يا بُنَيَّ أركبْ مع المُتمَيِّزين

بعض النصائح لك يابني

أَيْ بُنَيَّ، ها قد بلغتَ معي السعيَ، وإني أرى في اليقظة أني أعظُك، وأرجو أن أسمع منك:” يا أَبَتِ اطمئن، ستجدني إن شاء الله من المتميزين.”

يا بني، لا أريدك أن تقصص على إخوتك رُؤَاكَ الحالمة، ولكن أن تقصص نجاحاتِك الملهمة.

يابني الدنيا لم تخلق عبثاً

يا بني، اعلم رعاك الله أن الدنيا ما خُلقت عبثا، ولا أننا أُنزلنا إلى الأرض وتُركنا هملا، وإنما خلقنا لأمر جسيم، وحُمِّلنا أمانة عظيمة، علينا عمارة الأرض بما ينفع الناس، مع توحيد رب الأرض والناس، مع السعي الحثيث للنجاح في الامتحان والابتلاء مصداقا لقوله عز وجل:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾.

يا بني لتكن همتك عالية

لهذا فالحياة لا تحفل بالبطَّالين ولا تأبه للكُسَالَى الحالمين، ولا تذكر الأشخاص العاديين، بل تحفل بالعاملين وتأبه للناجحين وتذكر المتميزين.
ستجد حولك ألف هادم وقد لا تجد بَانٍ واحد، ببساطة لأن الهدم أيسر من البناء، فاحرص أن تكون من القلة التي تبني، واحذر أن تكون من الذين عجزوا عن البناء، فاشتغلوا بهدم ما بناه غيرهم.

يا بني، لتكن همتك عالية، وأهدافك سامية ، واعلم أن الهمة من الهم، فمن علت همته سمت رتبته، وإذا أردت ارتفاع هامتك فارفع همتك، وما اجتمع هدف بهمة إلا كان التميز ثالثهما.

فحدد أهدافك بدقة، ولتكن لك في هذه الحياة رسالة سامية تؤديها، وتعيش من أجلها، حتى إذا غبت أو متَّ بعد عمر طويل إن شاء الله، قالوا: “مرَّ من هنا وهذا الأثرُ”، وإن لم تقاتل من أجل تحقيق أحلامك، فليس من حقك البكاء في نهاية المطاف، فالرجال يبكون بدموع الفرح عند خط الوصول، والأشباه يبكون كالنساء بدموع الحسرة والندامة، وقد أبدع الشاعر أبو الحسن الجرجاني حين قال:

إذا أنت لم تَزرَع وأبصرتَ حاصدَاً +++++++ ندمتَ على التفريط في زَمَنِ البَذرِ

هدف الحياة

و إذا اخترت الريَّادة فعليك بالعزم، فإن الرائد تكثر حوله الأطماع، وإذا اخترت القيادة فعليك بالصبر، فإن الرأس تكثر فيه الأوجاع.

وقبل أن تصعد السلم تأكد أنه موضوع على الحائط المناسب، فقد يكون السلم جيدا، لكنه موضوع على الحائط الخاطئ، كذلك بعض الخطط والاستراتيجيات، يبذل فيها أصحابها الجهود العظيمة، لكنها ذات أهداف خسيسة، وصدق من قال:

“أن تمشي ببطء في الطريق الصحيح، خير من أن تمشي بسرعة في الطريق الخاطئ”

أي بني، اعلم أن بحر التفاهة محيط بك من كل جانب، أمواجه متلاطمة، وظلماته قاتمة، فقاوم بكل قواك لتصل إلى جزر المتميزين، وسواحل الإيجابيين، وأراضي الناجحين.

لا تيأس

ولا تيأس من كثرة العقبات، ولا تسمع للمثبطين والمشككين، ولا تغرنَّك ضخامةُ سفُنِهم وبهرجةُ ألوانها، فإنما هي من ورق، ما أسرع ذوبانها في الماء.  وعليك بمراكب العلم، وقوارب العزم، ولا يخيفنَّكَ صِغرُ حجمها، فهي متقنة الصنع، تسير بين الأمواج بأمر ربها، وتنجي من ركبها ووثق في حزمها.

يا بني لا تغرنَّك كثرة الأصدقاء حول الموائد، حتى ترى من يبقى معك في النوائب، فأصدقاء السراء ككرات “البلياردو” عند أول ضربة يتفرقون، أما الأصدقاء الحقيقيون فَكَقِطَعِ “البولينغ” رغم تلقي الضربات فإنها تتماسك وتسقط في نفس الحفرة، فإذا كان المكسب في العثور على الصديق الصدوق الوفي، فهو أيضا في خسارة الخائن الخؤون الزائف.

الكتاب خير جليس

يا بني، لا بأس أن تشتري هاتفا ذكيا، ولكن احذر أن يشتريك، ولا بأس أن تستعمله في الخير، ولكن احذر أن يستعملك في الشر، فإن كان ذكيا فكن أذكى منه، فكم من هاتف ذكي بيد غبي، ومهما كان ذكيا فالكتاب أذكى منه.

فليكن الكتاب جليسك، والقلم أليفك، فالقراءة نافدة تجدد الأفكار في ذهنك باستمرار حتى لا تتقادم، وجدول ماء عذب يحرك المياه في عقلك باستمرار حتى لا تأسن، فما أسرعَ فسادَ الماءِ الراكد، ورحم الله الإمام الشافعي حين يقول :

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ  ++++++  إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

كلما كان عقلك مغلقا فسد، فداوم على فتح نوافذه، وتعاهد ترتيب أركانه، بالقراءة الجادة، والتعلم الدائم، والنقاش الراقي ، والمدارسة المفيدة، والتكوين المستمر لذاتك، والاستثمار الذكي في تطوير قدراتك.

حلم النجاح

يا بني، أريدك أن تخطط خططا عظيمة، وأن تضع أهدافا عظيمة، وتحلم أحلاما عظيمة، لكن لا أريدك أن تنسى الاستمتاع بالمتع الصغيرة، ففيها تختبئ السعادة، وفي سعيك لتمتلك ما تريد، لا تنس أن تستمتع بما تملك، فمدة الرحلة أطول بكثير من لحظة الوصول، فمن الذكاء أن تستمتع بكل مراحلها، ولا تكن من الذين يعيشون الضيق والتأزم والنكد طيلة الرحلة، على أمل الاستمتاع عند الوصول إلى نهاية الوجهة، مضيعين جمالية الطريق وبهاء المسير، حتى إذا وصلوا مضطربين ومُتَعَكِّرِي المِزاج، اكتَشَفُوا متأخرين أن ما ضيعوا في الطريق أفضل وأبهى مما وجدوا في نقطة الوصول. لأنهم جهلوا أن سياحة الطريق أمتع من محطة السياحة.

يا بني قد يكون  بعض الصواب في أمر خاطئ فلا يجعله صوابا، كما قد يكون بعض الخطأ في أمر صائب فلا يجعله خاطئا، فتعلم أن تكون منصفا متعقلا.

الانسحاب ليس جبنا دائماً

يا بني اعلم أن الانسحاب ليس جبنا دائما، فقد يكون عين الشجاعة أحيانا، فقط عليك أن تعلم التوقيت المناسب للانسحاب والطريقة المثلى له، فقد انسحب خالد بن الوليد في مؤتة وهو سيف الله المسلول، بطريقة حقنت دماء المسلمين، وحققت نتائج لم تكن لتتحقق لو استمر في معركة غير متكافئة. وينسحب الأسد من مطاردة، إذا مالت موازين القوى إلى الخصم، باجتماع القطيع وتوحده على القتال.

كما أن بعض المعارك، الانسحاب منها أشرف من النصر فيها، كالجدال في العلاقات مثلا، فأن تخسر موقفا خير من أن تخسر إنسانا.

الكلام الكثير يدل على الجهل 

يا بني إذا رأيت الرجل يكثر الجدال والتنطع و الكلام أينما حل فاعلم أنه جاهل، فالجاهل فارغ من الداخل خفيف الوزن، كَـبَالُون يلعب به الهواء كما أراد، فلا تقترب منه واهرب من مخالطته هروبك من الأسد.

وإذا رأيت الرجل يكثر الصمت والتأمل، ويستمع أكثر مما يتكلم، ولا يتكلم إلا إذا طلب منه، أو أن الموقف يجبره على التدخل، فإذا تكلم أسمع، وإذا تدخل أجاد وأفاد، فاعلم أنه عالم، فتقرب منه، واسأله، وكن في خدمته، فإن هذا الصنف أنذر من الكبريت الأحمر.

القول لاقيمة له دون الفعل 

يا بني، لا قيمة لمظهرك دون مخبرك، ولا لقولك دون فعلك، فقد يرفعك لباسك بادئ الأمر، لكن علمَكَ ومَنْطِقَكَ هو من سيزكيك أو يسقطك من عين الناس. فإذا اهتم الناس بقالبهم اهتمَّ أنت بقلبك، فقيمة قلم الرصاص بجودة المادة التي بداخله وليست بشكله الخارجي.

يا بني، هذه نصائح من أب شفيق، وصديق رفيق، خرجت من قلبه ويرجو أن تسكن قلبك، فالنصح المقبول ما وافقه حسن تقبل المقول، وما خرج من القلب دخل القلب، وما علق باللسان لن يجاوز الآذان، فإن انتفعت بها سعدتُ، وإن استزدتني زدتُ.

فيديو مقال يا بُنَيَّ أركبْ مع المُتمَيِّزين

أضف تعليقك هنا