مجالس الحُكماء (توريث الخوف)

تجربة حصلت في بلاد الشيوعية مع شيخ كبير بالسن

شيخ كبير في السن، يبدو من شكله أنه من دول الاتحاد السوفيتي السابق، دخل بصحبة أحد الأحبة، بعد أن سلّم على الجميع أخذ مكانه في المجلس.

  • ممكن لو سمحت أن نقتطع من وقتكم دقيقة واحدة فقط، نستمع فيها لتجربة ذلك الشيخ الكبير من بلاد الشيوعية سابقاً؟
  • تفضل، حياك الله أنت وهو ، تفضل شيخنا، أعطوه المايك بارك الله فيكم.
  • اخواني الكِرام ، وأحبتي في الله، لستُ واعظاً، ولا عالماً، ولا حافظاً، لكني عشت تجربةً أحببت أن أنقل لكم شيئاً منها، لن أحدثكم عن بطش الشيوعيون وقتلهم العلماء الربانيين، ولن أحدثكم عن جرائمهم في هتك أعراض المسلمين وهدم مساجد رب العالمين، لن أحدثكم عن التعذيب المشين  والمُهين في سجون أولئك المجرمين، فقد سمعتم كثيراً عن هذا ولا شك.

هل هي تجربة مختلفة؟

  • هي ليست مختلفة تماماً، لكني انظر إليها من زاوية أخرى، عشت في بيت مسلم يحرص على التعاليم ويُخبأ القرآن الكريم عن عيون الملحدين، ثم استلمت الراية ، فقد تزوجت وأصبح لدي أبناء لم يرو الدين إلا في البيت، أما في الخارج فلا حديث عن الدين لا عن رب العالمين ولا عن سيد المرسلين، بل المطلوب هم التخلي عن ذلك كله ومحاربته بكل الوسائل.
  • اخوتي: لن أطيل عليكم ، دخل عليَّ أحد ابنائي يوماً ليخبرني بقدوم ضباطٍ وعساكر إلى منزلنا، فكان أهم ما نعمله هو تخبأه القرآن الكريم، دخلوا المنزل بأسلوب فضِ وبكلمات قبيحة لي ولزوجتي وللجميع ، وبعد عدة لكمات وشتائم  وبعد عملية البحث الدقيق داخل المنزل، وبتقدير رب العالمين وحكمته وجدوا المصحف، وكأنهم حصلوا على الكنز العظيم .

احمَّرار وجه الشيخ وتغير صوته وكأنه يتذكر تلك الصورة

  • لقد أهانوا المصحف، وأخذوني إلى سجونهم، ودخلت  في دهاليز تعذيبهم ، ولا داعي لتفصيل  وسائل ذلك، وبعد عشر سنوات ، وبفضل من الله وحده خرجت من السجن  وكان في استقبالي أبنائي وبلهف الحب وتعانق الشوق انطلقنا إلى بيتنا، وكانت هناك مفاجأة بانتظاري.
  • أكيد فرحة الأهل والاقارب واحتفالهم بخروجك سالماً؟
  • طبعاً لم أكن سالماً تماما، المهم وصلت إلى المنزل ودخلت فكان في استقبالي جميع أفراد أسرتي، وبُعيد حديث قصير ، قال الأبناء : أبي أغلق عينيك. استجبت وأغلقتها. ثم : افتحها يا أبي: فتحتها، يا الله ، صحيح! ممكن ! الحمد لله. لقد كانت نسخة من القرآن الكريم، احتضنته وقبلته: من أين لكم هذا وقد أخذوا مصحفنا. سكت الجميع .
  • صحيح من أين؟
  • نظر الأبناء إلى أمهم وأشاروا إليها، نعم إنها زوجتي التي قالت كلمات، هي ما أحببت أن انقله لكم.
  • رسالة زوجة السيخ لزوجها بعد خروجه من السجن والعبرة منها

    • قالت: زوجي الغالي، لست وحدك مَن يحب القرآن، منذ أن أخذوك إلى السجن شعرت بالخوف وكذلك أبناؤك، وأدركت أن الحل هو بالتربية القرآنية، فقررت أن أبحث عن المصحف، وبعد شقاء وتعب وبحث وتحري وجدت نسخةً  عند بعض الشيوعين يبعها بالسر وبسعر غالٍ، ثم التفتَ إلى أبنائها، جمعتُ هؤلاء وحدثتهم عن الايمان والقرآن واقتلاع الخوف من صدورهم.
      ثم اتفقنا جميعاً على العمل بالليل والنهار لجمع المبلغ ، وفعلاً  جمعنا المبلغ ودفعته له واشترينا المصحف ، ومن يومها ونحن نتدارسه وكأنك بيننا، لقد علمتني ألا أخاف  من العباد، وخشيت أن أصدر ذلك الخوف إلى الأبناء، وتذكرتك ما تعاهدنا عليه بقولك:  حبيبتي ربما يتسلسل  الخوف من أولئك إلينا، لكن عاهديني ألا نصدره لأبنائنا مهما كان الثمن، فالخوف طريق الذل ونحن أعزّاء بهذا الدين. وبدمعة تجمع الحزن والفرح، ختم الشيخ كلامه: هذا ما أحببت أن أذكره لكم ، وشكرا لإصغائكم واستماعكم، والآن اسمحوا لي بالمغادرة .

واجب توصيل رسالة الشيخ لكل الأمة

  • استرح يا شيخ ، نحن مستمتعون معك وبحديثك الجميل.
  • ليس لدي وقت ، فلدي مواعيد وأعمال.
  • أي أعمال يا شيخ؟
  • لدي رسالة ، أريد أو أوصلها للناس كما أوصلتها لكم، فهناك الكثير ينتظرون تلك الرسالة.
  • على الأقل اشرب فنجان شاي معنا؟
  • شكرا ًلكم، سأشرب الشاي، وأحتسي القهوة حين أحقق رسالتي ، إن كنتم تريدون خدمتي فلي طلب واحد فقط.
  • ما هو يا شيخ؟
  • انشروا رسالتي تلك، ولتكن البداية من أنفسكم ، فنحن أمة العز لا أمة الذل ، أمة الشجاعة والإقدام لا أمة الخوف والندامة، فلا يجدي البكاء على الماضي والأطلال لكن علينا بالعمل وتربية الأجيال.

نهض الشيخ ، ونهض معه صاحبنا وودعنا وخرج وأظن جميعنا نفكر بذلك السؤال، هل نحن نوَّرث  الخوف لأبنائنا؟

فيديو مقال مجالس الحُكماء (توريث الخوف)

أضف تعليقك هنا