كورونا “الغازي الجديد” محنة أم منحة؟

الحمد لله قدَّر بلطفه، وكتب بعلمه، وابتلى ليغفر، ومنَّ ليشكر، والصلاة والسلام على سيد الخلق وحبيب الحق، وعلى آله الطيبين الأبرار وبعد، الكرة الأرضية كلها في هلع وفزع، في خوف وترقب، لا تكاد تقلب في جهاز التلفاز، أو تطالع صحيفتك، أو تتابع أيًّا من حساباتك على قنوات التواصل الاجتماعي إلا وتجد عشرات الأخبار ولا أكون مبالغًا إن قلت هي بالمئين، بعضها مختصر وبالآخر الكثير من التفاصيل والإسهاب، لكن القاسم المشترك بينها، والرابط الذي يجمعها جميعًا: المقتضب منها أو ما طاله الإسهاب هو “كورونا الجديد” ذلك الفيروس الذي أصبح أشهر من مئات المشاهير في الفن أو الأدب أو حتى في الثقافة والمعرفة، بل وفي عالم الرياضة بأنواعها.

وقفة وتحليل عند بعض المعاني والأطروحات المتعلقة ب “كورونا الجديد”

ولست في هذا الصدد طبيبًا ماهرًا أو مخبريًا حاذقًا، لا …. ولا أنا صُحافيًا بارعًا ولا محللاً سياسيًا قد اطلع على العديد والعديد من وجهات النظر فأمعن فيها فكره، ودقق فيما وراء الخبر لعله يستنتج منها الآراء السديدة التي تسهم في اتخاذ القرارات الصائبة، ولكني أحببت أن أقف على بعض المعاني والأطروحات، وأعتذر منك إن وجدتها من أطياف شتى، وألوان من المعاني متعددة، فقد يكون منها ما هو وجهة نظر، أو تحليلاً سياسيًا، أو وقفة إيمانية تربوية، كلها في النهاية تعبر عن رأي خاص بي، إن راق لك ووافقتني فيه فيسعدني أن اتفقت وجهات النظر، وإن كان غيرها، فيثلج صدري أن اطلعتُ على رأي آخر يضيف لي أفقًا جديدًا وزاوية للنظر مختلفة، وهذا هو نهجي فيما أستعرضه في بقية هذا المقال.

بعض التساؤلات التي تراودني حول “الكورونا الجديد”

لا يزال وحتى كتابة هذا المقال يساورني الشك الكبير وضعف في اليقين فيما يتعلق بهذا الفيروس الذي غزا العالم بأسره، فقيره وغنيه، ما بلغ فيه العلم آفاقًا واسعة وما لا يزال في غياهب الجهل والظلام، وأتساءل أحيانًا:

  • هل يمكن أن يكون هذا الفيروس قد كُتِب له أن يُخلق في أحد معامل العلم والمعرفة بدول ضج حديثها عن القيم والأخلاق ومساندة الشعوب ونشر السلام والتعايش؟.
  • هل يمكن أن يكون ما يتم تداوله بين قارات العالم بخصوص انتشار هذا الوباء إنما هو نتاج تخطيط وترتيب بين أقطاب العالم وكبار الدول التي تهيمن على العالم بقوة اقتصادها وبواسع علمها، وبماضيها الاستعماري الذي لايزال جاثمًا على شعوب العالم، وإن اختلفت أشكاله، وتغيرت أساليبه، وتعددت صوره؟.
  • هل يمكن أن تكون منظمة الصحة العالمية ومن ورائها الأمم المتحدة ألعوبة في يد من يتحكم في مصائر الشعوب ومستقبل الدول فنراها -أي منظمة الصحة العالمية – تعلن -وبشكل سريع- فيما أرى – عن كونه وباءً عالميًا ولا يمكن السيطرة عليه، بل وتطالب دول العالم بإجراءات أقل ما يقال فيها أنها إعلان حرب عالمية ثالثة؟.
  • هل من الصدف أن تعلن العديد من دول العالم قدرتها على إيجاد المصل المضاد لهذا الغازي الجيد في ذات التوقيت بل وفي ذات اليوم؟.
  • هل يمكن أن تكون أكبر دول العالم سكانًا في تعاملها مع هذه الأزمة على أروع ما يكون، وتراها – حتى ساعة كتابة هذا المقال- وقد خطت فيها خطوات ناجحة، ونجاحاتها في ازدياد كل يوم، وعلى النقيض تجد المعسكر الغربي يعلن مبكرًا أن إنتاج المصل المضاد سيكون في أوائل أبريل من هذا العام؟.

وكأني – وليس من باب الاستناد على نظرية المؤامرة- أزعم أن من خلّق الغازي الجديد ومن أوجد دواءه هما في الأصل واحد.

هل يستحق فيروس كورونا الحجم الإعلامي الذي ناله؟ 

لكن المدهش واللافت هو هذا الحجم الإعلامي والإعلاني عن هذا الغازي الجديد والذي – حتى الآن – وبعد شهور – لم يغادر بسببه سوى عدة آلاف من البشر- وليس ذلك تقليلاً من قيمة الإنسان أو حياته – ولكنها قراءة من واقع الأرقام التالية:

  • فما يموت على الطرق يوميًا في حوادث السير ونحوه.
  • أو ما يموت بسبب البراميل المتفجرة أو خارج إطار القانون.
  • أو في السجون والمعتقلات بسبب اختلاف في الرأي أو التوجه.
  • أو من يموت بسبب العنصرية البغيضة أو العرقية الحقيرة.
  • أو … يزيد عشرات المئات بل آلافها عمن ماتوا بسبب هذا الغازي الجديد، ولعلك معي في هذه.

أين نحن عربًا ومسلمين مما حولنا؟

وأتساءل أيضًا … أين نحن – عربًا ومسلمين – مما حولنا، فلا أجد جوابًا إلا داميًا مدمعًا …….. لا وجود لنا …  لا علمًا ولا ثقافة ولا تخطيطًا ولا سياسة، ولا قدرة على توجيه العالم كما يُفعل بنا …. وكأني أسمع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيما رُوِى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم “لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ” قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ “فَمَنْ؟”  متفق عليه.

أو ما جاء في سنن أبي داود: عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [سنن أبي داود/ 4297، مسند أحمد/ 21890، مسند أبي داود الطيالسي/ 1085]

ولكن هل تحت أيدينا ما يؤكد هذا الزعم أو ينفيه، أو يثبت صحته أو يبطلها؟ لعل هذا هو دور مفكرينا وذوي الخبرة منا في التحليل وقراءة ما وراء الحدث والاستدلال والاستنباط فيما يتعلق بقراءة الحدث وأسبابه ونتائجه المحتملة.

هل نعتبر هذا الغازي الجديد محنة أم منحة؟

لكن ثمة وقفة لا ينبغي أن أغادر هذا المقال بدونها، والحق أنها – في وجهة نظري – أهم مما سطرته بين بديك، أقول: هل نعتبر هذا الغازي الجديد محنة أم منحة؟ هل يمكن أن يكون بلاء من الله – تعالى – يرسله إلى عباده فيصبر المؤمن ليؤجر، ويخاف غيره ليردع؟ هي يمكن أن يكون رحمة الله للعالم ….  لا يزال الخلق من عباده المؤمنين يتعلقون به – سبحانه وتعالى – فيلجأ إليه كل مؤمن به موحد له، ويثوب إلى جنابه كل عارف له موقن به، يبحث عن جادة الهدى وطريق الهداية من خلاله؟ قال تعالى: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” يونس: (107).

هل يمكن أن يكون محنة يعذب به الله – سبحانه وتعالى – من حاد عن الطريق، وشذ عن ركب البشرية إلى ربها؟ فقد روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –:” يا معشرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ-: لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم.”

هي منحة وفرصة للعودة إلى الله

لكن الثابت المحقق أنها منحة وفرصة للمؤمن:

  • فرصة له يراجع فيها حسابه مع ربه.
  • فرصة ليتوب المذنب، ويجد المقصر، ويتوب المخطئ.
  • فرصة ليجتمع شمل الأسرة حول كتاب الله تعالى يتدارسونه فيما بينهم.
  • فرصة ليتحدث فيها الأب مع أبنائه الذين لطالما افتقدوا عذب حديثه، وجميل كلماته.
  • فرصة لتسمع فيها الزوجة من زوجها أطيب الكلام وأحلاه الذي لطالما غاب عنها في ظل كثرة الأعمال وتعدد الأشغال.
  • فرصة للمصاحف التي علاها التراب أن تتقلب صفحاتها من جديد.
  • فرصة للبيوت التي غاب عنها أصوات الذكر والاستغفار والتسبيح أن تعمر من جديد.
  • فرصة ليجدد فيها المؤمن العهد مع الله في ركعات يقومها في محرابه، يدعوه ويتبتل إليه، يرجوه ويتوكل عليه، يفضي إليه بحاجته، ويلتمس إليه كشف الضر عنه وعن بلاده وأمته، وسائر شعوب العالم.

هي منحة ……. فاغتنمها، هكذا يتعامل المؤمن مع ما ينزل به من بلاء، يراها منة من الله ومنحة له، فيغتنمها إلى أن يزول البلاء ويرفع الابتلاء، ولله در القائل:

دقات قلب المـــرء قائلةً له        إن الحيـاةَ دقـائقٌ وثـوان

فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها       فالذِكرُ للإنسان عُمـرٌ ثان

فيديو مقال كورونا “الغازي الجديد” محنة أم منحة؟

أضف تعليقك هنا