز” في القرن 20م، لتعرف المدرسة الرأسمالية مجموعة من التغيرات مست أساسا موضوع “دور الدولة في الاقتصاد”
  4. يعتبر كل من “مالتس” و”جون ستيوارت ميل” و دافيد ركاردو” من بين شراح ومفسري نظرية “أدم سميث” في الفكر الاقتصادي.
  5. محمد لمرغدي، المعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.102.
  6. المقصود هنا هو الطبقة الاقطاعية؛ هذه الطبقة التي كانت تتوارث المناصِب بفرنسا قبل ثورة عام 1789، وكذلك الملكية وعائلتها…رجال الدين الذين استغلوا الوضع المتمثل في تحالف الملكية كمؤسسة سياسية والكنيسة كمؤسسة دينية روحية. والثورة الفرنسية ستقوم بإصدار مجموعة من المراسيم لفصل المؤسستين كل على حدا، وكذلك كسر شأفت الطبقة الاقطاعية المسيطرة أنداك…
  7. لقد مرت الثورة الفرنسية بثلاث مراحل كبرى: مرحلة حُكومة الإدارة، مرحلة عهد الارهاب، مرحلة المؤتمر الوطني. وقد كانت مرحلة عهد الارهاب من أصعب هذه المراحل؛ حيث ظهرت “محكمة الثورة” التي ستعدم العديد من الرجال والنساء الذين اتهموا بأعداء الثورة.
  8. يتم اختزال شعار الثورة الفرنسية في المبادئ الأتية: “الحرية-المساواة-الأخوة”.
  9. لقد جاءت الأطروحة الماركسية فيما بعد، كمحاولة لنقد الاقتصاد السياسي البورجوازي عند “توماس مالتس” وأخرين، وقد اعتبر “كارل ماركس” مؤسس المدرسة الماركسية (الاشتراكية العلمية) “توماس مالتس” من بين رواد المدرسة البورجوازية الرأسمالية.
  10. يعتبر كل من “أدم سميث” و”توماس مالتس” و”دافيد ريكاردو” من بين منظري الفكر البورجوازي البريطاني خلال القرن الثامن عشر.
  11. سيعتمد الألمان على التوسع خلال مرحلة الثلاثينيات من القرن العشرين، وذلك تماشيا مع سياسة “المجال الحيوي”، والتي ستكون بمثابة المُبرر الأساس للتوسع على حساب دول الجوار، وذلك لأجل ضمان حق الشعب الألماني في العيش الذي يعرف نموا ديموغرافيا مرتفعا جدا أنداك؛ حوالي 80 مليون نسمة.
  12. محمد لمرغدي، المعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.131.
  13. محمد لمرغدي، المعطي سهيل، نفسه، ص.132.
  14. إن الفكر الاقتصادي في هذه المرحلة، كان يلُوم الفقراء والطبقات المعوِزة على الحال الذي يعيشون فيه؛ أي أن الفقراء هم من يخترون حالهم وهم من أرادوا أن يكونوا فقراء…لكن فيما بعد سوف تظهر مدارس ستحاول تشخيص الأمر بنوع من العقلنة والتحليل، حيث سيتم البحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت المجتمعات عبر التاريخ تنقسم إلى طبقات اجتماعية، وفي هذا السياق جاءت اجتهادات المدارس الاشتراكية عامة، خصوصا المدرسة “الاشتراكية العلمية”، التي سوف تظهر مع كل من “كارل ماركس” و”فريدريك أنجلز”؛ هذه المدرسة التي سوف تؤثر في التحليلات الاقتصادية فيما بعد، وسوف تؤثر حتى في المدرسة “الرأسمالية الليبيرالية” نفسها، ولعل أفكار المفكر الرأسمالي “جون مينارد كينز JOHN-M-KEYNES” الذي عرف بنظرية “الطلب والتشغيل الفعال”، حيث جاءت هذه النظرية كمحاولة لحل لأزمة النظام الرأسمالي عام 1929م، وقد كانت هذه النظرية متأثرة بالمدرسة “الاشتراكية” خصوصا في مسألة “تدخل الدولة” في الاقتصاد.
  15. مسألة الغريزة الانسانية التي تنزع  للشر مسألة متجذرة في الفكر الانساني، فمنذ أفلاطون وهذه الفكرة في تطور وتقدم مطردين، حيث سوف تنضج مع المفكر الإيطالي “ماكيافيلي” صاحب كتاب “الأمير”، وكذلك سنجد هده الفكرة عند رواد الفكر الإنجليزي من قبيل: “طوماس هوبس” صاحب كتاب “الليفياتان”، حيث يرى أن الناس أشرار وينزعون للشر بالغريزة لذلك يجب أن يتم حكم الناس بالشر كرد عن شرهم الطبيعي والداخلي في ذواتهم.
  16. محمد لمرغدي، المعطي سهيل، المرجع مذكور، ص.130.
  17. يعتبر “جون مينيهارد كينز” من أبرز المفكرين الليبيراليين الذين انتقدوا أفكار “أدم سميث”، خصوصا مسألة “اليد الخافية”؛ هذه الفكرة التي نحتها المفكر الاسكتلندي “أدم سميث” التي تقول أن “المصلحة العامة وليدة المصلحة الخاصة”، وبالتالي فهذه الفكرة كانت من بين أسباب التي جعلت النظام الرأسمالي يسقط في أزمات اقتصادية حسب “ج-م-كينز”؛ لعل أبرزها أزمة 1929، و”ج-م-كينز” دعا إلى تجاوز هذه الفكرة. هناك فكرة أخرى تعرضت للنقد من طرف “ج-م-كينز” وهي مسألة “دور الدولة في الاقتصاد”، ف”أدم سميث” يرى ويدعو إلى عدم تدخل الدولة في دورة الاقتصاد، وهذا في رأي “ج-م-كينز” هو سبب الأزمات الاقتصادية التي عرفها النظام الرأسمالي، ودعا “ج-م-كينز” الدولة إلى التدخل الفعال في الاقتصاد، وهذه الفكرة كما قلنا في البداية تعود جذورها إلى المدرسة “الاشتراكية العلمية”؛ التي نادت بالتدخل المطلق للدولة لتوزيع الثروات بين أفراد المجتمع بالتساوي، وبالتالي يمكن القول أن الفكر “الرأسمالي” تأثر كثير أثناء تطوه بمدارس اقتصادية أخرى، ولعل المدرسة الاشتراكية لأبرز هذه المدارس.
  18. لقد عمل كل من رواد “المدرسة الطوباوية”و”المدرسة الأناركية” و”المدرسة الاشتراكية العلمية”، توجيه انتقادات “للمدرسة الليبيرالية”، حيث وجدنا كل من: “روبرت أوين 1771-1885” الذي حاول تأسيس لنموذج اقتصادي عملي مغاير للنموذج الرأسمالي. كما عمل “سان سيمون 1760-1825” على توجيه ضربات نقدية لرواد الفكر الرأسمالي. وجاء كذلك المفكر “سيسموند دو سيسموندي 1773-1842” الذي عمل على دحض أفكار الرأسمالين…ثم كذلك “فاييتلينك”؛ هذا المفكر الألملني الذي حاول توجيه نقدا إيديولوجيا للمجتمع البورجوازي الألماني. كما علمل المفكر والثوري الروسي الشهير “جوزيف برودون 1809-1865” على ردع الهراطقة البورجوازيين على حد تعبيره. لكن التجربة النقدية سوف تنضج وتصبح حقيقية جدا مع كل من “كارل ماركس 1818-188” وكذلك رفيق دربه “فريدريك أنجلز…

بقلم: الأستاذ محمد بوداس

 

أضف تعليقك هنا