واقع اللغة العربية في بلاد الاغتراب|| بقلم: نور شحط || موقع مقال

واقع اللغة العربية في بلاد الاغتراب

بقلم: نور شحط

تعلم اللغة الأجنبية أهم مقومات الاندماج في المجتمع الجديد 

منذ أكثر من عقد زادت حركات الهجرة واللجوء من البلاد العربية إلى البلاد الأجنبية بمجموعات هائلة دون تخطيط مسبق لها، إلى أن أمسى عدد الجاليات العربية في المهجر لا بأس به، وذلك بسبب اندلاع الحروب في المنطقة وانعدام الأمان أو بسبب البطالة وتدني البنى التحتية في أغلب دول الشرق الأوسط. 

وأول شروط الاندماج في المجتمع الجديد، هو ضرورة تعلم لغة البلد والتحدث بها، لذلك يضطر معظم المهاجرون واللاجئون إلى تعلم اللغة الأجنبية، لغة البلد التي يقيمون فيها كيّ يستطيعوا الحصول على فرص عمل أفضل، ومميزات اجتماعية تعينهم على بداية حياة جديدة.

طفلي لا يتحدث اللغة العربية، اللغة الأم!

معظم من هاجر ولجأ إلى البلاد الأجنبية، وقرر الإقامة فيها  يشكو من مشكلة عدم تحدث طفله اللغة العربية بطلاقة، بل وصل الأمر إلى أن بعض الأولاد لا يتكلمون اللغة العربية مع أهاليهم أبدًا، حيث يلجأ الطفل إلى استخدام لغة البلد التي يقيم فيها، بالرغم من رغبة الأهل المستمرة لتعليمه اللغة العربية…

يحصل كثيرًا مثل تلك الحالات، حيث الأهل يدخلون حالة من المعاناة في الحوار عندما يتكلم الطفل لغة البلد ولا يتكلم اللغة العربية معهم، فيُصابوا بحزن وإحباط شديدين نحو ما وصلوا إليه، ومما سيؤدي حتمًا مع مرور الوقت إلى ظهور جيل كامل من الشباب ذات أصل عربي لا يتكلمون اللغة العربية! 

لغة بلد الأم تختلف بين الأهل والطفل

يُولد الطفل وهو لا يعرف في أي بلد وُلِد، ولا أي لغة يتكلم أصحاب تلك البلد، فعندما يُولد الطفل في الصين يتكلم اللغة الصينية، وإن وُلد في تركيا تكلم اللغة التركية، وإن وُلد في ألمانيا تكلم اللغة الألمانية وهكذا دواليك… مع العلم أن الأهل تتكلم مع الطفل اللغة العربية في المنزل.

إذ تكبر عند الطفل قناعة بأن اللغة الأم عنده هي لغة البلد التي وُلد على أرضها ويعيش فيها، أما اللغة العربية فهي اللغة الغريبة والبعيدة كل البعد عن آماله وأحلامه، و تلك القناعة قد تزيد كلما كبر الطفل واقترب من سن الشباب، هنا على الأهل عدم الاستسلام مهما بلغ الطفل من حالة العناد بعدم رغبته في تعلم اللغة العربية أو التحدث بها.

الطفل يملك ذاكرة نظيفة تعينه على تعلم اللغة بشكل سريع 

يتأثر الطفل في الشهور الأولى بالأصوات التي يسمعها، ولا سيما إن كان الأهل يقومون بتشغيل الرائي (التلفزيون) على المحطات المحلية للأخبار بهدف سماع اللغة الأجنبية، أو تقوم الأم بفتح تطبيق اليوتيوب على دروس تعليم اللغة كي تتعلم النطق بلغة البلد المقيمون فيها، غير مراعية على أن طفلها يقوم أيضًا في تعلم اللغة الأجنبية، حتى أنه يقوم على ذلك بطريقة أسرع  وأفضل منها، كونه كائن بشري يملك ذاكرة نظيفة لا تحوي أي معلومات .

بالإضافة إلى ذلك يرغب الأهل بتعليم طفلهم لغة البلد التي يقيمون فيها كي يسهل عليه الاندماج مع أصدقائه عندما يذهب إلى الروضة أو المدرسة، فتقوم الأم بتشغيل المسلسلات الكرتونية للأطفال والبرامج التعليمية الخفيفة الناطقة بلغة البلد، انجليزية كانت أم فرنسية أم ألمانية….. ثمّ تترك الطفل قابعًا أمام تلك البرامج لساعات! فيقوم الطفل بمراقبة الرائي وسماع ما يصدر من لغة، إلى أن يهمّ على تقليد ما سمعه من تلك البرامج والأفلام، والأم سعيدة لما وصل طفلها من إنجاز! 

اللغة العربية صعبة النطق 

 عندما يذهب الطفل إلى الروضة أو المدرسة، يقضي معظم وقته داخلها، يستمع إلى الآنسة طوال النهار، يشارك أصدقائه اللعب في الباحة ويستمع إلى أحاديثهم، يصيبه الحماس بأن يكون واحد منهم ويتصرف مثلهم، فيصبح منحازًا إلى لغتهم بحالة طبيعية جدًا، وينطلق لسانه نحو الحديث بلغة البلد مع جميع من حوله في المدرسة، ثم يتابع بها في المنزل مع أهله حيث يراها أكثر مرونة وأقرب إليه من التحدث باللغة العربية. 

حسنًا، الأمر ليس بتلك السهولة كما نعتقد، وخصوصًا أن الطفل نفسه لا يرغب بتعلم اللغة العربية، لأنه وبكل بساطة يراها صعبة النطق في بعض الحروف، مثل حرف الخاء والضاد.. بالإضافة إلى أنها تحوي العديد من الضمائر المعقدة والملحقات الطويلة، والأهم من ذلك كله يشعر الطفل أنها غير ضرورية بالنسبة له مع الجو المحيط حوله.

مهمة الأهل في الاغتراب اتجاه اللغة العربية 

مهمة تعليم الطفل اللغة العربية في بلد الاغتراب ليست سهلة أبدًا، يجب على الأهل المتابعة والاستمرار في التحدث مع الطفل باللغة العربية داخل المنزل، حتى وإن أجاب باللغة الأجنبية بادئ الأمر فلا بد أن يأتي يوم يشارك أهله الحديث بنفس اللغة التي يتكلمون بها، بعد أن قام بتخزين كمية كافية من الكلمات والجمل من خلال ترديدها أمام مسامعه. 

على الأهل أيضًا عدم التوقف عن اختراع طرق تؤدي إلى ترغيب الطفل على تعلم اللغة العربية، كَالعمل على تشجيع الطفل بالانتساب إلى نوادي ترفيهية يرتادها أطفال الجالية العربية في البلد التي يقيمون داخلها لإنشاء صداقات معهم.. كما بإمكانهم تنزيل تطبيقات لتعلم اللغة العربية بطريقة مسلية وبسيطة على الجوال أو على الحاسوب اللوحي، وتزويد الطفل بألعاب على شكل مكعبات مكتوب على كل مكعب حرف من حروف اللغة العربية، وصور مختلفة تتطابق الكلمات الناتجة بعد تجميع حروفها. 

بالإضافة إلى تسجيل الطفل في دورات تعليم اللغة العربية قراءة وكتابة، وإقناعه بما تحمله اللغة العربية من أهمية كبيرة في العالم الإسلامي كونها لغة القرآن الكريم، وأنها مكسب ثقافي كبير للتواصل مع المجتمع العربي، وكنز لا يقدر بثمن قد يحتاجه في المستقبل من أجل نجاح حياته العملية. 

بقلم: نور شحط

 

أضف تعليقك هنا