تمر الأيام و تمر السنين ، و تبقى أجمل الأحلام و اللحظات في ذاكرتي ، تمر الحياة بمرارتها و قسوتها لكن الجميل يبقى دائماً مترسخ في عقلي . كم تذكرت بيتنا القديم الذي يقع بين سلالات الجبال و بين أحضان الوديان و على مرتفع التلال و تحت سماء الجمال ، الذي يقع في ريف من أرياف العز و الإحسان ، أمامه واحة زرقاء ، صحراء خضراء ، أشجار النخيل الطويلة . أعترف أن الذكريات والحنين والشوق الجارف للماضى يقتلنى يوماً بعد يوم . اشتقت لتلك الأيام ، اشتقت لنفسي ، اشتقت و أنا ما زلت مشتاق على كل لحظة فقدتها على صوت العصافير و صياح الديك و شجرة الرمان الدموي .
بيتنا الذي يطل على منظر خلاب ، به مطبخ صغير يملؤه حب كبير ، و غرف ذات اللون الأصفر الفتان ، التي تملؤها الفرش الذهبية المريحة ، و دواليب خشبية ، و نوافذ مغطاة بستائر زيتونية مشعة ، بها ورود مزخرفة عليها ، و الجدران الخارجية التي تحمل الألوان الزهية بها أبواب مرسومة من أعواد الخشب الجميلة ، حديدة ثقيلة ، تفتح كل يوم بعد صلاة الفجر و تغلق بعد صلاة العشاء .
في بيتنا حديقة صغيرة و هي مزرعتي الحبيبة ، كانت لي معها ذكريات كثيرة ، كنت ألعب فيها كل يوم ، و أزرع أنا و أخي خضروات عظيمة طماطم و خيار و أيضاً النعناع الذي ملئت رائحته البيت ، و لا أنسى الفواكه الساحرة من أنبج أخضر ، شمام أصفر و بطيخ أخضر . دائماً كنت أجلس جانب شجر والدي المفضل شجر الرمان الأحمر و كأنه دم غزال حقيقي ، كنت أقطف منه في مساء كل يوم و أجري به إلى والدي لنأكل معاً ، كان أبي يجلس امام ممر لماء جميل ، هادئ و ساكن الصوت، شكله يشبه النهر الطويل الجاري .
و في الضفة الأخرى من البيت ، كان يوجد مجلس صغير ، به مقاعد ملكية ذات اللون الفضي المختلطة مع الذهب و باب بني مائل للحمرة ، و فيه آيات قرآنية محفورة على الجدران ، كانت أمي تضع الفطور فيه كل يوم ، كنت آنذاك صغيراً ، كنت أرى اخوتي و هم يذهبون إلى المدرسة و يرجعون و الفرحة ملئت قلوبهم ، أتذكر حينما كان أخي يحضر معه هدية و كانت شبه الحلاوة من المدرسة ، كنت أشاجره عليها ، حتى تأتي أمي وتقسمها بيننا .
و قبل صلاة كل جمعة ، كان أعمامي و جدي يزورونا ، و كنا نستضيفهم في ذلك المجلس ، وبعدها نذهب للمسجد معاً ، و نقرأ سورة الكهف ، و من ثم نعود و نخرج أمام البيت و نجلس تحت شجر السدر و نأكل الغداء الذي كان موزعاً في تحضيره على الجميع ، لكننا كنا نجتمع في ذلك المكان من كل أسبوع ، حتى وإن كانت ظروف صعبة .
القطط التي أحبها ، كانت تأتي كل يوم أمام غرفة الكتب الملئية بالكتب و الصحف و المجلات الورقية ، و كان إخوتي ينزعجون منها حين تدخل و تدمر الأوراق و لكنني كنت عطوفاً معها ، ألعب معها و أعطيها الأكل و أقدم لها الماء .
و مرت الأيام ، وغابت كل اللحظات مع فراق الكثير لكنها بقت محفورة في عقلي ، أريد العودة لهذا الزمن ولا أرجع منه مرة أخرى حتى أشعر أننى على قيد الحياة بالفعل ، و ها انا في البيت الجديد الذي لم يجعل من اللحظات الجميلة سوى ذكريات مخفية .
تمر الأيام و تمر السنين ،و تبقى أجمل الأحلام و اللحظات في ذاكرتي ،تمر الحياة بمرارتها و قسوتها لكن الجميل يبقى دائماً مترسخ في عقلي .
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد
منافع ومصالح قائمة على دماء الأبرياء في غزة، يصارع أكثر من مليوني إنسان شبح الموت… اقرأ المزيد
بقلم: رسل المعموري جبريل عليه السلام هو أقرب ملائكة الله إليه، وصديق النبي صل الله… اقرأ المزيد
أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا من لا يزال يؤمن أو متأثر بثقافة المنظرة… اقرأ المزيد