((عمرٌ إفتراضي))!

تفيضُ عيني بالدموع..
يختنق الإحساس بداخلي….
تتركني الحروف للصمتِ المُعتاد!
تهجرني العبارات لأصير عاجزةً عن التعبير..
وتغادرني أنا التي عرفها الكثير!
لتحضر أنا الأخرى التي أعرفها وحدي ويشاركني معرفتها أشخاصٌ قلما ظهرت لهم، ولكن على أى حال كانَ ظهورها كافياً لينفروا مني…
لقد مللت الصمت ذاك الذي لا يشقهُ سوى صوتُ الصراخ، صراخُ أمي في وجهِ أخي، صُراخي في وجه أختي، صراخُ أبي في وجهي….
والفراغ الذي ساعد كل من حولي أن يشكلهُ في قلبي، هو فراغٌ، صحيح، لكنهم شكلوه بالمشاعر المنعدمةِ واللقاءات الملغية، والشوق المكبوت، والصمت المستمر!
هم شكلوه بالاشئ الذي منحوني إياه!
باللاشئ الذي أعدم كل ما حواه الماضي من ذكرياتٍ كنتُ أضحكُ حين تعبُر من أمامي…
الذي أسكت صوت الضحكات الصادرة من يومٍ إجتمعنا فيه..
الذي قتلَ حباً كننتهُ لمن لم يعطوني ذرةً منه…
والذي حجب الوجوه الضاحكة من الصور التي غادرتُ أصحابها منذ حين ولم تغادرني صورهم أبداً! صورهم منعدمةُ الوجوهِ حالياً…
حاولتُ مراراً أن أشغلَ نفسي بشئٍ جديد…
حاولتُ مراراً أن أكملَ الرسائلَ التي بعثتها لأحدهم ذاتَ يوم..
لئلا تنقطعَ صلتي بها!
حاولتُ أن أنغمسَ فيما أُحِب..
أن أفعل ما يجلبُ السعادة لروحي المشتاقةُ للفرح…
لكنني فشلت، فشلتُ في كل مرةٍ كنتُ أبدأ فيها شيئاً جديداً لأنني لم أعتد فعله، وفشلتُ في كل مرةٍ حاولت تركَ عادةٍ معينة لأنني لم أعتد ألا أفعلها!
فشلتُ في شدِ الحبلِ الذي أرخاهُ الطرف الأخر وقتما كنتُ أشدهُ بكل قوتي لأهوى فأصطدمُ بلوحةٍ كتب عليها بالخط العريض(غرباء)!
أغرباءٌ نحنُ حقاً رغمَ ذكرياتنا معاً؟
أغرباءٌ نحنُ فعلاً ولا تربطنا صداقةٌ كانت جميلةً ذات يوم؟
وفشلتُ في أن أنغمس فيما أهوى لأن أفكاري إستمرت بالتشويش على عقلي!
ورغم محاولاتي لجلب السعادة لنفسي، إكتشفتُ أنني فقدتُ الإهتمامَ بما كان يسعدني يوماً ما.. فلم يعد لسؤال ( ما هى مسببات السعادة بالنسبةِ لكِ؟) من إجابة!
كلما خلوتُ بنفسي وهذا عادةً حالي طوال اليوم، شعرتُ بالوحدة تلُف قلبي!
تخنِقُ أنفاسي، وتدفع العبارات للخروج من فمي رغم أنني على علمٍ أنهُ ما من أحدٍ هناك ليسمعني!
فأبكي! لأنني أشعرُ أن صداقاتي كلها ألقت بي في هوةِ الزيف ليسَ أكثر!
وأن الصديقَ الوحيد لي لا يتعدي جهازاً لوحياً، قلما صرت أستمتعُ بصحبته مؤخراً!
وأن العائلة التي إعتادت أن تلتمَ حولَ طاولةِ الطعام، أو أن تتجمعَ أمام التلفاز، أصبحت الأن إسماً وحسب.. وأصبحنا نوهِمُ أنفسنا أن جدرانَ غرفنا أدفأ لنا من إجتماعنا في مكانٍ واحد…
إنني الأن أشعرُ بالحزنِ الشديد…
لأنني إنتظرتُ من صديقتي رسالةً، حتى أتت محملةٌ بعباراتٍ ملؤها قلة الإهتمام وشعرت بالحروف فيها تُديرَ ظهرها لي كما فعلت مرسلتها!
سأكون مشغولةٌ في الأيام القادمة
لن نتكلم كثيراً!
هكذا بكلِ بساطة.. أسكتت حروفي، أطفأت حماسي، وأشعرتني أن هالةُ الوحدةُ حولي تتوسع…
بدا عالمها مجهول المعالم، غريبَ الأطراف!
بدت هى لي متاهةً أضعتَ الطريقَ فيها كلما إعتقدتَ أنك شارفتَ على الوصول!
وأكثر ما ضايقني هو أن عالمها ذاك لا يشغلهُ شئٌ يتعلقُ بي!
لا أمثل طرفاً فيه، وأنا أعلم أننا نصنع الوقت والفرص واللقاءات إن أردنا أن نمنحهم لمن نحب، ونخترعُ الأعذار وندعي الإنشغال ونتحجج لنلغي المواعيد إن لم نُحِبَ من أرادنا أن نمنحهُ إياها….
هى معادلةٌ بسيطة، يفهمها الجمبع
ويصدقها قلائلٌ!
إننا لا نملُ الوحدةَ بقدرَ ما نمل مشاعرنا الراكدة!
وحروفنا التي تفنى لقضائها عُمراً أطولَ من ذاكَ الذي وُجدت لأجله، لأنها كانت هناك لتروي قصة عشناها في وقتٍ ما
لتصفَ موقفنا لأجله ضحكنا
أو لتصفَ مشاعراً صَعُبَ علينا أن نصفها…
وحينَ مر وقتٌ طويل على تلك الأشياء جميعها، دونَ أن نخبر أحدهم بها…
نضبت الحروف وإنقضت القصص التي حملتها!
ولا تؤلمنا الوحدةَ بقدرِ ما يؤلمنا
تلهفنا للحديثِ مع شخصٍ ما دون أن نتحادثَ فعلاً
بقدرٍ ما تؤلمنا رسائلنا المقروءة دونَ رد!
وجملنا المبتورُ منها أكثر أجزائها صدقاً، خشية إغضاب من نُحب!
إننا لا نشعرُ على هذا النحو إلا حينما، ننسى شكلَ الشارع، نتكور حول أنفسنا كل ليلة، نتخذُ من الكتب صحبة، ومن أجهزتنا اللوحية عالم، لا نشعرُ هكذا إلا حينَ تفقدُ الأشياء من حولنا بريقها ويغلف الصمت أحاديثنا وتمرُ شهورٌ على أخر مرةٍ تحادثنا فيها!
نحنُ نصبِحُ هكذا حينَ ينتهي العمرُ الإفتراضي للأشياء التي وجبَ أن تُقالُ حينها وللمشاعر التي آلمنا إحتواءُ القلبِ لها كشوقٍ لم يتوجهُ لقاء وكحُبٍ أضعفهُ الجفاء…! فتصبحُ كلها أشياءً مؤذيةً لنا إذا ما سمعناها أو شعرناها بعد ذلك…

فيديو ((عمرٌ إفتراضي))!

أضف تعليقك هنا

سارة شادي

سارة شادي