مسرح الذكريات

الذكرى موئل الحنين

يحتاج المرء لمرجع يعود إليه، حيث تجد نفسه فيه راحتها وهو موئل المكان، أما موئل الزمان فهو أوسع نطاقا وأكثر اجتذاباً للحنين، ويشمل فيما يشمل المكان، حين تستذكر فترةً، فأنت تستطرد حتى تصل لمكان أحداثها التي صنعت ذلك الحنين، وليس من الضرورة أن تتكون الذكرى من أحداث فقد يكون مكانك أكثر أماكن العالم سكوناً لكن هناك خصائص تميزه، بيئة المكان و مناخه، عبقه و روائحه، ضوضاءه و هدوءه والزمن الذي وقعت فيه هي ماتصنع منه مسرحاً مصغراً في مخيلتك تمر فيه الأحداث بمشيئة حنينك.

أحاديث الذكريات متعة الاجتماعات

حيث تأتي أنت بالشخصيات الحقيقية التي تعيش في ذلك المكان، وتوزعهم كيفما أحببت، وتقابلهم متى أردت بلا تنسيق مسبق ولا صدفة عابرة، ومع اتساع الفجوة الزمنية، قد يتخذ هذا النموذج لوناً أزهى من لونه الأصلي و روعة تفوق روعته الحقيقية يحكي بعضها ما نسمعه من راوي الذكرى، ويقودنا معه في أروقة المكان ولحظات الزمان حتى نشعر بغصة على خلو زماننا من مظاهر الطيبة أو المواقف الضاحكة.

تلك التي قد تكون مضخمة، فينحرف الحديث عن مساره اللطيف، وينقلب لوماً على زماننا متجاهلين أن ما نعيشه اليوم سيتخذ نفس الاتجاه، وسنحن إليه، ونُجمِّله كما فعل الأقدمون، وسيفعل المُحدثون. ومما يؤجج الحنين بالطبع المناسبات الاجتماعية والدينية، وعموماً كل حدثٍ يستدعي اجتماعاً سينتهي عادةً  بأحاديث الذكريات وشجون السنين الماضيات بين الحاضرين.

سيتذكرون فيها راحلين رائعين بسرد أسطوري لبعض قصصهم بشيء من المرارة حتى لَتتمنى لو أنك عايشتهم، وتتساءل كيف سيكون حال العالم لو كانوا موجودين؟ وماذا سيكون رد فعلهم على ما استجد بعد وفاتهم أو عودتهم إن كانوا غائبين، وحين يعودون تفاجأ أن شيئاً من المبالغة في تصوير ردات فعلهم المقصوصة عليك حينئذٍ كان جلياً، ولا يعني هذا أنهم كانوا يسوقون الأكاذيب، لأن هذا في الحقيقة ما يصنعه الحنين.

ولهذا أقول أن للذكريات مسرحاً في مكان ما في الدماغ، وأن من سمات الأداء المسرحي الحدة التي قد يُعتقد أنها مبالغة في أداء المشاهد وتقديم الانفعالات، وكل ذلك لا يخل في جوهرها إنما هو يعطيها إثارة فنيةً قد تُغتفر.

فيديو مقال مسرح الذكريات

أضف تعليقك هنا