حوادث مروعة واللامبالاة أحد الأسباب.

بقلم: نور شحط

حوادث مروعة تمر كأنها خبر عن حالة الطقس! 

انتشرت مؤخرا حوادث الإنتحار بصورة هائلة، إذ لا بد أن تقرأ منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يخبرك أنه حصل حادثة انتحار في إحدى المدن أو الضواحي، إلى أن بات الأمر من الأخبار اليومية التي نمر عليها مرور الكرام، فقد أصبح قراءة هذا الخبر كأي خبر عادي مثله مثل أخبار حالة الطقس!  

ربما يتفاعل البعض مع الخبر بوجهٍ دامع دون أي تعليق، وبعضهم الآخر قد يعلق بعبارة (الله يرحمه)، من ثمّ يتم متابعة قراءة الأخبار المتتالية وكأن حادثة فظيعة لم تحدث! معظم ردود الفعل بعد قراءة الخبر لا تتجاوز ما سبق بالرغم من الحالة الخطيرة التي وصلنا لها في المجتمعات العربية.

الشباب هم أكثر عرضة إلى حوادث الانتحار

المفزع في حوادث الإنتحار المنتشرة أن الفئة العمرية التي تُقبل على مثل هذا الفعل محصورة بشكل كبير على فئة المراهقين واليافعين، أي أغلب الحوادث تعود لشباب وفتيات تحت سن العشرين، مما يزيد الخوف من تلك المشكلة كونها تهدد بالسيطرة على طرق تفكيرهم والتي تكون أكثر سهولة على باقي الفئات العمرية. 

ثمة أفكار خاطئة تستهدف عقول الشباب على نطاق واسع، أولها أن هذا الفعل يعد حق من الحقوق الشخصية التي يمارسها الفرد في حياته، وهو بالتالي قرار شخصي بحت لا يحق لأحد التدخل فيه مهما كانت درجة القربة…!

اللامبالاة أحد أسباب انتشار حوادث الإنتحار

انتشار مفهوم اللامبالاة في الحياة اليومية، سعى إلى تدمير علاقة الفرد مع ذاته رويدًا رويدًا عقب وقوعه في الخطأ بشكل متكرر جراء عدم الإكتراث لما هو عليه، فأي شيء يفعله أحد منّا خارج حدود الشريعة والقانون سواء كان في العمل أو في العلاقات الإجتماعية، ستعود عواقبه السيئة إليه في القريب العاجل… دائرة الخطأ تلك تبدأ واسعة ثم تضيق لتصل إلى المركز، وانعدام المسؤولية مثل انعدام الجاذبية في الفضاء، فإذا كان كل شخص على يقين بأنه مسؤول عما يفعله، عرف كيف يسير بخطوات ثابتة على أرض الواقع.

الضغوط النفسية خطر كبير يتم تجاهله

بصرف النظر عن الآلية التي يقوم بها الفرد  للقيام على الانتحار، هناك أسباب تؤدي إلى التفكير بهذا الأمر، المؤسف في الموضوع أننا نعرف تلك الأسباب جيدًا ولكننا نتجاهلها بكل بساطة! بل أحيانًا يصل الأمر إلى عدم الإعتراف بوجودها في مجتمعنا، باعتبارها من الممارسات ذات التأثير الضعيف، بينما هي في الحقيقة من أشد  الأفعال  قوة للتأثير السلبي على الأفراد.  

عادة تكون أسباب الإنتحار مختلفة من شخص لآخر، ولكن السبب الأول والأهم في التفكير بالقيام على الانتحار هو الضغوط النفسية، التي تشكل خطر كبير على الشخص أكثر من الضغوط المادية، وخاصة في عصر التكنولوجيا بات نشر الشائعة التي تهدف إلى تشويه السمعة والتنمر على شخص محدد يتوقف على كبسة زر، وكل ذلك يشكل تهديدًا على حياة المرء، وعدم الرغبة في مواجهة الناس خوفًا من ردود أفعالهم المؤلمة، مما يدعو الشخص إلى الابتعاد عن المجتمع، والتفكير بإنهاء حياته عبر القيام بفعل الانتحار.

المثالية المفروضة من أسباب الانتحار عند الشباب

من الأسباب التي تدعو الشاب أو الفتاة على التفكير أيضًا بالانتحار، هو مطالبة الأهل بالكمال والمثالية من أولادهم بشكل مستمر، وخاصة عند وصول الشاب أو الفتاة إلى نهاية المرحلة الثانوية تزداد الضغوط من قبل الأهل، وذلك عن طريق المقارنة بينهم وبين شباب آخرين متفوقين دراسيًا، غير آبهين بالحالة النفسية السيئة التي يصل إليها الشاب جراء مطالبهم التي قد تفوق قدرات ابنهم الذهنية أو العقلية! 

عرض رسالة المنتحر والتعاطف معه

هناك أمر نغفل عنه بشكل كبير، ألا وهو طريقة نقل الخبر وعرض الرسالة التي تركها المنتحر لأهله على مواقع التواصل، و تعاطف المجتمع معه! كلها أمور تدعو المراهقين إلى التفكير حقًا بفكرة الانتحار وتنفيذها دون أي تردد، حيث يظهر لأي شاب مكتئب أن الإنتحار يقوم بتسليط الضوء عليه، فهو بحاجة إلى أن يصبح محط أنظار الناس واهتمامهم، بعدما يأس من الحصول على ذلك وهو على قيد الحياة.

الجميع مسؤول عن وقوع حوادث الانتحار

لا بد من وجود شخص في حياة الفرد ذو ثقة، أو مؤهل بالإرشاد النفسي مهمته سماع المشكلة والمساعدة على حلها بطريقة ذكية، مع التنويه أن المسؤولية الكبرى تبدأ من داخل المنزل، حيثما تقع على الأهل عملية إنشاء الفرد نشأة سليمة نفسيًا وصحيًا.

نحن بدورنا أيضًا علينا أن نقف بجانب كل شخص يعاني من الاكتئاب، عبر حثّه على زيارة  طبيب متخصص لعلاجه، ومنعه على الوصول إلى التفكير بالانتحار مهما بلغت شدة المشكلة، والعزوف عن تنفيذ تلك الفكرة عن طريق تغيير طريقة التفكير من خلال القيام بأعمال تعود إليه بالفائدة النفسية. 

عملية إنهاء الحياة ليست قرار شخصي

جميعنا مسؤولون بشكل أو بآخر عن حوادث الإنتحار التي حصلت في مجتمعنا، والتي قد تحدث في المستقبل، لذا علينا أولًا مراعاة مشاعر الآخرين في كل كلمة نقولها أو أي فعل نقوم به، ثمّ نشر الوعي حول مسألة الإنتحار، من خلال إقامة ندوات تربوية لليافعين في المدارس، تشرح عبرها مفهوم الإنتحار بشكل واعي وصحيح، بأنه ليس عمل بطولي يقوم به المرء بل هو في الحقيقة ضعف إيمان، وعملية هروب من المسؤولية بأسهل طريقة.

بالإضافة إلى إيصال معلومة واضحة بأن فكرة الإنتحار مرفوضة في التشريع الديني، وأن عملية إنهاء الحياة ليست مجرد قرار يقوم الإنسان على تنفيذه متى رغب بذلك، بل هي بيد الخالق عزّ وجلّ ولا مجال للتفاوض على ذلك الأمر.

بقلم: نور شحط

 

أضف تعليقك هنا