في عمق الأرض سار ليرى الحقيقة

سير أيوب نحو الفوهة لملاقاة المارد

كان قد بلغ آخر نقطة في مسيرته نحو المجد، وصل حيث بوابة الأرض السفلى، هناك حيث يسكن المارد، توقف لبرهة، كان بحاجة إلى أن يتخذ قراره المصيري، إما أن يخطو خطوته نحو الهاوية ويلاقي المارد المشاغب لقتاله، أو يغلق تلك الفوهة الكبيرة على أمل عدم خروجه من جديد ليقود فتنة جديدة.

تأمل أيوب قبل أن يتقدم نحو الفوهة، لم ينظر إلى الخلف، شعر في تلك اللحظة أن قوته تكمن في نفسه، لم يعد للجمع الذي خلفه أي قدرة على نصره، أيقن أنه لابد له من ملاقاة المارد لوحده، لذلك أخذ نفساً عميقاً ثم أغمض عينيه ودخل الممر، ليأخذه مباشرةً إلى أعمق نقطة في جوف الأرض.

ماذا وجد أيوب في أثناء سيره نحو الفوهة؟

سار بلا رؤية، كان كل شيءٍ حوله يتشح السواد، ولكنه سار بلا خوف، لم يرتجف قلبه، كان يسير على أرضٍ متعرجة، يسير ولكن يحاول ألا يسقط، وأثناء سيره البطيء تعثر بشيء كروي، وفجأة أنار ذلك الشيء، فإذا به رأس صديقه العزيز، رفيق دربه، كان قد قتل في إحدى المعارك، وجد رأسه في ذلك الممر، شعر هناك بالارتباك، كيف لصديقي العزيز الطيب أن يكون هنا في الجحيم؟!

حمله وتقدم ليجد رؤوس كثيرين ممن عرفهم هناك، كلما اقترب من إحدى تلك الرؤوس اشتعلت ناراً، فتحدث معهم بصوت عالٍ “لمَ أنتم هنا يا أحبائي؟ لماذا أراكم في الجحيم؟ لماذا لستم في الجنة؟”، وعلامات الذهول ارتسمت على تفاصيل وجهه، فرمى برأس صديقه المقرب، وعاد ذلك الطريق الموحش مظلماً من جديد، ولكن كانت هناك شعلة من نار تضيء من بعيد، فتوجه إليها، وسار بحذر، حتى أصبح على مقربة منها.

نظر أيوب إلى تلك النار بتمعن، كانت اشبه برأسٍ بشري تعتليه قلنسوة، تشبه قلنسوته التي يرتديها، وخوذة كخوذته، لكنه لم يتمكن من رؤية وجه ذلك الرأس المشتعل، اقترب منه كثيراً، فإذا به رأس ابنه الذي لم يمت بعد، فحمل الرأس وتصفح وجه ابنه، باستغرابٍ وذهول، ولكنه أحس بملمس وجهٍ آخر خلف هذا الرأس، فأداره اليه، ليجد نفسه يحمل رأسه بين يديه، رأسٌ بوجهين، وجهه ووجه ابنه، هناك شهق من الخوف، فأغشي عليه فوراً، وسقط فاقداً وعيه.

أفاق ليجد نفسه بين يدي جنوده في المعسكر، ولكنه كان عاجزاً عن الكلام، يتصفح وجوه من حوله، اطرافه بارده وجسمه متصلب، وقلبه ينبض بصعوبة، لم يتبق طبيب لم يحضر لعلاجه، إلا إنه لم يتحسن، وكان يبحث عن ابنه في وجوه من حوله، ولكنه لم يستطع التكلم، وكأن لسانه تصير خشبة، ارادهم أن يخبروه عن ابنه، هل ما زال على قيد الحياة ام لا؟ ولكنه عجز عن ذلك.

صراع الإنسان الدائم للتملك والحكم

وقف كبير الأطباء على أيوب، وقال بصوتٍ عالٍ “أيها القوم، إن ملككم سيموت قريباً حيث لا علاج ينفع معه، وكأن لعنة المارد قد تلبست به، ولابد من تعيين ملكٍ جديد” ضج المجلس بالجدال، وبعد كلامٍ طويل اتفقوا أن يعينوا ابنه ملكاً عليهم، فدخل ابنه وقد لبس قلنسوة ابيه وخوذته، وقف في وسط الجموع، لم يعر اهميةً لأبيه، حتى لم ينظر اليه، وقال لهم “أيها القوم، انا ملككم الآن، ولكن كما تعلمون فإن قانون مملكتنا لا يسمح لي أن احكم هذه المملكة وملكها هذا المسجى على قيد الحياة، لذلك اطلب من مجلس الشورى أن يقرر قتل ابي الملك العاجز الملعون، لأصبح ملكاً شرعياً عليكم”.

هتف الناس بحياته، واقر المجلس له بقتل ابيه، ليتخلصوا من لعنة المارد التي تلبست به، فهو أصبح نذير شؤمٍ عليهم وعلى مملكتهم، فتقدم الابن نحو أيوب، ومسك بلحيته، واخرج خنجره ليذبحه، وفي هذه اللحظة، ركز أيوب النظر الى وجه ابنه، كانت على وجه ابنه خالة سوداء مميزة أسفل عينه اليسرى، ورثها من امه، لم تكن موجودة، استغرب لوهلة، ثم أدرك أن هذا ليس ابنه، إنه هو لما كان شاباً، وأدرك ايضاً أن الرأسين اللذين وجدهما في الجحيم كانا رأس ابيه وجده، فأغمض عينيه واستسلم لابنه ليذبحه.

المارد الحقيقي قابع في نفس كل إنسان

“أيها الملك، أيها الملك، لقد تأخر الوقت كثيراً، انا أرى أن نغلق فوهة الجحيم هذه ونرجع الى اهلينا، لقد لقينا في معاركنا تعباً ونصباً شديدين، والامر لك أيها الملك أيوب” هكذا تحدث قائد حرس أيوب معه وقد ربت على كتفه، استفاق أيوب من حلمه، كانت قد اخذته غفوة وهو واقف عند تلك الفوهة، وبعد أن انتبه لنفسه، تقدم الى صخرة عالية، فاعتلاها كمنبر، وأشار الى جنوده جميعاً ليجتمعوا حوله، وقرب اليه ابنه وقادته، ثم قال لهم: “اسمعوني جيداً، ليس المارد من يعيش في الجحيم أيها الاخوة، وليس هو من يقودنا الى الفتن والاقتتال، نحن من يفعل ذلك، لقد رأيت للتو نفسي وابي وجدي، كيف وصلنا للحكم، ذبح أحدنا الآخر من اجل الملك، لم يكن للمارد أي يد في ذلك، المارد الحقيقي يعيش في عقولنا، نحن أعداء أنفسنا، لذلك اتركوا المارد وهذه الفوهة، واغلقوا فوهات الجحيم التي في رؤوسكم”.

لما سار أيوب في عمق الأرض وتخطى بوابة الجحيم، اكتشف أن الجحيم الحقيقي والشر المطلق يقبع في نفس الإنسان، وهناك فوهة كفوهة البركان الخامل، إن استفاقت فلن يكون بعد ذلك إلا الشر والدمار.

فيديو مقال في عمق الأرض سار ليرى الحقيقة

 

أضف تعليقك هنا

نجم الجزائري

السيرة الشخصية:
نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها.

مهاراتي:
* اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات
* اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي
* اصمم مواقع الكترونية بسيطة
* كاتب مقالات عامة
* اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس
* اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط
*