أيَّامٌ ثِقال

بقلم: يسرى الصبيحي

تمر ساعاتها كسنوات تتثاقل في الخُطى ، خطاها وطيدة جدا ، تتبرم منها كل يوم ، بل مطلع كل غسق ، تقف أمام حنفية الماء لا تريد أن تغادر تدفع الماء على وجهك حفنات دون توقف ، تتخيل ما لو كان بإمكانك فعل شئ أمام هذه الرغبة الجامحة أمام مطلب صغير تهاوت كل قواك أمامه ، انجرفت عليك الأيام كسيل غرقت بين طياته ولا تكاد حتى ترى شئ فالوحل جعل من الماء ذا لون بني ، لون قاتم إن رأيت داخله فلا مجال للرؤية ..

تحاول أن تدفع بيديك ذلك الوحل الحاجب للرؤية إلا إنك في كل مرة لا ترى أين يديك بل لا تشعر بحركة يديك فقد غرقت بأسرك!

تشعر ببرودة الأيام تتسلل إليك ، تخلق قشعريرة في بدنك ، والصمت في أحشاءك ، هه لكن أي برد وأي قشعريرة ؟؟ فنار تتوسدك ، نار تفترشك، تلتهمك ، تتأرجح في كل حدب وصوب فيك ، أنت من تحاول تدفئة خارجك وتتمنى لو أن تتطفئ نفسك حتى ولو بدمعاتك تلك التي ربما تشل حركة النار عن المسير !

لم لا تبكي ؟

تعيش بابتسامات مزيفة ، بمشاعر باردة ، نكاتٍ ساذجة ، كلمات مقتضبة ، تضحك وبداخلك من يناديك لم لا تبكي ؟ لم تتصنع؟ّ تعيش وسط حياة إجتماعية تشارف على الموت ، فلا عاد للعلاقات اهتمام في حياتك حتى وإن تهاوى الجميع واحد تلو الآخر ، وإن صح القول أنت تعيش بوجود كاذب.

لم تغيرت؟ تكبرت؟ لم ولم؟

يأتيك الجميع معاتبا لم تغيرت؟ تكبرت؟ لم ولم؟ وأنت تلتزم الصمت في شكله الأنيق ، في موضعه الذي لا يستحق، لكنه رائع فعلا لأنه يرضيك، فأنت من جعلتك الحياة تبحث عنها ، عن وجودها فيك وباستماتةٍ هكذا ..

كم البعد بينك وبينك؟!

تشعر بابتعادهم عنك ، لكنك لا تتساءل كأي مرة ، لماذا يبتعدون ؟ لأنك تعرف الإجابة ، فالإجابة ببساطة هي سؤال ، وكم هو مؤسف أن تكون الإجابة هي الأخرى لغز مبهم ، يأبى أن تحله كمسألة رياضية ، ولا مركبة احداثية ، يستعصى على التفكير ويصعب أكثر حينما تقف لوحدك ، السؤال يأتيك لتجيب ، وأنت بلا إجابة ، فكم البعد بينك وبينك؟ !

ظننتها ستظل أسبوع ، ولربما أسابيع ، لكن الشهور انقضت وأنت في وحلك لا تزال ، في فراش مرضك ، لكن لا طبيب سواك ولا مريض إلا أنت وفراش مرضك هو حياتك ، فشُلَّت حياتك !

أما المرض فهو تلك الأيام الثقال التي هوت بك أرضا مردغتك في أرضية سفلية وأنت تهوى أن تعيش عاليا لكن لا خيار ..

أما دواءك الذي لازلت تبحث عنه لازلت تغوص لأجله لازلت تكتب لأن تتنفس قليلا فلا مجال حتى لتتنفس ، دواؤك صعب فاستصعب عليك فدواؤك هو إجابة ، فالغز قد أثقل كاهلك ولربما الغاز لا لغز ،أخمد طاقاتك وهاوى قواك …

يأتيك الجميع معاتبا على كل شئ تغير فيك ، نعم ، كل شئ ! ماعدت تحب شئ ، ولأنك قوي هان عليك الوقوف كجدار لا ينحني أمام كلمات ، أمام بشر ، فأنت ضعيف لوحدك وأمام الله فقط !

حتى صديقك ذاك الذي اعتدت عليه ، لم تخبئ عليه شئ في يوم ما ، أصبح الآن لا يفهمك، هو الآخر قد تغير ، لا علم لك إن كان هو من تغير أم أنك أنت ، فمن ذا الذي سيفهم؟

لقد تغيرت كثيرا عليك ، على نفسك ، قبل أن تتغير عن العالم ، ماعدت ترا في التجمعات إلا إذاعات لا تتوقف عن الحديث ، تأبى الانضمام ، تهوى البعد ، تخلق اعذارا كل يوم ، ولكن هل تساءلت يوما:

” هل سيأتي يوم لاتجد فيه عذرا لتختلقه للهروب” ؟

تأتيك والدتك موبخة لك ” ما الذي جرى ؟ ، ما الذي تغير فيك ؟ ” إلا أنك عدت وبصمت إلى رداء الصمت لترتديه..

متى هذه الأيام الثقال يوما تنقضي ، متى تطوى على رف الأيام فلا يُتلفت لها ، أم أن الأيام ستكتسي الثقل كمن سبق ؟

هكذا تتساءل وتظل تسأل دون توقف ، لكن السؤال لا إجابة له ..

تخبر نفسك كطفلٍ صغير

” أريد أن يحبني الله ، فهذا حلي الوحيد الذي لازلت أتشبث به ، فإن أحبني سأحب الحياة بلا شك “

بقلم: يسرى الصبيحي

أضف تعليقك هنا