لا تكن فارغاً

يقول الإمام الشافعي: ” الوقتُ كالسيف إن لم تقطعه قطعك” فالوقت هنا هو النهر الجاري بين ضفتين، إن استطعت عبوره بسلامٍ فتكون قد عرفت الطريق الصحيح، وإن لم تستطع ستنال خسارةً غير متوقعة. (أهمية الوقت).

أهمية الوقت

فالوقتُ يمرُ بكثيرِ من الناس دون أن يعرفوا كيف تبخرَ سراباً دون عملٍ يُذكر أو إنجازٍ يُفتخر به، حيث يهتم البعضُ بصغائر الأمور التي لا تجدي نفعاً، بينما ينقصهم الإدراك الواعي لآلية الاهتمام بالأمور الكبيرة التي تُعطي لحياتهم قيمة ومعنى. فهذا أشبه بالتركيز على الكماليات عند شراء حاجيات البيت وإهمال الأساسي والأهم.

تجربة أحد المحاضرين في موضوع إدارة الوقت

هنا يُمكننا ذكر تجربة أحد المحاضرين في موضوع إدارة الوقت، الذي طبق اختباراً قصيراً مع طلبة الجامعة، إذ وضع دلواً على طاولة أمامهم. ثم أحضر عدداً من الصخور الكبيرة وقام بوضعها في الدلو بعناية واحدةً تلو الأخرى، وعندما امتلأ الدلو سأل الطلبة: هل هذا الدلو ممتلئ؟فأجاب بعض الطلبة: نعم. فسألهم: هل أنتم متأكدون؟! ثم سحب كيساً مليئاً بالحصى الصغيرة من تحت الطاولة وقام بوضعها في الدلو حتى امتلأت الفراغات الموجودة بين الصخور الكبيرة. ثم سأل: هل هذا الدلو ممتلئ؟

فأجاب أحدهم: ربما لا. استحسن المحاضر إجابة الطالب فقام بإخراج كيس من الرمل وسكبه في الدلو حتى امتلأت جميع الفراغات الموجودة بين الصخور. وسأل مرة أخرى: هل امتلأ الدلو الآن؟ فكانت إجابة جميع الطلبة بالنفي. بعد ذلك أحضر إناءً مليئاً بالماء وسكبه في الدلو حتى امتلأ. وسألهم: ما هي الفكرة من هذه التجربة في اعتقادكم؟

العبرة من تلك المحاضرة

أجاب أحد الطلبة بحماس: أنه مهما كان جدول المرء مليئاً بالأعمال، فإنه يستطيع عمل المزيد والمزيد بالجد والاجتهاد. فرد عليه: صدقت. ولكن ليس ذلك هو السبب الرئيسي. هذا يعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولاً، ما كان بإمكاننا وضعها أبداً.  ثم قال: قد يتساءل البعض وما هي الصخور الكبيرة؟ فأقول: إنها هدفك في هذه الحياة أو مشروع تريد تحقيقه كتعليمك وطموحك وإسعاد من تحب أو أي شيء يمثل أهمية في حياتك.

لا شك أننا جميعنا خبرنا شعوراً بالملل وفقدان الإحساس بقيمة الوقت حيث قضينا ساعاتٍ لو اجتمعت لصارت أياماً أو شهوراً أو سنواتٍ من أعمارنا دون إنجاز عملٍ يمنحنا السعادة الحقيقة والدائمة، نحن من نضيع الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة برامجٍ أو مسلسلات أو أخبارٍ تمد أرواحنا بطاقة سلبية تزيد من عدم رغبتنا في التمعن في ظروفنا والتفكير في إنجاز ما يسعدنا في يومنا الطويل الذي يراه أغلبنا قصيراً.

دور التخطيط في إدارة الوقت

يقول البعض أنه لا يلزمهم التخطيط، بل يرون أن الأيامَ سيانٌ لا يختلف الأمس عن اليوم ولن يختلف اليوم عن الغد إلا في مرور ساعات من روتينٍ لا يتبدل أو تتغير ملامحه، بل يفضل هؤلاء العيش على سيجتهم في انتظار ما تمنحهم إياه الأحداث لتترك في نفوسهم أثر الترح أو الفرح. فيكون لهم نصيباً من الاستسلام والرضوخ. قد يندمُ أحدهم عندما يلاحظ أن يومه انتهى هباءً دون أداء الروتين حتى. ولكن هل يتخذ خطواتٍ للتغيير وإدارة وقته كي لا يكون فارغ المحتوى.

والجدير بالذكر هنا أنه لم يُولد أيُ منا بمهاراتٍ بسيطة أو فائقة في إدارة الوقت، بل تعلم الكثيرون كيف يجعلون وقتهم ثميناً إما من قدوة حسنة كانت في دربهم داعمةً لهم أو من تجاربهم الخاصة التي عانوا فيها من ويلات العشوائية والتي بدورها جعلتهم يبحثون في كل اتجاه لتعلم ما يمكنهم من استثمار أوقاتهم بشكلٍ مثالي. أولئك هم الذين فهموا أن إدارة الوقت ما هي إلا إدارة لذواتهم ومعرفة طموحاتهم وأحلامهم وتحويلها إلى أهدافٍ واقعيةٍ تجسدها خطط قابلة للتنفيذ على مر شهورٍ أو سنواتٍ.

والسؤال الآن: أين أنتَ بين هؤلاء؟ هل أنت ممن استطاعوا السير قدماً نحو أهدافهم بعد أن عرفوا كيف يخططون لها؟ أم أنك لا زلت تجهل حتى أحلامك وطموحاتك ووقفتَ ساكناً في انتظار ما تكتبه لك الأيام.ولتجيب عن ذلك عليك بتأمل الآتي:

كيف تجعل وقتك ثميناً؟

  1. معرفة الإنسان بسبب وجوده في الحياة أول سبل اكتشاف ما يصبو إليه. فالبعض يعتقد أنه خُلق ليعاني من ويلات وتقلبات الظروف، بينما اقتنع البعض أن وجوده لغايةٍ وهدفٍ سواء له أو حتى لمن حوله.
  2. اكتشافه لإمكاناته وقدراته والبحث عن طريق لتطويرها وخلق أمنياتٍ يمكنه تحويلها إلى واقع، يمنحه الرضا التام والذي من شأنه أن يرفع من قيمته عند نفسه لتنطلق فيما بعد بشكلها الإيجابي والمحبوب عند الغير.
  3. وقبل هذا الإيمان المطلق بالذات وإمكاناتها التي تضمن له حتمية النجاح في حياته الشخصية والعملية. فالإيمان هو الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها كل الأمور. الإيمان بأن الله يمنح الواثق عطاء يُرضيه ويزيد من وتيرة التفاؤل ليرى أي عقبة في سبيله مجرد مطبات يمكنه إزاحتها إن استطاع التخطيط السليم.
  4. مرافقة الناس الإيجابين هو خيرٌ له، هنا تنتقل له عدوى الإيجابية والتي بدروها تحفزه على صياغة أهدافٍ تزيد من قناعته بإمكاناته وقدرته على تنظيمها حسب الأولويات والأهمية.
  5. تخليه عن أحلامٍ لا تلائم قدراته لا يعتبر قصوراً، بل هو قوةٌ تفتح له المجال للتعمق أكثر في ذاته واكتشاف المزيد من الإيجابيات التي يتحلى بها ومن ثم وضعها أمامه لبلورتها في أهداف وخطط واجبة التحقيق.
  6. الشعور بالمسئولية تجاه الذات كفيلٌ بأن يحمي الفرد من العشوائية، إذ يضع على عاتقه حفظها من الضياع والتيه دون عملٍ جدي يعطيها قيمة، فيفكر كثيراً قبل أن يهدر وقته فيما لا يُفيد.

عزيزي القارئ لم أرغب هنا التحدث عن خطوات تنظيم الوقت كما عهدنا في جميع المقالات، بل اكتفيت بوضع بعض النقاط التي قد تقف عندها لتفكر كيف تهتم بوقتك وذاتك. والخلاصة:إن معرفة الذات وما تصبو إلي من أهداف أهم من التدرب على إدارة الوقت دون هدف واضح.(اقرأ المزيد من المقالات عى موقع مقال من قسم مهارات شخصية).

فيديو مقال لا تكن فارغاً

أضف تعليقك هنا