صراع مع النفس

إن المطالب العظيمة العالية، والأهداف النبيلة السامية، لا تنال براحة الجسم، ولا بالكسل والخمول وإشباع الرغبات والنزوات، ولا تنال بنفس غارقة في بحر اللهو والشهوات، فلابد لطالب الكمالات من الحرمان، ولابد له من مكابدة الشدائد والأهوال، وهذا هو ناموس وقانون هذه الحياة.

طبيعة النفس البشرية

وإن المتأمل في طبيعة النفس البشرية يجد أنها تشبه النار الثائرة الملتهبة، التي لا يشبعها شيء وحالنا مع هذه النار ما بين مغذٍ لها لا يسعى لإطفائها وبين مجاهد ضعيف يفتح لها الباب مرة ويغلقه مرة، فتارةً تقترب منه كثيراً فيجد شيئاً من حرارتها ويكتوي قليلاً بنارها، وتارةً يوصد الباب في وجهها، لكنه لا يحكم إغلاقه فسرعان ما يفتح مرة أخرى ليجد نفسه تائهاً يتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، لا يكاد يصحو من غفلته حتى يسقط مرةً أخرى، ويبقى هذا الفئام من الناس أفضل ممن ختم الله على قلبه وسمعه فمات قلبه وأحرقت نار الشهوات جسده وهو سكران لا يشعر بشيء.

أقسام الناس مع أنفسهم

لكنَّ طائفة من الناس أعانهم الله على أنفسهم فداسوا شهواتهم وحطموا قيود غفلاتهم وساروا الى ربهم بهمم تعانق الجبال، وإرادة تكسر المحال وتسمو إلى العلياء بسكينة وثبات، لا تلتفت إلى بنيات الطريق، أنيسها كتاب ربها يحدوها الشوق للعالم السرمدي العلوي، تشرب من نهر اليقين وتأكل في صحاف الرضا وتتغذى بذكر محبوبها غدوة وعشياً، فلله در هذه الثلة التي تحمل جنتها ونعيمها في صدرها، لقد عاشت في نعيم الدنيا الذي حرم منه أكثر الناس، وإذا أردت معرفة هذه الفئة فإليك أوصافهم: إنهم الآمنون إذا خاف الناس، الخائفون إذا أمنوا، القائمون في سكون الليل إذا نام الخلق يتلذذون بمناجاة الحق، البكاؤون في الظلمات، الذين تعرفهم سواري المساجد وزواياها، المجهولون في الأرض المعروفون في السماء…

صراعي مع نفسي

أما أنا !! فلا زلت في صراع مع ألد أعدائي وخصومي، خصم عنيد حقير على الرغم من طول أمد العداء والحرب بيني وبينه إلا أنه لا يمل من الكمون لي في مفارق الطرق يتحين الفرصة تلو الفرصة لينقض عليَّ كذئب مفترس جائع ظفر بعد طول كمون وترصد بفريسته، فلطالما ضعفت أمامه مراراً فانقض عليَّ وتمكن من جرحي بجروح مثخنة مؤلمة، ولطالما تمكنت من الإفلات منه، إلا أني أعود أضعف من السابق وجراحي لا تزال تثعب دماً، وما إن يلتئم الجرح حتى أعود إلى غفلتي ويظفر بي الذئب من جديد، لكن الخوف كل الخوف من اشتداد وهني لدرجة لا أتمكن فيها من الإفلات والهروب من أنياب هذا الذئب الجائع مرة أخرى.

 

فيديو مقال صراع مع النفس

 

أضف تعليقك هنا