دائماً ما نتكلم عن وجود نقد بناء وآخر هدام، نقد مبني على رؤى علمية وواقعية، ونقد مبني على عاطفية متقلبة ومزاجية وقتية، وفي الحالتين فإن الشخص الذي يقدم على انتقاد الاخرين فانه سيكون مسؤولاً، لأن الانتقاد إن وضع في مجاله الطبيعي كعمل أو جزء من وظيفة معينة، فانه سيصبح اساساً لبناء المجتمع وان استخدم في غير محله فانه سيكون سبباً في تحطيمه.
ومن أجل حصر الموضوع والاستفادة منه، علينا ان نحدد العناصر التي يعتمد عليها الانتقاد، ومن ثم نحدد أسلوب الانتقاد، وبعد ذلك نجمع الأمرين معاً لنستخرج الخلاصة.
وقربه من الفعل الذي ينتقده، ومدى امتلاكه للخبرة والمعرفة التي تعطيه الحق والالزام بتوجيه الانتقاد الى الاخرين، وعلى سبيل المثال، عندما يشاهد الطبيب احد مرافقي المريض يطعمه لحماً مشوياً خلسةً، وهو يعلم ان هذا المريض لا يصلح له هذا النوع من الطعام، فانه سيوجه انتقاده لهذه الحالة، ولكن عند المريض الآخر الراقد الى جواره، يرفض مرافقيه ان يعطوه لحماً مشوياً، والطبيب ينتقدهم ايضاً على هذا التصرف، لان حالة مريضهم تختلف عن حالة المريض الآخر، ولهذا فان الطبيب ينتقد هذه الحالة ايضاً.
والسؤال المطروح، هل يحق للزائرين ان يوجهوا انتقادهم الى الطبيب لأنهم غير مقتنعين برأيه، فهنا يمنع وهنا يبيح؟؟؟
فمخالفتها او الاتيان بها بشكل مخالف للمألوف والدارج، سينتج عنه انتقاد من قبل المجتمع، وهذا الانتقاد سيتعرض إلى انتقاد اخر من قبل مجتمع آخر تختلف فيه العادات والتقاليد والأعراف، ومثالنا على ذلك، عندما تحضر مناسبة في البادية او الريف، ويقدم لك الطعام من الرز والخبز واللحم المشوي، وكل اربع اشخاص يتشاركون صحناً واحداً، ويأكلون من غير ملاعق، وانت تطلب صحناً لوحدك ومعه ملعقة، فإن الحضور سيوجهون لك الانتقاد، في نفس الوقت عندما تعود الى أهلك فانك ستوجه لهم الانتقاد ايضاً.
والسؤال هو، هل يحق لنا ان ننتقد عادات الآخرين وتقاليدهم واعرافهم الاجتماعية، ونعتبر أنفسنا افضل منهم؟؟؟
أهم عناصر الانتقاد، حيث إنك ستنتقد أي شخص لا تحبه، وستنتقد بضراوة الشخص الذي تكرهه، لا بل ستوسع حلقة الانتقاد لتشمل الأشخاص المقربين ممن تكرهه، وعائلته وقومه ولغته وتراثه وتاريخه وكتبه وكلامه وكل ما يصدر عنه ومنه، وهذا واضح في بنية المجتمع، وأكثر وضوحاً بين الأديان والقوميات والأعراق.
والسؤال هنا، هل الكره والحقد والغيرة أساس صحيح لتوجيه الانتقاد؟؟؟
يهدف هذا الأسلوب إلى توجيه الشخص او الأشخاص وتنبيههم الى خطورة الفعل المنتقد، ويتميز هذا الأسلوب بكونه يعرض عند الانتقاد الأوجه العلمية والحقائق العملية لأضرار هذا الفعل، ويتحلى بالخطاب الرقيق والهادئ، وعادة ما يكون المنتقد للفعل لا يقوم به او بشبيهه، مثل انتقاد الأب لابنه بسبب كثرة سهره واستخدامه للهاتف، او انتقاد المعلم لطلابه الذين يأكلون من أماكن ملوثة.
وهو انتقاد شديد اللهجة، يوجه عند ارتكاب فعل مخل بالمقاييس بشكل عام، والهدف منه هو إشعار صاحب الفعل المنتقد بأنه ارتكب فعلاً غير مقبول، ولعل هذا الفعل قد يسبب في هلاك او أذية الآخرين، كانتقاد الشاب الذي يعمل الحركات البهلوانية والمخاطرات الجنونية بسيارته وفي الشوارع العامة او قرب مدرسة او سوق شعبي مكتظ بالناس، فانتقاده سيكون بالأسلوب الخشن الرادع لتحسيسه بخطورة ما يفعل على نفسه وعلى الآخرين من حوله.
يستخدم هذا الأسلوب لغرض أذية الاخرين، فهو لا يعتمد أي ضوابط علمية او عملية، وانما يستخدم الالتفاف حول الموضوع، وتغيير الحقائق، والهدف منه هو الانتقاد الفارغ فقط، كانتقاد النساء لبعضهن في اللبس والكلام والمكياج وطريقة الاكل، او ما يستخدمه اليوم البعض في انتقاد الدين او الديمقراطية وبأسلوب مستفز في محاولة لإشعار المقابل بانه دون المستوى.
وبعد ان تعرفنا على العناصر والأسلوب الخاص بالانتقاد، بقي لدينا أمر واحد وهو أن نجمع العناصر بالأسلوب، هذا الجمع سيبين لنا الفائدة الفعلية من الانتقاد، والهدف الذي يصبوا اليه الأشخاص من خلال اصدار انتقادهم الى الاخرين، ومدى تأثير هذا الانتقاد على المقابل.
تحقق الهدف بشكل صحيح، فمثالنا السابق عن الطبيب، عندما ينتقد بهذا الأسلوب ويشرح سبب منع المريض من اكل اللحم المشوي وعدم منعه على المريض الاخر، فانه سيحقق أهدافه ويكون انتقاده ذي فائدة عامة.
نبقى مع مثالنا السابق، فما الجريمة التي ارتكبها المريض حتى يتم انتقاده بقوة وبعصبية، وعلى فرض انه أخطأ فما ذنب الاخر الذي اشتبه عليه الامر وامتنع عن اكل اللحم المشوي؟! ومن خلال استخدام هذا الأسلوب فان المقابل سوف يشعر بالإهانة، وهذا سيحط من مكانة الطبيب عند الاخرين.
عندما ينتقد الطبيب المريضين على اكلة أحدهما أرادها والأخر امتنع عنها، لا توجد هنا أي مشكلة، ولكن عندما ترتسم على وجهه ضحكة الاستهزاء والاستصغار، ويبدأ بانتقاد اللبس واللهجة والعطر وغيرها، فإن المقابل سيشعر بالإهانة، ولعل ردود الأفعال ستظهر ولن تكون في صالح الطبيب.
وهكذا هي الحال مع العنصرين الآخرين، فكل عنصر له أسلوبه الخاص به، والأسلوب هو الذي يعطي قوة وأهمية وحجم للانتقاد، اما العناصر فهي مصدر الإلهام لهذا الانتقاد، ونحن بحاجة إلى ترويض انتقاداتنا وجعلها ذات أهمية، والابتعاد عن الانتقادات الفارغة، هذه الانتقادات أدت الى نشوب فجوة بين القوميات والاعراق والأديان والمذاهب، بل وحتى بين العوائل والافراد، فالانتقادات قد تصبح مرضاً ينخر في بناء المجتمع إذا ما وظفت بشكلٍ غير صحيح.
والحمد لله رب العالمين.
فيديو مقال الانتقاد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد
منافع ومصالح قائمة على دماء الأبرياء في غزة، يصارع أكثر من مليوني إنسان شبح الموت… اقرأ المزيد
بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل الله… اقرأ المزيد
أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد