الكورونا يعيد فرز المجتمع العربي

يعيش العالم أجمع أزمة الكورونا وتعيش المجتمعات كل على حدة ما يجمع في تلك الأزمة وما يُفرِّق ولعل مما يفرق وما يخص مجتمعاتنا هذه الأيام حديث جانبي محتدم حول من هي الفئة الأفضل والأهم في المجتمع؟ المجتمع يفرز نفسه بنفسه فما نوع ذلك الفرز؟ وهل طريقه القسوة أم العدل؟.

فترة الكورونا تظهر أهمية دور بعض الفئات في المجتمع

كثر اللغط بين الناس هذه الأيام عن أفضل الناس وأهم الناس فقال البعض الحمد لله صمت الفنانون وظهر أنهم بلا فائدة علينا يعودون وقال غيرهم الحمد لله اختفى رجل الدين لأنه في ساحة العلم الذي ينفع الناس لا يُبين… سيل من الاتهامات جابت معظم الفئات الاجتماعية وعلا صوت بعضها على بعض في مقابل بزوغ نجم فئات كانت متوارية خلف لامبالاة المجتمع وغفلته عن دورها فلأجيال لم تستيقظ العقول على مجتمع بأسره يقف وهو يصفق تبجيلا وامتنانا:

  • لأطبائه.
  • ولمعلميه.
  • ثم لرجال أمنه.

بزوغ نجم هذه الفئات الأخيرة على حساب من كانوا يحتكرون ساحة الشهرة (ساسة ورياضيين وفنانين) هو ما جعل هذا الجدل يبلغ مداه ويكثر اللغط فيه وكأن المجتمع تحت ضغط أزمة الجائحة قرر أن يعيد فرز نفسه بعد أن أدرك حقيقة جديدة وهي أن الموازين لم تكن قائمة بالقسط وحان الوقت لنعيد النظر في نظامنا الاجتماعي وعقلياتنا التي تتعاطى مع ذلك النظام في علاقة جدلية لا يُعرف منها أيهما يفرز الثاني: هل المجتمع هو الذي يطبع عقولنا وأذواقنا بطابعه أم أن عقولنا نحن وأفكارانا هي التي تجعل مجتمعاتنا على ما هي عليه الآن؟ ليس للجدل نهاية ولكن حتما سيكون لهذه الأزمة نهاية

فهل سيؤتي فرز المجتمع لذاته بنتائج وثمار ننعم بها ما بعد الأزمة؟

سؤال جوابه مؤجل كما أن الحلول القيصرية في فرز المجتمع ليست سوى تفكيك له وضرب في صلب حقيقته وذلك خطر لا يجوز الحوم حول حماه.
الطبيب الذي وقع الجميع في غرامه هذه الأيام لولا طعام الإفطار الذي تناوله صباحا لما استطاع البدأ في عمله فشكرا لكل من شاركوا في إعداد وصناعة ذلك الإفطار، وفي صناعة أشياء كثيرة غيره كمن صنع الطبيب نفسه أي صفا طويلا من المعلمين والأستاذة الذين مرّ بهم في تاريخه.

شكرا لعامل محطة البنزين، شكرا للخباز، شكرا للمزارع، شكرا للشرطي وسائق التاكسي، شكرا للإمام وعامل النظافة، لمهندس الكهرباء ولسائق الشاحنة والحمالين الذين حملوا أكياس الدقيق على ظهورهم في الحر والبرد.. شكرا للمغني والموسيقي الذين جاءت ألحانهم من خلف مذياع اصطحبه الحمّال معه ليؤنسه ساعة راحته القصيرة.

لكل شخص دوره في نهوض المجتمع

أيها المتخاصمون في المجتمع أنتم المجتمع فلا صورة كاملة ومتوازنة له إلا بكم جميعا ولستم مجبرين على الاختيار ففي ساعة حزن أحدنا يكون البطل من يجعله فرحا وفي ساعة جوعه بطله من يجعله شبِعا وفي ساعة مرضه بطله من يداويه، ويوم نجاحه معلمه هو سبب فرحه…
لا شك أن أزمة الكورونا ستسبب الكثير من الاضطرابات الاجتماعية تماما كما تفعل مع الاقتصاد والسياسة وستخلف وراءها مجتمعات مهزوزة ولكن ليس لوقت طويل فمن التجارب الصعبة تأتي القوة الراسخة والحكم النافعة.

بقلم: العزة محمد الولي

أستاذة الفلسفة والفكر الإسلامي

موريتانيا

أضف تعليقك هنا