مناهج الإصلاح لدى الأنبياء “قصة موسى عليه السلام نموذجاً”

أنبياء الله هم المصلحون في أرضه، بهم عرفنا الحق من الباطل، إنهم حاملي الهدايات الإلهية لمساكين أهل الأرض، أنصاره المستضعفين والمظلومين والكادحين، مقاومي التسلط ومجابهي الظلمة والجبابرة، وقائعهم نماذج في التضحيات والإصلاح، وأخلاقهم أخلاق قوم لم يخالطها فساد ولا يشوبها كدر، إنهم القدوات المصطفاة من الله للإقتداء والإرشاد، تنوعت شخصياتهم ليجد كل منا ضالته في شخوصهم في حياتنا المعاصرة.

من أهم مهام الأنبياء الإصلاح في الأرض

ففيهم التاجر وفيهم العامل وفيهم الملك وفيهم صاحب الحرفة وفيهم الطبيب وفيهم المزارع، وهم في كل ذلك مصلحون وأنبياء الله جميعاً تجمعهم قضية كلية كبرى وهي التوحيد وتعبيد الناس لله وإرشادهم إليه، وتفرقهم قضاياهم المجتمعية التي تفشت في أقوامهم، وفي كل حل سلكوه هو ضرب من السياسات الإصلاحية لحل تلك القضايا، والإشكاليات التي واجهتهم وهم بصدد التعامل مع تلك القضايا.

ففي كل قصة من قصص الأنبياء نرى مشكلة خاصة قد تكون آفة اقتصادية كالغش أوسياسية كالطغيان والإستبداد، أو أخلاقية كاللواط، أو إجتماعية كمقاومة مظاهر الترف والتجبر والغرور بالأماني الكاذبة أو ترصد مثالا لملك راشد ، أو استخلافًا لإبن حكيم عاقل.

الأنبياء هم صناع الحدث وقواد الثورات

وببعثة الأنبياء تتحرك المياه الراكدة، وتضطرب أحوال العباد، فالأنبياء هم صناع الأحداث وهم قواد الثورات، وهم أنصار الضعفاء، ومع قصة كل نبي تجد ضروباً من الحيل، وألوانا من الوسائل التي سلكها الأنبياء لاسترعاء الإنتباه، ولفت النظر، وإفراغ الوسع، وشأنهم في هذا ضرب نماذج للمصلحين في حياتنا وتقرير حقيقة مفادها أنك مطالب بإفراغ الوسع، لا بتحقيق النتائج فالنتائج جماع وسع مع قدر.

والمصلحون في الأرض تلاميذ لهؤلاء الأنبياء، فمنهم تلاميذ موسى عليه السلام، ومنهم تلاميذ داود وسليمان عليهما السلام ومنهم تلاميذ لإبراهيم الخليل عليه السلام، ومنهم تلاميذ المدرسة الجامعة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم تلاميذ لغيره من الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

قصة نبي الله “موسى عليه السلام”

ولنضرب على ذلك مثالاً بقصة نبي الله المصري مولداً، ومنشأً، ومبعثاً، الحافل ذكره في القرآن والتوراة، أكثر الأنبياء ذِكراً في الكتب السماوية ، والمجمع على نبوته من كافة الطوائف الدينية المسلمين والنصرى واليهود، كليم الله في أرضه، يخيل إليك من مطالعة سيرته أنه مصري عربي يشبهنا، بعث لحل قضيتنا الكبرى المعاصرة،

فموسى عليه السلام ولد وعاش بمصر، وخرج إلى أرض سيناء، وتعامل مع بني إسرائيل، وقاوم فرعون، وعاصر ظروفاً يقتل فيها الرجال وتستحيا فيها النساء، خاف كخوفنا، وعاش بأرضنا، وحمل قضايانا، تجمعنا من اخلاق وخلال ورثنها عنه كالنبل والشهامة.

هجرة موسى عليه السلام إلى “مدين”بعد أن أصبح مطاردا

ففي شبابه رأى شجاراً بين اثنين فتدفعه أخلاقه وشيمه أن يدفع الظلم عن أحد المظلومين فيهلك في يده الظالم، ويصير مطارداً، بعد أن كان منعماً في قصر فرعون، وتفسر الحادثة على أنها انتصار ومحاباة لفصيل سياسي وأنه ينتصر لبني إسرائيل على حساب المصريين، ويتأمر عليه الوزراء وأصحاب السطوة والنفوذ لإغتياله، فيهاجر مغترباً مطارداً عن أهله ليحط رحاله في مدين ضائعاً، وبهذا السفر يعوضه الله بالعمل والكسب الحلال والزوجة الصالحة، بعد موقفٍ شهامة آخر له في مساعدة الفتاتين دون أجر أو عوض وهو حينها في خوف وترقب ودون مال أو عتاد.

ليمكث عشر سنوات في مدين قبل عودته لمصر مرة أخرى وتبدأ رسالته ومواجهته مع فرعون،لقد جاء ذكر موسى عليه السلام 136 مرة، في خمسين سورة، وذكر فرعون 53 مرة، إشارة إلى تكرار ظاهرة الاستبداد والطغيان في حياة الأمة الإسلامية، وصراعها القادم مع بني إسرائيل.
ولما حان وقت الرسالة كانت طلبات موسى كانت تنم عن وعي ورشد واستيعاب لمقتضيات مهمته كرسول ونبي، فقد طلب من الله شرح الصدر، وتيسير الأمر والبلاغة في القول، و تهيئة الصف وإشراك الأخ.

بعض ملامح المنهج الإصلاحي عند مقاومة الإستبداد

  • طلب التوفيق الإلهي وتيسير الأمر
  • ‏التحلي بسعة الصدر ورباطة الجأش
  • ‏بلاغة القول وحسن الفهم
  • ‏اختيار البطانة الصالحة‏ من الأهل والأقربيين، لأنهم أقربهم نفعاً وأبعدهم غدراً وأكثرهم حرصاً، وآلفهم ودًا وطبعاً، وأصبرهم طاعة وذكراً.
  • ‏الإعراب عن الخوف وهواجس الخطر الذي تهدد أمنه الشخصي وطلب الحماية.

ملامح نظام فرعون الإستبدادي

ويرصد القرآن ملامح النظام الإستبدادي هو نظام يقضي بوراثة الحكم حتى الممات فرعون يرث فرعون، نظام هرمي:

  • حاكم باطش مطلق اليد متمثل في فرعون هو يعتبر نفسه المالك للأرض والسلطة ورقاب الناس
  • حاشية النخبة من فسدة أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي متمثلة في هامان وقارون وملأ فرعون
  • طبقة من التابعين للحاكم المؤيدين لسلطانة المنتفعين بثرواته متمثلة فى السحرة والجنود والرجل الذي قتله موسى خطأ.
  •  طبقة السواد الأعظم من المستضعفين قهراً وظلماً.

بعض سمات فرعون الشخصية في القرآن الكريم

  • التكبر والتجاهل
  • الحديث عن التخوين والمؤامرات الخارجية
  • التحدي والإصرار على الباطل
  • زيادة إنفاق الأموال والمكافئات المالية للمنتفعين.
  • الوعيد والتنكيل بالمصلحين والمؤمنين.
  • ‏تتبع المعارضين أينما ولوا وبأي أرض ذهبوا.
  • ‏الكذب والمخادعة ونقض الوعد.
  • ‏الميل الدائم للتصعيد،

وبموت فرعون تبدأ معاناة موسى عليه السلام مع قومة وهم نتاج تربية فرعون، رباهم على الخوف وضيق الأفق.

فيديو مقال مناهج الإصلاح لدى الأنبياء “قصة موسى عليه السلام نموذجاً”

أضف تعليقك هنا