مع مطلع العام الهجري الجديد1445

بقلم: عمر الشركي عبودة

باسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على أشرف المرسلين.

فضل الهجرة في سبيل الله

تذكرنا بداية السنة الهجرية بحدث جلل في تاريخ الأمة الإسلامية، ألا وهو الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، هذه الهجرة التي كان لها الأثر الكبير لما بعدها من تأسيس وتثبيت واستمرار في الدعوة إلى الإسلام وما جاء به من خير وسعادة حقيقيين تصبو لهما البشرية، وقد بين الشرع الحكيم فضل وعظم أجر المهاجر في سبيل الله لما لها الهجرة من أثر نفسي واجتماعي ومادي كبير عليه من ترك الوطن والمتاع والأهل والمال والصبر على مصاعب الغربة والانتقال.. فكان الجزاء الإلهي عليها عظيما.. وقد أخذت معاني الهجرة مناحي أخرى في حياة المسلم خصوصا بعد مضي هذا الحدث الجليل، وكيف ينال مسلم اليوم أجرها وهو بعيد زمانا ومكانا عنها. من هنا ظهرت معان أخرى للهجرة تحقق نفس المقصد وهو رضى الله وفي سبيل الله، ولعل من أبرزها هجرة المعاصي والذنوب وأصحابها وكل ما نهى عنه الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم..

حياتنا عبارة عن هجرة 

المعنى الآخر الذي أود التركيز عليه للهجرة هو الذي يرتبط بحياة كل واحد فينا، فمعنى الهجرة أي الانتقال من إلى يعني من مكان إلى آخر، هذا المعنى يعيشه كل فرد فينا في هذه الحياة، فإذا تأملنا أنفسنا وحياتنا اليومية، وحركة الإنسانية جمعاء، سنجد أننا نعيش حياة لا سكون ولا استقرار فيها، كل حياتنا رحلات، وكل مراحل نمو الإنسان رحلة طالت أم قصرت. وكل رحلة تحدث طواعية من تلقاء نفسها، أي نحن جبرون عليها وليس لنا الاختيار حيالها. فالإنسان منذ أن يولد وهو يرحل؛ أولا يرحل من بطن أمه ومن حُضن أمه ومن حياته الخاصة التي تدوم تسعة أشهر قد تنقص إلى بيت الأسرة ليعيش حياة جديدة، وهو ينتقل دائما من بيت إلى بيت آخر في زيارات عائلية، ويرحل من البيت إلى المدرسة، ثم إلى الجامعة وقد تكون بعيدة فيسكن مؤقتا في حي جامعي، ثم يرحل من البيت إلى العمل كل صباح، وقد تكون هذه الرحلة لوقت أطول شهرا أو أشهرا فيهاجر بحثا عن لقمة العيش وحياة أفضل، وهناك من يرحل من أجل العمل لسنوات و قد يغير مقر سكناه و ينتقل ويرحل إلى مكان آخر بعيد. ويرحل الشاب من بيت أمه وأبيه إلى بيته الخاص بعد الزواج، و ترحل الفتاة إلى بيت زوجها بيتها الجديد، و يرحل الناس كثيرا من أجل السياحة و الاستمتاع، و يرحل و يرحل و يرحل الإنسان، فهو في هجرة و رحلة دائمة… و من الناس من يرحل و يسافر بفكره و خياله و تأمله إلى أماكن أبعد مما رحل إليها في حياته .

و تبقى أعظم رحلة و هي آخر رحلة في حياة الإنسان حينما يرحل من هذه الدنيا إلى عالم جديد، العالم الآخر، يرحل من الدنيا إلى الآخرة، وذلك بعد الموت ينتقل الإنسان من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، من رحلة الاختبار والامتحان والعمل إلى مرحلة الجزاء والحساب والنتيجة. والذكي الفطن الذي عمل بجد هو من يفز ينجح في الاختبار الأخير.

هلا أعددنا العدة لهجرتنا الأخيرة

يبقى السؤال المطروح هنا هو، في كل رحلة نأخذ معنا متاعنا وزاد السفر، فهل نتزود للسفر الأعظم والرحلة الأخيرة؟ حتى نستقر ونتوقف عن الرحيل، ونضع الرحال في مستقر رحمته؟

لهذا ينبغي لا بل يجب أن نتوقف قليلا، ونفكر فيما نحن مقبلين عليه حتى يكون استعدادنا له نتيجته مريحة وغير شاقة، خصوصا وأن كل رحلة قابلة للعودة إلا الرحلة الأخيرة فلا رجوع بعدها. وهل تركنا في المكان الذي عشنا فيه شيئا يستفيد منه ممن بعدنا ؟ ويقال من هنا مر فلان وترك لنا هذا فجزاه الله خيرا. هذا هو الزاد. قال النبي صلى الله عليه و سلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا ن ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.

بقلم: عمر الشركي عبودة

 

أضف تعليقك هنا