اللسانيات التاريخية

بقلم: أ.د. صباح علي السليمان

تعد اللسانيات التاريخية ذا أهمية في الدرس اللغوي الحديث ؛ إذ من خلالها نعرف تأصيل الكلمة أو القاعدة اللغوية عبر نشأتها إلى هذا اليوم . وهذا العلم ليس بعيدًا عن علماء العرب فقد أصلت كتب الأمالي جهود علماء العربية في مناقشة الآراء اللغوية ، وكذلك أصلتْ كتب الأخطاء اللغوية كلام العرب والصحيح منه ، أما المعاجم فكان لها أثر في نشأت تأريخ الألفاظ العربية من معجم العين إلى معجم اللغة العربية المعاصر لد. أحمد مختار عمر وهذا يدل أنَّ اللغة العربية ظلت مواكبة للتقدم مع الحفاظ على أصالتها .

ظهر عم اللسانيات في القرن التاسع عشر على يد من العلماء

اما كمصطلح عند الغربيين فقد ظهر في القرن التاسع عشر تحت عنوان diachronic linguistic وهو مكون dic بمعنى عبر و chronic بمعنى زمن على يد مجموعة من العلماء وهو ويتني وشليغر وجريم ، وجاء هذا العلم بعد المنهج الوصفي والمقارن ، ويرى اللغوي turgo أنَّ هذا العلم ظهر منذ أواخر القرن الثامن عشر ؛ لأنَّ قوانين اللغة تتغير من حال إلى حال مع مرور الزمن ، ونضجت هذه الفكرة في بداية القرن التاسع عشر وتأثر بهذا الأمر روبير جاك وتودوروف وجريم ؛ لانهم راوا أنَّ المقارنة بين اللغات الهندو أوربية والسنسكريتية لا تتم إلَّا عن طريق المنهج التاريخي إلّا أنَّ جورج مونان يرى أنَّ علم التاريخي قد سبق علم اللغة العلمي.

أسباب ظهور هذا العلم

وللبحث في الجانب اللغوي التاريخي هناك مجالات ،وهي:

  • اثبات القرابة اللغوية بين لغتين فأكثر وذلك بالاستعانة بطريقة المنهج المقارن
  • تتبُّع الظاهرة اللغوية ودراستها عبر الزمن
  • دراسة التغير الدلالي وما يرتبط به من إعداد المعاجم التاريخية
  • تناول الاستخدام اللغوي في المناطق المختلفة وتغير ذلك عبر الزمن
  • تناول الانتشار اللغوي ودخول اللغة إلى مناطق جديدة
  • دراسة الانحسار اللغوي في مناطق بعينها

أهمية المنهج التاريخي

أمَّا أهمية المنهج التاريخي فيبرز في : حله للمشكلات المعاصرة على ضوء خبرات الماضي ،وتسليط الضوء على اتجاهات حاضرة ومستقبلية يؤكد أهمية التفاعلات المختلفة التي وجدت في الأزمنة الماضية وتأثيرها ،وتتبع الفرصة في إعادة تقييم بيانات أو فروض أو نظريات ظهرت في الزمن الحاضر دون الماضي .

مزايا المنهج التاريخي

أمّا مزايا هذا العلم فعلى الباحث أنْ يتتبع خطوات الأسلوب العلمي وكما يلي : الشعور بالمشكلة وتحديدها وصياغة الفروض المناسبة لها ، ومراجعة الكتابات السابقة ، وتحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها ، وكذلك اعتماد الباحث على المصادر الأولية والثانوية لجميع البيانات ذات الصلة بشكل البحث على ألّا تكون نقطة ضعف النقد الداخلي والخارجي للمصادر( ) .

عيوب المنهج التاريخي

أما عيوب المنهج التاريخي فهي: إنَّ المعرفة التأريخية ليست كاملة ، بل تقدم صورة جزئية للماضي ، وكذلك المصادر المتعلقة بالماضي ربما تتأثر بالتلف أو التزوير أو التحيز ، وصعوبة تطبيق الفروض والتحقق من صحتها ؛ لأنَّ البيانات التاريخية معقدة إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجة على غرار ما يحدث في العلوم التطبيقية ، وإخضاع البيانات للتجريب الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد الداخلي والخارجي ، والتعميم والتنبوء لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمانية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة كما يصعب على المؤرخين توقع المستقبل .

عناصر ومراحل تطبيق المنهج التاريخي

أمَّا عناصر ومراحل تطبيق المنهج التاريخي فهي تحديد المشكلة العلمية التاريخية ، وجمع وحصر الوثائق التاريخية ونقدها ، وعملية تركيبها وتفسيرها .

مجالات علم اللغة التاريخي

وفيما يخص مجالات علم اللغة التاريخي فإنَّه يكمن في : المعاجم اللغوية لمعرفة تاريخ الكلمة ، ومعرفة الكلمات الأعجمية التي دخلت إلى العربية ، ودراسة الظواهر بين مجتمع ومجتمع آخر ؛ لمعرفة الفروق بينهما ، ودراسة تاريخ الأصوات العربية وما طرأ عليها من تغيير، ودراسة الأبنية الصرفية ، والظواهر النحوية و الدلالية عبر التاريخ ومنها أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل (مات حتف انفه ، وحمي الوطيس ،و لا يلدغ المؤمن في جحر مرتين )، ومعرفة ما أسماه اللغويون بالشاذ كمجيء أسماء على وزن يفعول مثل يربوع ،ويكرب على وزن يفعل ، ودخول اللام على الفعل المضارع نجو اليجدع ، ومجيء ودع وادع المهملتين من يدع ( ).

كان العراق في طليعة البلدان العربية التي كتبت في هذا العلم

وكان العراق في طليعة البلدان العربية التي كتبت في هذا العلم أمثال د. ابراهيم السامرائي ، ومصطفى جواد ، ود. رشيد العبيدي ، ود. نعمة رحيم العزاوي ، ود. علي زوين ، ود. طارق عبد عون الجنابي.

المنهج التاريخي للقواعد اللغوية

ومن خلال تتبع المنهج التاريخي للقواعد اللغوية سأكتفي بأربعة أمثلة (صوتية وصرفية ونحوية ودلالية ) ، وهي :

حرف القاف:

حدد مخرج القاف عند سيبويه بأنَّه من أقصى اللسان، فلم ينحدر كانحدار الكاف إلى الفم، ووافقه بذلك ابن جني وابن يعيش وابن الجزري وكانتينو ، وذهب ابن سينا إلى أنّ الخاء والقاف من مخرج واحد ولكن القاف يكون فيه حبس تام و وافقه بذلك إبراهيم انيس ، أما صفة القاف فهو مجهور عند القدماء ؛لانَّهم اعتمدوا على اللسان لا على التجربة ومهموس عند المحدثين.

تنوع ألفاظه

أمّا تنوع ألفاظه فينطق همزة في مصر نحو الأفز في القفز وهذا الإبدال موجود في اللغة الفينيقية ، ويقلب غينا في السودان كما في القارب والغارب ، ويقلب إلى كاف في العراق كما في قلب كلب ، وإلى جيم في دول الخليج العربي كما قبلة جبلة.

التأصيل الصرفي

أمّا في التأصيل الصرفي فنأخذ مثلا أصل الاشتقاق فذهب البصريون أنَّ المصدر أصل الاشتقاق أما الكوفيون فذهبوا إلى أنَّه الفعل ، وذهب د.تمام حسان إلى أنَّ صنيع المعجميين هو الصحيح فالجذر هو أصل الاشتقاق ولكن يجب علينا أنْ نفرق بين الأسماء الجامدة وهي فرس ورجل ،والمتصرفة نحو الماضي والمضارع والأمر والمصدر والمشتقات.

المجال النحوي

أما في مجال النحو مثلا نرى أنَّ الاسم الموصول لم يصرح به سيبويه ولكنه جاء في باب ( هذا باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة )إلّا أنَّ المبرد وابن السراج وابن جني والزبيدي وابن باشاذ والجرجاني يصرحون به ، أمَّا الرماني فيسميه الاسم التام ،و يسميه ابن يعيش الاسم المبهم.

مجال الدلالة

اما في مجال الدلالة فجاءت كلمة رمضان مصدرا على وزن فعلان ويأتي بمعنى الرمض شدة الحر ، والقلق ، والفساد ،والحزن ،وسمي شهر رمضان ؛لأنَّ الذنوب تحترق فيه.

بقلم: أ.د. صباح علي السليمان

أضف تعليقك هنا