مجالس قرآنية 6 (الأبتر)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)”الحمد لله المنان والصلاة والسلام على المبعوث للإنس والجان، وبعد.

ما هي السورة التي عجز العرب والعجم أن يأتوا بمثلها؟

10 كلمات، عجز العرب والعجم والإنس والجن أن يأتوا بمثلها، وفي الوقت نفسه كانت معجزة دائمة على مدار الزمان والمكان فقد قال الله تعالى: “وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) “. سورة البقرة، وأقل سور القرآن كلمات هي سورة الكوثر :10 كلمات و42 حرف، فما أسرار هذه السورة؟ ولأننا لن نحيط بكل أسرارها، فإننا سنذكر ما فتح الله على بعض عباده.

ما معنى الكوثر؟

عن أنس بن مالك قال: بينما ذاتَ يومٍ بينَ أظهرِنا يريدُ النَّبيَّ  إذ أغفى إغفاءةً ثمَّ رفعَ رأسهُ متبسِّمًا فقلنا لهُ: ما أضحكَكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: نزلت عليَّ آنفًا سورةٌ {بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم } {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }. ثمَّ قالَ: هل تدرونَ ما الكوثرُ؟ قلنا: اللَّهُ ورسولُهُ أعلم، قالَ: فإنَّهُ نهرٌ وعدنيهِ ربِّي في الجنَّةِ آنيتُهُ أكثرُ من عددِ الكواكبِ[1]. ولنبدأ بالتعرف على تلك العطية:

“إنا أعطيناك الكوثر” إنّا” و” أعطيناك” بصيغة الجمع  ضمير العظمة مشعرٌ بعِظَم العطاء؛ فالمُعطي هو مالك السموات والأرض، والشرف أن يعطيك والكاف للتخصيص، أعطيناك للدلالة على أن هذا الإعطاء كان حاصلاً في الماضي، وتلك العطية بكونه رسولاً أو عالماً أو غير ذلك، بل هي محض الاختيار الرباني، أما الكوثر فهو في اللغة بصيغة فوعل، من الكثرة، وهو المفرط في الكثرة، أي الخير الكثير في الدنيا والدين، فيكون ذلك وعداً من الله إياه بالنصرة والحفظ، ومن الخير الكثير النبوة والنهر كما في الحديث :”دخلتُ الجنةَ، فإذا أنَا بِنهرٍ حافَّتاهُ خِيامُ اللُؤْلُؤِ، فضَرَبْتُ بيدِي إلى ما يجرِى فيه الماءُ، فإذا مِسكٌ أذْفَرُ، فقُلتُ : ما هذا يا جبريلُ ؟ قال : هذا الكوثَرُ الذي أعطاكَه اللهُ[2]،وما أجمل التربية القرآنية التي تُرشد إلى مقابلة النعم بالشكر فكانت الآية التالية:

شرح الآية “فصلِّ لربك وانحر”

“فصل لربك وانحر” الفاء للدلالة على الفورية، والصلاة هي قمة العلاقة بين الله (المُعطي ) وبين عبده (الآخذ )، وهي مشتملة على أركان الشكر الثلاثة: شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الأبدان. فالأمر بالصلاة أمر بالشكر وزيادة؛ فكان هو الأحسن في هذا المقام، واللام توجيه نحو الإخلاص وأن تكون تلك الصلاة خالصة للمُنعِم عليك والمتهم بشأنك، فقال: “لربك “، ولم يقل: “لله”، وأمر آخر وهو مباشرة النحر، وهو الذبح من الأضاحي والهدي وغيره، فجمع بين العلاقة مع الله والعلاقة مع غير الله، ومع هذا الكوثر يضاف إليه بقاء ذكرك على مدار الزمان حتى بعد وفاتك

شرح الآية “إنَّ شانئك هو الأبتر”

فقال:”إنَّ شانئك هو الأبتر” هكذا هي سنة المحبين، فحين تكلم المُبغض (شانئك أي مُبغضك وعدوك) على خليل الله محمد فقال عنه إنه أبتر، أي ليس له أولاد ذكور؛ فسينقطع ذكره ولا يبقى اسمه؛ فقد رويَّ أنه كان يخرج من المسجد، والعاص بن وائل السهمي يدخل؛ فالتقيا فتحدثا، وصناديد قريش في المسجد، فلما دخل قالوا: مَن الذي كنت تتحدث معه؟ فقال: ذلك الأبتر، أي الذي لا ولد ذكر له فسينقطع ذكره، عند ذلك تولى الله الرد عليه ودحر شبهته وطمس ذكره فأصبح هو الأبتر، وكذلك غيره، وتلك سنة ربانية؛ فمَن عادى ولياً من أولياء الله فليأذن بحرب من الله كما في الحديث القدسي: “من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ[3]”. وهكذا أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمراً على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد.

المراجع

  1. صحيح”، الألباني، صحيح النسائي 21617
  2. صحيح، الألباني، صحيح الجامع الصغر 3365
  3. صحيح، صحيح البخاري، 6502.

فيديو مقال مجالس قرآنية 6 (الأبتر)

أضف تعليقك هنا