المُغيِّرون

على رسلك، تأنى قليلاً:مجرد سماع كلمة تغيير أو مرادفاتها يأتي في أذهاننا قوله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ” الرعد 11. (إرادة التغيير) (اقرأ المزيد من المقالات من قسم إسلام).

ما هي قواعد التغيير ومن أين يبدأ التغيير؟ (إرادة التغيير)

لكن حديثي سيكون مختلفاً، قبلها دعونا نتفق على تلك القواعد المستنبطة من الآية ثم الواقع:

  1. التغيير الرباني هو نتيجة التغيير البشري (حتى يغيروا).
  2. بداية التغيير من النفس “ما بأنفسهم”. فالنفس هي التي تدير الجوارح.
  3. ليس المطلوب أن يتغير الجميع فكلمة “يغيروا” تعني أن يتغير البعض وليس الكل.
  4. هناك صفات معينة يجب أن تتحقق في هذا ” البعض” لتحصل الثمرة الربانية.
  5. تغيير المجتمعات الأرضية كان نتيجة حركة فئة قليلة وهي القوة المحركة ثم تبِعها الآخرون.
  6. يمكن تقسيم المجتمع من حيث التغيير إلى قوتين: متحركة وساكنة، والمتحركة قسمين: قسم يسعون في التغيير بقوة (المغيرون)، وقسمٌ يقاومن التغيير بقوة (المُعيقون)، أما الساكنة فهم مراقبون ويسيرون مع الأقوى (مراقبون).
  7. القسم الأكثر عدداُ في المجتمع هو قسم المراقبون، بينما القسم المؤثر هما القسمان الآخران.
  8. الصراع بين المُغيرين والمُعيقين صراعٌ أبديُّ سرمدي ، له صورٌ مختلفة ومناهج متعددة .
  9. التمييز بين التغيير للأفضل أو عكسه ينبني على معايير وقيم الفئة المتحركة ومدى تمسكها بها.
  10. لا يمكن للبشر أن ينفكوا عن مصالحهم في تحديد القيم والمعايير، لذا كانت المعايير المنشودة والمطلوبة في التغيير هي المعايير الربانية التي تدرك طبيعة الإنسان وما يناسبه في هذه الأكوان ” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)” الملك.

لك أن تقبل أو تناقش في تلك القواعد، لكن بعدها دعنا ننطلق إلى لُبِّ حديثنا، وهو الإجابة على السؤال المهم: إذا كان التغيير عجلة لا يمكن إيقافها، فيكف يمكن للمغيرين توجيه دفتها نحو القيم الربانية ؟ أو بطريقة أخرى: كيف لهم أن يغيروا مسارها من المنهج الأرضي الوضيع إلى الرباني الرفيع؟أظنك تفكر معي وتشاركني الهم وتشاطرني العمل ، فأنت -بلا شك- تسعى لتكون من المُغيّرين وفق منهج رب العالمين ، لذا تبحث عن الإجابة مثلي.

من هي الفئة المُغيّرة؟ (إرادة التغيير)

من الصعب جداً تحديد إجابة مثالية لذلك، لذا سنحاول تلمس الطريق وضع سمات للفئة المغيرة -والتي نسأل الله أن نكون منها-، ومن أهم تلك السِّمات:

  • الله” نصب عينيها في كل حركة وسكنة، فهي ترجوه وتخافه ، ليس على نفسها فقط ، بل وعلى قومها فبين ناظريها حديث المصطفى r :”إنَّ النَّاسَ إذا رأوا ظالمًا، فلم يأخُذوا على يَديهِ أوشَكَ أنيعُمَّهُمُ اللَّهُ بعِقابٍ منهُ“[1].
  • متشربون” لقيمهم ومنهجهم الرباني ، فلا تُزلزلهم شبهات المعقين، ولا تدغدغهم شهوات المتنعمين.
  • واثقون” من طريقهم متقنين من نصرهم ، فأنوار الحق قائدهم ، فلا تردد ولا تقهقر، بل انطلاق بثبات، شعارهم “إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي” ، ينظرون إلى المستقبل بعين البصيرة، فلا كثرةُ الخبيث تُحزنهم، ولا سلطة الباطل تُضعِفُ إرادتهم.
  • مصلحون” فهم قد تجاوزوا مرحلة الإصلاح الذاتي لأنفسهم، ليسعوا في إصلاح غيرهم، فهم يُدركون أن الصلاح الشخصي قد يُنجي الإنسان نفسه، لكنه ليس كافياً لتجنب غرق السفينة، فها هو نبينا r يدخل على زوجه زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فيقول :”لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ يا رَسولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْإذَا كَثُرَ الخَبَثُ “[2]
  • متيقظون” يدركون طبيعة معركتهم مع المجرمين، يستبينون طريقهم، فلا ينخدعوا بسحر كلامهم، ولا بحلو مظهرهم، ولا يقعوا ضحية مكرهم، فنَصبُ أعينهم:” لست بالخِبِّ ، ولا الخِبُّ يخدعني”.
  • متعاونون” فأحدهم كالجماعة، والجماعة كالجسد الواحد، يحلمون على بعضهم، ومهما حدث من شرخ، ومهما حصل من خلاف فمصيره الوفاق والاجتماع لا النزاع والافتراق، فقد حفروا في قلوبهم: “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)الأنفال

نعم المغيرون قليل، نعم طريقهم صعب وطويل، نعم يتعبون ويَجهدَون لكن كُن على يقينأن ثمن التغيير الإيجابي كبير ،لكن ثمن الضعف والاستلام ثمنه أكبر بكثير فهلا أخذت بيدي وآخذ بيدك لنسلك طريق المغيرين .أنتظرك ،ولك الحرية.

المراجع

  1. صحيح، الألباني، صحيح الترمذي رقم 3057
  2. صحيح، البخاري، صحيح البخاري برقم 3346

فيديو مقال المُغيِّرون

أضف تعليقك هنا