ما بين الحقيقي والواقع .. الطالب نموذجاً

قبل البدء، ما ستطلع عليه بالقراءة -هنا-ليس تنظيراً فوقياً، ولا تقليلاً من شأن أي أحد-جاء ذكره بالاسم أو بالمنصب الذي هو فيه-وإنما قراءة للواقع، بعينٍ فاحصة –بالنقد البنَّاء-لتقديم حلول عملية واقعية/حقيقية؛ لاستشراف مستقبل أجيال وأمة تسعى للتطوير.

لعل العبارة التي أطلقها وزير التعليم قبل فترة ليست بالقصيرة، والمرتبطة بالمعلم، وافتقار المدارس للمعلمين الحقيقيين، وأثارت الكثير من ردود الفعل، كان الأجدر أن تكون: “لا يوجد طالب حقيقي! لا توجد مدرسة حقيقية! لا توجد إدارة حقيقية! ولن أبالغ إن قلت: لا يوجد وزير حقيقي!، فهل سيقبل معالي الوزير ذلك؟!”

التصريحات التي تمس شريحة كبيرة في المجتمع، ينبغي أن تُدرس من عدة جوانب، ويتم صياغتها بطريقة صحيحة؛ لتجنّب أن يكون هناك لبس في فهمها، وعلى فرض أن يكون الوصف حقيقياً، فما الدلائل على ذلك؟! وما الإجراءات التي سيتخذها معالي الوزير لتصحيح مسار المعلم ليكون حقيقياً؟!

جهر البحث والتقصّي

وفي محاولة لوضع النقاط المذكورة في صدر المقال تحت مجهر البحث والتقصّي؛ لدراسة الواقع الحقيقي؛ للوصول إلى نتائج تعمل على تصحيح المسار، وبالتالي، الوصول إلى مخرجات تعلُّم سليمة وواعية؛ لتقود مستقبل المجتمع الذي تعيش فيه؛ ولنبدأ بالطالب الحقيقي- والبقية تتداخل في التفاصيل- فالطالب الحقيقي، هو الغائب عن البيئة التعليمية في مدارسنا إلا ما ندر؛ هذا الطالب الحقيقي، الذي يُراد له أن يكون أساس عملية التعلُّم، وهو من يعمل على أن يتكامل محور عملية التعليم والتعلُّم، وبالتالي، خلق فرص التعلُّم الحقيقي، من خلال تطبيق الاستراتيجيات التي يُطالب المعلم بتطبيقها! مدارسنا يا معالي الوزير، لم تعد كما كانت قبل عقود من الزمن، ولنكن أكثر تحديداً، أيام اختبارات الوزارة للمرحلة الثانوية، والاختبارات الحقيقية للمواد الدراسية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. أجيال اليوم، أجيال التقويم المستمر، تفتقر للكثير من المهارات الدراسية، واتكالية جداً في الكثير من الأمور، ولن يكون التعلُّم بمنأى عن ذلك؛ والسبب: النظام الحالي! فكيف تُطالب -كمعلم-أن تتقدم في الوقت الذي تجد نفسك تتراجع للخلف؟! كيف لك أن تتقدم في بناءٍ –يُفترض أن من سبقك قد وضع قواعده-لتتفاجأ أن أي لبِنة تضعها ستسقط؛ فليس هناك قاعدة من الأساس؟! فحتى اختبارات الكتاب المفتوح، تُظهر مدى الاتكالية لدى الغالبية من الطلاب، فهم لا يريدون حتى مجرد التفكير، والبدء في ارتقاء سلَّم مستويات التفكير الدنيا، وبذل جهد بسيط في البحث عن المعلومة في عدّة أوراق! ولعل أبسط الأمثلة على ذلك، المقارنة بين مخرجات التعلُّم قبل عقد من الزمن والمخرجات التي جاءت بعده، والفجوة الكبيرة التي حصلت بين معدلات المعرفة الحقيقية الواقعية لدى الطالب وبين المعدلات المكتوبة على وثائق التخرج التي أصبحت حِبراً على ورق! ألا يفسر ذلك غياب الطالب الحقيقي، والمدارس الحقيقية، وبالتالي الإدارات الحقيقية؟! لماذا لم تعد هذه المعدلات على وثائق التخرج هي المعيار الحقيقي والواقعي للقبول في المرحلة الجامعية كسابق عهدها؟! لماذا أصبحت هناك اختبارات القدرات والتحصيلي لتكون هي المعيار الحقيقي؟! لماذا هذا التباين الواضح بين معدلات المرحلة الثانوية وهذين الاختبارين للأغلب من الطلاب؟! ألا توجد أي دراسة حتى الآن لمثل هذه المشكلة ومحاولة تقديم الحلول لها؟!

طالب اليوم الذي أصبح مقتنعاً، بأنه سينجح حتى لو لم يقدِّم أي جهد لهذا النجاح؛ فالمدرسة ستتكفل بنجاحه، فهي-أي المدرسة-تريد أن ترفع نسبة النجاح بأي وسيلة ممكنة، وستضع المعلِّم الذي سيقف أمامها في موقف المتهم الذي لا يتعاون، ولا يقدِّم الوسائل العلاجية لتحسين مستوى الطلاب؛ بالرغم من أنه اتَّبع الإجراءات المناسبة لذلك، وفي الوقت نفسه، تتهاون فيه إدارة المدرسة في اتخاذ الإجراءات بذلك، وتقول: لا يوجد شيء إلا هذا الإجراء حسب النظام، فمن المسؤول في هذه الحالة “الطالب/المعلم/النظام”؟! فإذا كان النظام يعمل على خلق مثل تلك الأمور، ألا يُفترض أن يُعاد النظر فيه-بالتعديل والتصحيح؟!

الحلول السحرية

لماذا هذا النظام يساوي بين الفروق الفردية بين الطلاب، ويُطالب المعلم أن يقدِّم الحلول السحرية لها؟! كيف لمعلِّم أن يقدّم المعلومة بطرقٍ واستراتيجيات حديثة وأمامه مستويات متباينة جداً -في الصف الواحد-من الطلاب؟! إن نزل للمستوى الأدنى من التفكير، فلا توجد استجابة من الأساس! وإن ارتقى للمستويات الأعلى في محاولة منه لتنمية المهارات لدى تلك الشريحة من الطلاب، سيتم احتساب ذلك على المعلم، في عدم اهتمامه ومراعاته للفروق الفردية! ألا يُفترض بالنظام أن يحسم المشكلة، ويضع الحل من البداية في تقديم حلول واقعية؟! ألا يُفترض أن يتم توزيع الطلاب وتقسيمهم إلى فئات تبعاً للمستوى التحصيلي الواقعي، وليس المعمول به حالياً، من دمج بين مستويات تحصيل متفاوتة جداً في الصف الواحد! ومن جهة أخرى، كيف لهذا النظام ألا يضع مقياساً للمفاضلة بين اختيار الأقسام في المرحلة الثانوية؟ كيف للطالب أن يختار قسماً للدراسة، في الوقت الذي أخفق حتى في تجاوز المواد الأساسية التي يُفترض أن تكون القاعدة؟! إن لم يتم وضع معايير ومقاييس لهذا الاختيار؛ ستستمر مشكلة المعدلات المتدنية، وبالتالي، ينعكس ذلك على مخرجات التعليم.

التنظير البعيد عن الواقع الحقيقي، ومحاولة استيراد التجارب من دول أخرى-دون مراعاة للفوارق المجتمعية-ودن دراسات لاحتياجات الأجيال الجديدة، ومدى ملاءمة ما يُقدم لهم؛ لن يكون أكثر من حِبر على ورق، ومحاولة تطبيقه قسراً؛ لن يثُمر! بل سيُنتج الكثير من المشاكل؛ في الوقت الذي يُراد له تقديم الحلول، هو يعمل على خلق المزيد من المشكلات! ينبغي لأي نظام يتم تجريبه أن يتم تقويمه، وإعادة النظر في الجوانب الضعيفة فيه؛ وإلا ما الفائدة من لجان الجودة التي يُفترض أن تتطلع على كل الجوانب الإيجابية والسلبية، وماذا عن هيئة تقويم التعليم؟! من يُحاول تجميل الواقع بكتابة تقارير غير حقيقية، ولا ترتبط بالواقع بِصِلة، هو كالسوس الذي ينخر المنظومة التعليمية، وبالتالي المجتمع ككل!

معالي الوزير، فلتخرج لجان الجودة، وهيئة تقويم التعليم من إطار الورق الذي وُضِعوا فيه؛ ولتطلع على الواقع الحقيقي للبيئة المدرسية، وإن كان هناك من يُعيق حركة التقدم للأمام؛ فليتم محاسبته؛ فهو لن يعيق حركة تقدّم فرد من المجتمع، بل أجيال متوالية، ستكوّن المجتمع كافة مع مرور الوقت.

 

العام الدراسي الماضي

من ناحية ثانية، العام الدراسي الماضي 1437-1438هـ، تم تحديد يوم الأحد والاثنين من كل أسبوع ليكون ساعة نشاط للأنشطة غير الصفية في مناطق تعليمية معينة، وتم وضع الكثير من التفاصيل المرتبطة بالوقت، على أن يكون ساعة كاملة، وبعد الفسحة، وأن لا يستقطع أي وقت من أي حصة سابقة للنشاط أو لاحقة به، و…؛ ولكن، لم يتم تحديد التفاصيل المرتبطة بهذه الساعة كيف ستكون، والآلية التي يُفترض أن تسير عليها؟! كل ما كان عبارة عن اجتهادات من إدارة كل مدرسة، ومحاولة للتطبيق الإجباري، مع العلم المسبق بالنتائج السلبية التي تظهر في ساعتين من كل أسبوع، وانتهى العام، وكان يُفترض أن يتم دراسة الجوانب المختلفة لتطبيق تلك الساعة –الإيجابية والسلبية-للتعميم على بقية المناطق الأخرى؛ إن كانت لها آثار إيجابية، أو على أقل تقدير: تقديم منهجية وآلية أكثر وضوحاً؛ ومحاولة تطبيقها بنفس المقدار الذي تم تطبيقه في العام الماضي، والمضي قُدماً لدراستها على أرض الواقع الحقيقي الفعلي في المدراس، وليس من التقارير الورقية التي يتم رفعها من إدارة كل مدرسة، ومن ثم كل إدارة تعليمية؛ لتصل الوزارة في النهاية كما يُراد لها أن تكون!

واقعاً، الكل يعرف أن ذلك ليس بجديد على المدارس، ولو تتبعنا العقود الماضية؛ لوجدنا تطبيقاً مشابهاً ومماثلاً لتلك الساعة كان معمولاً به، وكان في نهاية الأسبوع، مع اختلاف الاسم، وقد تم إيقافه، ولعل التكهنات الأبرز التي تظهر على السطح من أسبابٍ للإيقاف هو: أنه لا جدوى مرجوة من تطبيقه!

محاولة إرجاعه للتطبيق من جديد، وبمسمى مختلف؛ لن يجعل منه برنامجاً جديداً ووليداً، وعلى الوزارة أن تتخذ الانتقادات التي ظهرت، مع بداية التطبيق العام الماضي، وارتفعت بشكلٍ بارز أكثر في الفترة الماضية على محمل الجِد مع صدور تعميم بتطبيق النشاط بواقع (4) أيام مع بداية العام الدراسة القادم 1438-1439هـ، وإعادة النظر في تلك الساعات التي ستزيد من ساعات اليوم الدراسي!

الملاحِظ والمتتبع للواقع في البيئة المدرسية –في المجتمع-يجد أن: البيئة المدرسية طاردة ومملة للغالبية العظمى من الطلاب، ولعلنا نذكر إعلان إحدى الشركات قبل أيام لإحدى منتجاتها مع الاستعداد للعودة للمدرسة، وكيف أنها أظهرت نفس النظرة السلبية تجاه المدرسة! ولاحظنا تعليق الوزارة على الإعلان. هذه النظرة السلبية موجودة، ومن ينكرها، ويقول بعدم وجودها، يتنكّر ويتنصّل من الواقع، ويحاول تلميع الصورة الحالمة التي تريد الوزارة إيصالها لوسائل الإعلام ببرامج تزيد من تلك النظرة السلبية!

تساؤلات المجتمع

التطبيق التعسفي لبرامج سبق تطبيقها، وظهر للوزارة فشلها أو على أقل تقدير عدم جدوها في العقود الماضية، يضع كل مسؤول في الوزارة أمام تساؤلات المجتمع كافة، وليس المعلمين فقط، كيف يتم إعادة اجترار البرامج القديمة بمسميات لامعة وبراقة؟! أين قسم التطوير من تلك البرامج؟! أين الدراسات التي يُفترض أنها تمت خلال العقود الماضية؟! لماذا تُساق الاتهامات جُزافاً للمعلمين وكأنهم من يقرر تطبيق البرامج؟! إن كان ثمة كاتب يريد أن يملأ عموده الصحفي بشيء، وأعيته الحيلة، وجف فكره عن تناول المواضيع؛ فليتوقف، ولا يجعل من المعلمين حِبراً يملأ به عموده الصحفي بالغثيث من الأفكار والتهم.

معالي الوزير، هذا الحنق والغضب من المجتمع، يعني أن تُعيد النظر؛ فإطالة اليوم الدراسي –بحد ذاته-مشكلة لكل طالب، فضلاً عن كل ولي أمر، فاليوم الدراسي الطبيعي، في حصصه الأخيرة، وبمواد علمية مثلاً، تتطلب حضوراً ذهنياً للفهم، وليس الحضور البدني فقط، فكيف سيكون الأمر مع ساعة إضافية في (4) أيام من (5)؟! وعلى فرض أخذ المسمى الذي تم طرحه “نشاط”؛ فالأنشطة موجودة بالفعل في كل مادة دراسية، ودرجات التحصيل موزعة على القيام بذلك النشاط لكل طالب، وهي غير صفية، وكل طالب يقوم بها خارج الصف؛ فالطالب ينتظر حصوله على درجات مقابل القيام بالنشاط لهذه المادة أو تلك؛ فما هو المقابل لقيامه بهذا النشاط-على فرض تم بالفعل تقديم الاستراتيجيات والآليات لهذا النشاط-الذي سيُخصص له أربعة أيام من خمسة؟! أو أنه يُفترض أن يتعلَّم الطالب العمل التطوعي من خلال تلك الساعات مثلاً؟! لكن، لا شيء يدل على ذلك لا من قريبٍ أو بعيد في التعميم! وعلى فرض حصول ذلك، هل سيتقبّل الطالب هذا العمل التطوعي المجبر عليه من الأساس؟! ولو قلنا اكتشاف مهارات لدى كل طالب؛ فهذه المهارات يمكن أن تكون محل اكتشاف وعناية ومتابعة من أكثر من معلّم، حسب التخصص والاهتمام؛ والأهم من كل ذلك، الدافعية والاهتمام النابع من الطالب.

إضاءة: ألا يُفترض طرح برامج برؤية عصرية، وتندرج تحت الرؤية الطموحة للمملكة 2030؛ فتكون شعلة وقبساً نحملها للأجيال القادمة، بدلاً عن اجترار البرامج القديمة ومحاولة تلميعها؟!

فيديو ما بين الحقيقي والواقع .. الطالب نموذجاً

أضف تعليقك هنا