الدم والشهادة نبراس الحرية والحق

بقلم: أ.د.سلمان لطيف الياسر

الممارسات المرتكبة بحق المحتجين في مدينة الناصرية

إن عدد القتلى في احتجاجات الناصرية بجنوب العراق ارتفع إلى 22 قتيلا بعد قمع قوات الأمن تظاهرات في مدينة الناصرية جنوب البلاد، وأقال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي رئيس خلية الأزمة في ذي قار جميل الشمري بعد ساعات من تكليفه إعادة فرض الأمن في الناصرية التي شهدت أعمال عنف أسفرت عن مقتل 22 متظاهرا، كما أفاد التلفزيون الرسمي.

وكان محافظ ذي قار، ومركزها الناصرية المدينة التي تشهد أعمال عنف وتقع على بعد 300 كلم جنوب بغداد، دعا في وقت سابق عبد المهدي إلى العودة عن قراره مهددا بالاستقالة في حال عدم إعفاء جميل الشمري من مهامه.

وشارك آلاف الأشخاص في موكب تشييع ضخم في وسط الناصرية بعد مقتل 22 متظاهرا في هذه المدينة الواقعة بجنوب العراق، وذلك رغم حظر التجول الذي فرض فيها قبل ساعات كما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.

وذكرت المصادر لوكالة الصحافة الفرنسية أن العشرات أصيبوا بجروح كذلك بينهم حالات خطرة، عندما استعادت قوات الأمن جسرين في المدينة بعدما احتلهما المتظاهرون لعدة أيام، وذكرت وسائل إعلام محلية أن قوات الأمن العراقية أطلقت النار في الهواء لتفريق المحتجين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار…  إلى ذلك أعلنت الحكومة العراقية تشكيل ما سمتها ب “خلايا أزمة” بقيادة عسكرية مدنية مشتركة لمواجهة الاحتجاجات بعدما أحرق المحتجون القنصلية الإيرانية في النجف.

ما هدف السلطات الحكومية من تشكيل “خلايا أزمة”؟

وذكر بيان للجيش العراقي أن السلطات شكلت “خلايا أزمة” في عدة محافظات في محاولة لاستعادة النظام، وجاء في البيان “تم تشكيل خلايا أزمة برئاسة السادة المحافظين و… تقرر تكليف بعض القيادات العسكرية ليكونوا أعضاء في خلايا الأزمة لتتولى القيادة والسيطرة على كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظات ولمساعدة السادة المحافظين في أداء مهامه.

كما أعلنت السلطات العراقية فرض حظر تجول في مدينتي الناصرية والنجف بجنوب العراق، حيث اقتحم محتجون القنصلية الإيرانية وأضرموا فيها النيران وكان محتجون قطعوا الطرق والجسور الخميس، سعيا إلى تعطيل المرور في مدينة الناصرية، بينما واصل آلاف المتظاهرين المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة لم يسبق لحراكات مطلبية اجتماعية أن قوبلت بكل هذا العنف والدموية… عداد القتلى والجرحى في شوارع بغداد والحلة وغيرهما من المدن العراقية، لم يتوقف عن الدوران، وأعداد الضحايا في ارتفاع وتزايد مستمرين، برغم تحذيرات الحكومة ومطالبة رئيسها بضبط النفس وإعلان حظر التجوال وارتفاع الأصوات المطالبة بالتحقيق في جرائم القتل بالرصاص الحي للمتظاهرين.

تحليل المحلل السياسي واثق الهاشمي للوضع القائم في العراق

المشهد العراقي سيكون أكثر عنفًا ودموية -قال المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي، إن رقعة التظاهر والاحتجاجات داخل الأراضي العراقية اتسعت لـ 4 أسباب: أولها عدم تحقيق مطالب المتظاهرين، والثاني عدم وجود حلول ناجعة من الطبقة السياسية لإرضاء الشارع العراقي، والثالث عدم تمرير قانون الانتخابات من قبل البرلمان، فضلًا عن زيادة أعداد الضحايا بين المتظاهرين والأمن أيضًا.

وأضاف الهاشمي خلال لقاء له في قناة الغد، أن الشارع العراقي ينتظر العديد من الخطوات سواء كانت سن قانون الانتخابات الجديد، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة، ومحاربة الفساد، وإقامة بنية تحتية.ولفت إلى أن الشارع العراقي ينتظر الكثير من الخطوات التي تقوم بها الحكومة، والتي لا يمكن أن تقوم بها دون الطبقة السياسية بكاملها خاصة من البرلمان صاحب التشريعات.وأردف: “لكن في ظل الخلافات بين الحكومة والبرلمان وهو ما أدى إلى زيادة حدة العنف، أتوقع أن المشهد القادم سيكون أكثر عنفًا ودموية”.

وأوضح الهاشمي أن الكرة في ملعب الكتل السياسية، وعليها أن تتفق فيما بينها بإرسال رسائل مطمئنة للشارع العراقي مع وجود الضامن، مشيرا إلى أن الضامن المقبول لدى الشارع العراقي هو إما المرجعية الدينية في النجف، أو الأمم المتحدة، ولن يثق الشارع في أية وعود للإصلاحات.

ثمة ما يشي أن في الأمر “سراً”… و”السر” هنا، أن ثمة في مراكز ومؤسسات صنع القرار العراقي، في الدولة والمجتمع وفي أوساط الميليشيات، من يعتقد أن ما يجري ليس سوى “مؤامرة” دبرت بليل بهيم، وإن هدفها الانقلاب على حكومة عبد المهدي والإتيان بحكومة موالية لواشنطن… ثمة من يعتقد بوجود غرفة عمليات تحرك الشوارع وتدير الحركة والحراكات… ثمة من يرى في الأمر فصلاً جديداً من فصول “حرب الوكالة المفتوحة بين طهران وحلفائها وواشنطن وحلفائها… حتى أن البعض رأى فيها رداً على ما جرى في ابقيق وخريص ونجران، وثأراً من الطائرة الأمريكية المسيّرة التي أسقطت بصواريخ إيرانية، إلى غير ما هنالك من فرضيات وتكهنات.

وحده هذا الإحساس المتضخم بجسامة التحدي، هو ما يفسر هذا “العنف” غير المبرر، وغير المفهوم الذي قوبلت به تظاهرات المحتجين ضد الفساد والبطالة وتردي الخدمات وانهيار الأوضاع المعيشية في بلد ثري، ويرقد فوق واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم… بخلاف ذلك، لا نجد تفسيراً ولا مبرراً لكل هذه “الدموية” في التعامل مع متظاهرين سلميين نحن نعرف، والجميع يعرف، أن ثمة صراعاً أمريكياً–إيرانياً في العراق وعليه… هذه حقيقة تظهرها الخريطة الحزبية والائتلافات السياسية، وتتجلى في القرارات والمواقف التي صدرت أخيراً، سواء بإزاحة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي عن منصبه، أو في تضارب الروايات بشأن مسؤولية إسرائيل عن الضربات التي استهدفت الحشد الشعبي، وهي روايات متضاربة حتى حين تصدر عن مسؤول هيئة الحشد فالح الفياض ونائبه أبو مهدي المهندس… نعرف وتعرفون، كيف تسعى الرئاسات العراقية من دون جدوى تكريس سياسة حياد العراق، والنأي به عن التجاذبات الإقليمية، حيث يضغط كل محور لجذب بغداد إلى خنادقه.

الحراك الشعبي في العراق أهو مؤامرة ضد الحكومة العراقية أم مجرد مطالبة بالحقوق المسلوبة؟ 

لكننا مع ذلك، لا نريد المضي بعيداً في اتهام حراك الشارع العراقي بالاصطفاف في “المشروع الأمريكي – الخليجي” ضد محور إيران، ولا نؤيد النظريات التي تضع هذا الحراك في سياق “الانقلاب” على النظام السياسي العراقي الذي تحظى إيران بسطوة وتأثير فائقين في أوساطه..

أولاً: لأن هذا الحراك -على اتساعه وضخامته- ليس الأول من نوعه، فقد سبقته حراكات مدنية وشبابية، قبل حكومة المهدي، وقبل تفاقم الأزمة بين طهران وواشنطن إلى هذا الحد، وهي رفعت الشعارات ذاتها، وتبنت المطالب التي لم تتحقق إيّاها…

وثانياً: لأن قاعدة هذا الحراك في المحافظات الجنوبية، وهي ذاتها القاعدة الحاضنة لنفوذ إيران وحلفائها، فالاحتجاجات تكاد تتركز في المناطق الشيعية، والمشاركون فيها ليس من طائفة أو مذهب بعينه…

وثالثاً: لأن فئات ومرجعيات شيعية، بعضها صديق لإيران أو حليف لها، أبدت تأييدها لمطالب الحراك، أو رفضت التعامل “الخشن” معها، ودعت للتحقيق في مجرياتها، وطلبت من الحكومة فتح آذانها لمطالبهم بدل إطلاق النار عليهم…

ورابعاً: لأنه لا توجد في العالم، “غرفة عمليات” أو “مؤامرة” قادرة على إخراج الناس بالملايين إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم والتضحية بأنفسهم لتحقيق مطالبهم، فإن كان الأمر، فهذا يعني أن غالبية الشعب العراقي مع “المؤامرة”، وأن “مطلقي النار” على أبنائه هم الأقلية التي تناور لدرئها…

وخامساً، وأخيراً: لأن لدى العراقيين “جميع الأسباب الموجبة” للثورة والغضب والغليان؛ احتجاجاً على فساد طبقتهم السياسية وأحزابهم الطائفية والمذهبية، ونظام المحاصصة، الذي لم يجنوا منه سوى البؤس والشقاء والجوع والفقر والعوز واليأس والإحباط…

ما يجب على الحكومة العراقية فعله اتجاه المواطنين العراقيين

“الدم يستسقي الدم”، والعراق يبدو أنه دخل في نفق يصعب الخروج منه، وحكومة عبد المهدي تفقد صدقيتها، وشرعيتها تُراق قطرة إثر أخرى، ومع كل قطرة تراق في ميدان التحرير أو غيره… والحلول الترقيعية من نمط صرف رواتب أساسية للفقراء والمعوزين، ليست هي الحل… الحل بفتح تحقيق شفاف ونزيه، ومحاسبة المسؤولين عن سفك الدم العراقي، رسميين كانوا أم ميليشياويين… الحل ليس بفصل ألف موظف على عجل، الحل بمحاكمات استثنائية لكل الفاسدين بدءاً من القطط السمان، وليس صغار الموظفين… الحل بخطة استنهاض وطنية شاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تعيد الكرامة للمواطن العراقي، وتحفظ للعراق حريته واستقلاله وسيادته، وتخرجه من دائرة التجاذبات الإقليمية والدولية، وتعيد له هيبته ومكانته وموقعه في النظامين العربي والإقليمي… الحل بالنظر إلى داخل المؤسسة الحاكمة في العراق بغرض تنظيفها، وليس بتعليق ما يجري على مشجب “المؤامرة” و”نسبته إلى “جماعات مدسوسة.

بقلم: أ.د.سلمان لطيف الياسري

 

أضف تعليقك هنا