هل يجوز لنا أن نسمح للواقع المرير أن يدهمنا إلى هذا الحد؟ ، وننتظر عليه حتى يصبح أقوى من قدرتنا على مواجهته، زعماً بأننا نتكيف؟
إنك لو وجدت نفسك مُرغماً على قبول حال مثل تلك الحال، فلتعلم أنك لم تعد، ولن تكون بعد ذلك أنت !
وذلك لأن الأنا بفطرتها أبية عزيزة ، ولا تتحقق لها حياتها إلا إذا امتلكت نفسها ، فإذا انسحقت تموت بفطرتها أيضاً ، لأنها لا تتحمل السحق وهي مفطورة على الإباء ، ولذا فالسحق يقتلها مبكراً ، فإذا لم تمُت ، فلتعلم – عزيزي القاريء – أن أشياء قد تحطمت بداخلها ، وإذا رأيتَ أناساً لا يزالون ماثلين على قيد الحياة يتنفسون ، رغم أنهم مسحوقون ، فلتعلم أن ماترى هو محض خيالات وظلال بشر قد خربوا من الداخل ، ولكنهم لسبب أو لآخر يرفضون السقوط.
النفس الكريمة تواجه ما تأباه لتحيا كريمة ، فإذا أُرغمت على التسليم بالدَنِيَّة فإنها تفرُّ هاربة من هذا العالم لتنجو بجلدها الثمين ، فالموت في المواجهة عندئذٍ يكون أكرم من الموت سحقاً وانبطاحا وذلة.
التكيُّف مع الواقع استعدادٌ جميل، بحيث نكون متحرفين لمواجهة ، أما الانبطاح للواقع الضاغط فهو شيء قميء ، أدنى درجة من الجبن.
ونحن نواجه في واقعنا تحديات كثيرة مطروحة عمداً لاختبار الصلابة ، فإذا بنا لا نتصلب ولا نكشر ولو عن نابٍ واحدٍ ولو كاذب.
فعلى سبيل المثال ، نواجه التعطيش ، فإذا بنا نلجأ إلى بدائل مقززة ومُخزية ، يطلقون عليها «معالجة» الماء “الخارج منا” ، ليعود ليدخل فينا مرة تلو المرة، وهو شيء مثير لأعصاب المعدة والقولون والنافوخ والنفس، ولا يفيد في تهدئة كل هذه الأعضاء، أن تقول أنها معالجة “ثلاثية” أو حتى رباعية، أو تتحجج بتكنولوجيا العلم التي جعلت كل شيء ممكناً، لتخفي تراجعك وقبولك لدهس من أراد أن يدهسك، حتى دَهَس.
ولقد قالها الفيلسوف اليوناني قديماً ومضى:
قال أن الانسان لا ينزل النهر مرتين ! لأن ماء النهر يستمر دائما في الجريان ماضياً لحال سبيله ، وربما لا يعود الى يوم القيامة ، فإذا اغتسلنا فيه مرة ، فهي المرة ، لا تعود إلى يوم القيامة.
أما أن تسجنني في المياه ذاتها، تأتي وتذهب وتعود هي نفسها مرات ومرات ، مع وجود كل هذا الماء في الكون ، فهذا شيء فوق كل احتمال.
لقد بلغ انبطاحنا ذروته منذ لحظة المنصة التي اغتيل وراءها الرئيس السادات، وكانت المرة الأولى التي صكت فيها آذاننا كلمة «الانبطاح» ، فالجميع انبطح ساعتها تفادياً للرصاص، وكان من ضمن الحاضرين ضيوفاً من العرب وأعضاء حكومة ورجال دين ووزراء، كلهم انبطحوا ، ولكن السادات لم ينبطح ، ولذلك مات! ، ربما لأنه لم يكن في تلك اللحظة الخاطفة يستطيع أن يستوعب القواعد الجديدة المُفاجئة لعصر الانبطاحات الكبرى ، عند أمة العرب ، انبطاحات تُرغم الأنوف وتأكل الهيبة.
ومن ساعتها تعلمنا وتدربنا على الانحناء لكل ريح.
لا ننبطح فقط لقوى كبرى غاشمة خشية بطشها ، ولكننا ننبطح أيضاً لعيوبنا وعاهاتنا وفسادنا، ننبطح لمصالح ثُلة من مصاصي الدماء ، نسميهم رجال أعمال ، فنقول لهم “بالقانون”: تعالوا وأعيدوا لنا بعض ما “تجاوزتمونا” فيه، (يعني ما سرقتموه منا)، ثم سنسمح ، بل ويسعدنا ، أن نبدأ معكم عهداً جديداً مديداً ، تواصلون فيه فعل ما يحلو لكم.
بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل الله… اقرأ المزيد
أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد
بقلم: رسل المعموري ""وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا… اقرأ المزيد
ما هي صفات الابن المراهق؟ لسن المراهقة بدايةً بالتمهيد وهو عمر ما قبل سن المراهقة… اقرأ المزيد
أنا فخورة بأنني أمازيغية مغربية، فاللغة الأمازيغية تحمل في طياتها عمق الإحساس وجمالية الطبيعة والثقافة… اقرأ المزيد
لطالما كان الوقوفُ على قدمين منتصبتَين، أو ربّما على قدمٍ واحدة، أو ربما النهوض بلا… اقرأ المزيد