أحيانا يبحث الإنسان فيما حوله عن لحظة راحة، لحظة سعادة خالصة، تبحر به بعيدا عن المنغصات والهموم، ومن تلك اللحظات النادرة التي مررت بها مؤخرا -وهي تعد نادرة ضن الزمان أن يمن بمثلها- كانت تلك اللحظة التي وضعت فيه أمامي حرمنا المصون، السيدة “أم كنزي”، ذلك الطبق العجيب من المحشي المختلف ألوانه.

قصة طعام لذيذ

تلك اللحظة التي زكمت فيه أنفي روائح محتوياته الشهية وقد انتشلت لتوها من فوق النار، للتتمدد مسجاة أمامي في ذلك الطبق السحري لامعة ملونة شهية كأنها جواهر..ما مبين فلفل مكتنز ، وباذنجان مباهٍ بنفسه وحسبه ونسبه، وطماطم مغرورة بجنونها، ولفائف الكرنب الرقيقة، والتي تعد ك أن تحملك لجنة ليست بجلال السماء، ولا بوضاعة أي جمال فانٍ على كوكبنا التعيس.

كنت انظر مع كل قطمة من محتويات هذا الطبق الفخم ،بكل ما فيه من زخم اللذة المجردة، إلى حرمنا المصون، وكلي إمتنان. كنت مستعدا نفسيا لمكافأتها بأي طلب تطلبه حتى لو كان امتياز “قناة السويس الجديدة” ، فطبق المحشي هذا كان لا يقل جلالا عن طبق المكرونة الذي شفع لــ”ديليسيبس” عند “الخديوي سعيد” للحصول على امتياز القناة القديمة.

كل ما كان حاضرا في ذهني لحظتها هو أن السعادة قد تكون بسيطة المفردات، وأن أي شيء في العالم يصير هينا أمام تلك السعادة الخالصة، والتي يوفرها لنا أحيانا شيء بسيط كوجبة مطهية بمهارة..هذه السعادة اللحظية البسيطة (الطعام اللذيذ) في بعض الأحيان حركت تاريخ البشرية للأمام أحيانا وللخلف في أحيان أخرى..

مقالات متعلقة بالموضوع

الطعام اللذيذ ودوره في بعض الأحيان في كتابة التاريخ

فمذبحة المماليك التي أخلت الطريق أما “محمد علي” وأسرته من بعده كانت في الأصل مأدبة فاخرة.

ولعل ما ذكره “أبو الفداء” في تاريخه “المختصر في أخبار البشر” عن الخليفة “سليمان بن عبد الملك” في أنه “كان مُغْرماً بالنساء، كثير الأكل، حج مرة، وكان الحر في الحجاز إذ ذاك شديداً، فتوجه إلى الطائف طلباً للبرودة، وأتي برمان فأكل سبعين رمانهَ، ثم أتي بجدي وست دجاجات فأكلها، ثم أتي بزبيب من زبيب الطائف فأكل منه كثيراً، ونعس فنام، ثم انتبه فأتوا بالغداء فأكل على عادته، وقيل كان سبب موته أنه أتاه نصراني وهو نازل على دابق، بزنبيلين مملوءين تيناً وبيضاً، فأمر من يقشر له البيض، وجعل يأكل بيضة وتينة، حتى أتى على الزنبيلين، ثم أتوه بمخ وسكر، فأكله فاتخم، ومرض ومات”..فكان أن أوصلى بالخلافة لابن عمه “عمر بن عبد العزيز”.

خاتمة

وذلك في تاريخنا قطر من فيض، والحقيقة لو قطعت -في دخيلة نفسي- بأن الطعام في بعض الاحيان قد حكم تاريخنا وحدد مصائرنا كبشر، فقد كانت خلوتي تلك بطبق المحشي كفيلة بأن جعلتني موقنا يقينا قاطعا بأن المحشي كان في تلك اللحظة يحكم العالم في نظري ويحدد مصيره ويسوقه سوقا ليصبح نعيما خالصا.

فيديو مقال المحشي يحكم العالم

أضف تعليقك هنا
شارك

Recent Posts

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ

بين غزة والذكاء الاصطناعي.. الوقت موت

منافع ومصالح قائمة على دماء الأبرياء  في غزة، يصارع أكثر من مليوني إنسان شبح الموت… اقرأ المزيد

% واحد منذ

جبريل عليه السلام

بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل  الله… اقرأ المزيد

% واحد منذ

من فضلك كن نفسك فقط

أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد

% واحد منذ