حزن وفرح

تربعت في عريش الجامع… أطالع جليسي الصالح…وإذا بي أتوجس بعاطفة خارقة، لم أعهدها من قبل!شعرت بمتعة غير مألوفة في التصفح…للوهلة ينتابني وعي بأن لحظي يواكب الكهرباء في السرعة… فدهشت،وفضيت العجب من هذا الوضع!

حتى حان مني التفات إلى الخلف، آها..! إنه الرش والطش..عراء رشيق..غيوم متكومة..وسحب متكدسة..نسمات لطيفة..ونفحات مريحة; كأنما هزت مني وتر القلب، ومست حبة الفؤاد.مغطت الطرف إلى السماء فإذا هي مربدة، وسرحت مقلتي يمنة ويسرة إذا البغش تنتضح على محياي… وحينها اهدودر البغر.

صديقة(السحب)تجري وتختلف إلى حيث تروم

تخيلت…قبل قليل كان قيظ الشمس يهدد الأرض بالضمور،وكانت صديقتها(السحب)تجري وتختلف إلى حيث تروم، لا يعرقلها أي معوق، تترنح في سيرها متثنية;كأنها تتبذخ على الأرض وتقول لها ممتنة:”انظري إلي فأنا حرة، أما أنت فجامدة، ترى كم تملين من هذا الحبس الأزلي الأبدي، لا تنسي أن ظلي يخفف عنك حينا فحين.. هووو! كم أغتبط بأن صديقتي لا تؤثر في”.

اشتداد غضب الأرض

ولكن فرحها لم يطل; فقد اشتد غضب الأرض تكاد تتميز من الغيظ بجانب ما داهمها الحظ التاعس من القحل والموات، إلى أن عيل صبرها، فشكت إلى صديقتها الوفية(الريح)، فأتت بالطرين والفرين، وأسرعت إلى السحب بكل بأسها، فبلبلتها للحرب فثارت، كما هاجت الشمس ولكنها للأسف عجزت هذه المرة عن معونتها، فلم تزد على أنها شجعتها… ثم ودعتها.

وهكذا اجتمع سواد عظيم من سود الغيوم في مكان معين، وحمي الوطيس ونشب العراك.. تكون من تلاقيهما قصف الرعود الجارف; تكاد تنخلع له القلوب، ولمع البرق الخاطف; يوشك أن يذهب بالأبصار، وكانت خيوط البرق آية لانجلاء المعركة عن فوز الريح.

بكاء الغيوم على هزيمتها

بكت الغيوم على هزيمتها ومطرت حزنا لفراق موطنها(السماء) وصديقتها(الشمس)، وأجهشت بأربعة سجام; واشتد المدرار…وهنا سرعان ما كبلتها الأرض بالغلال وجرتها أسارى إلى البحار والأنهار والجدول والآبار كرها وجبرا..(فيسمع من خريرها نشيجها وأنينها) ضيقت عليها الخناق وكدرت صفو حياتها.

ثم علت الماء خمرا وتجرعته حتى إذا ارتوت – وتبسمت أزهار الورود والرياحين ولثمت قطرات الغيوم، واستردت الأشجار والنباتات حياتها وتخلط الهواء بعطرها وطيبها وتكون نسيما عليلا ينعش الأرواح ويبهج النفوس وغنت الريح – اهتزت طربا وسرورا وترقصت نشوة وحبورا.. واغتبطت الريح والأرض على هذا الفوز العظيم،وهما ينظران المياه في مرآة المداعب.

من زمن قصير نفد صبر المياه

ومر زمن قصير..حتى نفدت المياه صبرها، فهتفت بالشمس في عالي النبرات، وتضرعت مستغيثة…فلما كانت الريح في لهو وسهو مع الأرض إذ برزت الشمس،وأرسلت رمضها العارم إلى الأرض حردان،… صحت الريح وصديقتها من نزفهما. فلما رأيا الشمس طاشتا…وفي بحر ذلك امتصت الشمس المياه وجذبتها إلى الفضاء حتى تحولت سحبا.

فاشتد خوف الأرض، وجفت…وحينئذ اعترت الهواء حمى حزنا على موتها….وهكذا خلت ساحة المعركة أما الإنسان فعلى العكس; يفرح من بكاء المطر وحزن الشمس، ويحزن من فرح السحب وخيلاء الشمس!هي الدنيا: حزن وفرح.

فيديو مقال حزن وفرح

 

أضف تعليقك هنا